الذكاء الاصطناعي سلاحاً في الحرب
رفاه حسن /
لطالما كانت دول العالم الكبرى في سباق لا نهاية له في سبيل تسليح جيوشها بأحدث المعدات العسكرية والمحافظة على وجودها العسكري المؤثر في سياسة هذا العالم وخرائطه، حتى أن هذه الحرب وبمساعدة التكنولوجيا الحديثة وصل مداها حتى الفضاء الخارجي، وبتوجه تلك الدول الى رقمنة مؤسساتها العسكرية أصبح صراع التسليح هذا هو الاكثر تأثيراً في استقرار هذا الكوكب إن صح التعبير.
ربما تبدو مصطلحات مثل “رقمنة أو أتمتة” مألوفة لبعض الناس وقد لا تكون كذلك لبعضهم الآخر، ومن المعروف أن هذه المصطلحات تطلق على استخدام الكمبيوتر والأجهزة المبنية على المعالجات أو المتحكمات والبرمجيات في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية من أجل تأمين سير الإجراءات والأعمال بشكل آلي دقيق وسليم وبأقل خطأ ممكن. تقول الويكيبيديا أن الأتمتة هي فن جَعْل الإجراءات والآلات تسير وتعمل بشكل تلقائي.
ومن هذا المنطلق يمكن استنتاج حجم تأثير عملية الأتمتة على المؤسسة العسكرية بداية من المتابعة والرصد وجمع البيانات وتحليلها الذي يؤدي في النهاية الى تحسين جودة عملية اتخاذ القرار داخل المؤسسة بغض النظر عن كونها قرارات آجلة تنفذ على المدى البعيد أو مستعجلة اثناء أوقات الحرب إلا أنها تتسم بالدقة والفعالية الواضحة وهذا ما يبدو انعكاسه جلياً في باقي أجزاء المؤسسة العسكرية.
أبرز الأمثلة على دور تكنولوجيا المعلومات هي الأنظمة المسيرة المتمثلة بالطائرات والمركبات والغواصات التي تعمل على نحو آلي حسب ما بُرمجت عليه، وكانت هذه الانتقالة كفيلة بتقليل الخسائر البشرية فضلاً عن كون هذه الآلات قادرة اليوم على إتمام فريق كامل من الاستطلاع الى المراقبة وربط البيانات التي تم جمعها مع المعلومات المتوفرة مسبقاً، ثم تحليلها في سبيل اتخاذ القرار المناسب، إذ أن بعض هذه الآلات تكون مزودة بذخيرة جاهزة في حال دعت الحاجة الى الهجوم أو الدفاع عن المركبة.
ونحن عندما نتحدث عن الرقمنة في المؤسسة العسكرية فنحن لا نقصد التحول من استعمال الورق الى استعمال الحواسيب، بل نعني استعمال تكنولوجيا الذكاء الصناعي في أداء المهام التي تتطلب ذكاء العقل البشري، وفهم المعطيات، والترجمة الى لغات مختلفة، لنصل إلى نتيجة مرضية باتخاذ القرار المناسب.
وعلى الرغم من الايجابيات الكثيرة التي تقدمها الأنظمة المسيرة للمؤسسة العسكرية كما هو الحال في الوصول الى المناطق المتنازع عليها وجمع البيانات وتحليلها فضلاً عن حماية الحدود ورصد تحركات الخلايا الارهابية وصدها في الوقت المناسب، ولا ننسَ الدقة المتناهية التي تمنحها التكنولوجيا، وبالتحديد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال ضرب الأهداف وصدّ الضربات الخارجية إلا أنها تواجه كثيراً من المشكلات والاتهامات حول أخلاقيات استخدامها لاسيما تلك الفئة المزودة بالأسلحة منها، إذ أنها قادرة على ضرب الاهداف بعد جمع وتحليل البيانات دون الحاجة للعودة الى الجهة التي اطلقتها.
إن القوة المهولة التي تقدمها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لاسلحة الحرب التقليدية تمنح الدول الثقة الكاملة بقوة جيوشها على الرغم من أن هذه التكنولوجيا وغيرها لا تتوقف عن التطور والنمو يوماً بعد آخر، إذ وصل معدل النمو السنوي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الى حوالي 40% ولكن بعض الدول في لحظة ما تظن أنها لا تُهزم بامتلاكها هذه التقنيات، وعليه فإنها لاتلجأ أبداً إلى الحلول السلمية فهي ترد الضربات بدون تفكير أو قد تقوم بضربات استباقية بحسب المعطيات التي تقدمها التكنولوجيا لها.
من المعروف أن أبطال ساحات الحرب هذه هي الولايات المتحدة الأمريكية والصين ثم روسيا إذ تسعى هذه الدول وأخرى غيرها الى الوصول إلى الصدارة أو حتى الحصول على استقلاليتها في تطوير هذه التقنيات، فقد جرى إنفاق ما يقارب 1400 مليون دولار على تطوير هذه التكنولوجيا في سنة 2019 ومن المتوقع أن يصل الى ما يقارب أحد عشر مليار دولار بحلول سنة 2025.
إن الذي يميز المجال التقني كونه مورداً لا ينضب وغير قابل للاحتكار من جهة معينة، فالجميع قادرون على المساهمة في تطوير هذه التكنولوجيا، وكل ما يقتضيه الأمر هو أن يتعلم الناس ليتمكنوا من استثمار هذه التكنولوجيا على أكمل وجه، فاستخدام الذكاء الاصطناعي مثلا لا يقتصر على وقت الحرب فقط، ففي أيام السلم له دور كبير في دعم قطاعات الاقتصاد والتعليم والصحة والاتصالات.