المحيبس و الماجينا و المسحّرجي طقوس تراثية تتجدد مع كل رمضان

770

تجتمع أغلبية الشعوب المسلمة على عادات متقاربة وواضحة خلال شهر رمضان المبارك، منها التجمع حول مائدة الإفطار مع مغيب الشمس، إلا أن لكل شعب أو جالية مسلمة، عاداتهم الخاصة في هذا الشهر، بين سلوكيات معينة، أو وجبات لا تغيب عن سفرة الإفطار الرمضاني.

تقاليد عراقية

في العراق، تتجدد في هذا الشهر التقاليد الخاصة باستقبال رمضان، وتلك العادات اليومية التي لا يستغني عنها الشارع العراقي، إذ تبدأ العوائل العراقية بالاستعداد لشهر رمضان، بالتوجه إلى الأسواق المعروفة مثل سوق الشورجة في بغداد لأجل التبضع وشراء ما لذ وطاب من احتياجاتهم التي سيجتمعون حول مائدتها، ويلاحظ ذلك من خلال التنوع في الأكلات العراقية الشهية، التي تتقدمها شوربة العدس واللبن البارد والتمر والبرياني والمقلوبة ومرقة الباميا والدليمية والدولمة والكبة الحلبية.

تبادل الأكلات

أما الحلويات فأشهرها البقلاوة والزلابية. ومن العادات البغدادية في شهر رمضان تبادل الأكلات بين الأهل والجيران؛ حيث تقوم كل عائلة بإرسال طبق معين من الأكلات إلى جيرانها، وبإزاء ذلك يقوم الجيران بمبادلتهم مما جادت به مائدتهم في الطبق نفسه؛ لأنه من المعيب أن يرجع الطبق فارغاً عند العراقيين. ولهذا الشهر في العراق عادات وتقاليد منذ القدم تتمثل بكثرة الزيارات بين الأقارب والجيران، إذ تتبادل فيها الدعوات على وجبة الإفطار، التي من شأنها زيادة الألفة والمحبة بين العوائل العراقية، وبعد الانتهاء من مراسم الإفطار، تبدأ صلاة التراويح وقراءة القرآن في الجوامع والمساجد كافة؛ احتراماً لحرمة هذا الشهر الكريم وتطبيقاً للشعائر الإسلامية. حيث يلاحظ أن غالبية الناس يلتزمون بشعائر شهر رمضان من صيام وصلاة وقراءة القرآن، وكذلك أولئك الذين لا يصلّون أصلاً فتراهم يلتزمون بالصلاة ويقرأون القرآن، وحتى النساء غير المحجّبات يرتدين الحجاب خلال شهر رمضان، فنجد فيه الالتزام الواضح من الكبير حتى بين صغار السن إلى من هم دون سن التكليف. إذ يحرص أهلوهم على أمرهم بالصيام إلى منتصف النهار ، وغيرها من العبادات تدريباً لهم على العبادات منذ الصغر، وتستمر في هذا الشهر قراءة القرآن والمسابقات الرمضانية المتنوعة.

أنشودة الماجينا

وبعد الانتهاء من تلك الشعائر الدينية ينطلق الأطفال في الطرقات وهم يتغنون بالنشيد البغدادي المعروف (ماجينا ياماجينا حلّي الكيس واعطينا). أما الشباب فإنهم يذهبون لممارسة لعبة المحيبس المعروفة في العراق، والتي تستمر حتى الفجر. حيث تنتشر هذه اللعبة التراثية في الشارع العراقي الشعبي بشكل لافت للنظر، وتستهوي هذه اللعبة آلاف العراقيين من لاعبين ومشجعين، وتمارس في الأحياء والمقاهي الشعبية منذ مئات السنين .وقد اشتهرت في أقدم المحلات البغدادية القديمة كالكاظمية والأعظمية والجعيفر والرحمانية، فتقام مباريات بين أبناء المنطقة الواحدة، وبين المناطق المتجاورة مثل المباريات التي تقام كل عام بين منطقة الكاظمية ومنطقة الأعظمية. تتكون اللعبة من فريقين، كل فريق يتكون من عدد من الأشخاص قد يتجاوز العشرين، ويجلس الفريقان بصورة متقابلة, وبشكل صفوف، ويقوم أحد لاعبي الفريق الأول بوضع خاتم (محبس) بيد أحد لاعبي فريقه، ويتم اختيار أحد الأشخاص من الفريق الآخر ليعرف (يحزر) مكان الخاتم، ويتم تسجيل النقاط لكلا الفريقين بحسب عدد المرات التي يتمكن خلالها من معرفة مكان الخاتم، والفريق الذي يحقق الحد الأعلى من النقاط (21 نقطة) هو الفائز. ومن طقوس هذه اللعبة أن يتناول الفريقان والجمهور بعد انتهاء اللعبة بعض الحلويـات العراقيـة المعروفـة (بالزلابية والبقلاوة)، أما الهدف من هذه اللعبة فإنها تعمل على تقوية أواصر المحبة والصداقة بين أبناء الحي الواحد، والتعارف وتوطيد المحبة والألفة بين أبناء المناطق المختلفة. أما في الثلث الأخير من شهر رمضان فيبدأ الناس بالاستعداد لاستقبال عيد الفطر المبارك، من خلال تزيين البيوت لاستقبال المهنئين من الجيران، الأقارب، والأصدقاء، وتقوم ربات البيوت بصنع الحلويات والمعجنات خاصة (الكليجة) لتقديمها مع العصائر للضيوف الذين يأتون في العيد، حيث يبدأ الكل بعد صلاة العيد بالتزاور، وتقدم لهم الكليجة.

المسحّرجي

مع قدوم شهر رمضان الفضيل، تبرز الى الذاكرة العراقية والبغدادية خصوصاً صورة وملامح شخصية رمضانية شهيرة بقيت حاضرة في قلوب البغداديين خاصة كبار العمر ممن وعوا وجود (المسحرجي) أو أبو طبل أو أبو طبيلة كما يسميه البصريون.
المسحّرجي شخصية فلكلورية مازالت تجوب ليالي رمضان برغم الحداثة والتطور التقني.. وبرغم التطور الحاصل في وسائل الاتصال، إلا أن المسحرجي ظل مستمراً يعمل في بغداد والمحافظات,”سحور”، “سحور”، “سحور” هي تلك الكلمات التي اعتاد البغداديون على سماعها في أيام رمضان، ثلاث كلمات تليها ضربات طبل على إيقاع رمضاني مفعم بالحنين لتعطي الصائمين إشارة بوقت السحور، قبل بزوغ الفجر، حيث تنتهي مهمة “المسحّراتي” اليومية.