الملك فيصل الأوّل..
#خليك_بالبيت
علاء حميد /
يحضر الملك فيصل الأول في حديث العراقيينحين يتذكّرون الأزمات التي مرّت بهم سابقا وهي ما زالت تعيد وجودها واستمراريتها من قبيل “إدارة الدولة، العلاقة بين التنوع الاجتماعي والسلطة، علاقة العراق بمن حوله من الدول”، وكيف أنّ الملك كان يحمل العديد من السمات التي ساعدته على تخطي تلك الأزمات، لهذا تلازم تاريخ حياة الملك فيصل الأول مع مراحل تأسيس الدولة الحديثة في العراق.
ولذلك يمهّد الاطلاع على حياة هذه الشخصية تكوين معرفة وفهم لما جرى في تاريخ العراق السياسي منذ 1921 ولغاية 1933،حين أخذت خطوات إنشاء الدولة الوطنية مجراها، فلا يخفى أن لفيصل دوراً واضحاً فيها من خلال بناء العديد من المؤسّسات السياسية والاجتماعية والسعي إلى نقل العراق من بلد لا يمتلك شكلا سياسيا واضح المعالم إلى بلد له حدود وكيان واضح كما في ترسيخ حدوده السياسية وحسم قضية مدينة الموصل.
تكوين الدولة
وهذا ما نجده عند د. عبد المجيد كامل في كتابه “الملك فيصل الأول ودوره في تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921-1933” الصادر عن دار الشؤون الثقافية العام 1991، إذ يعرض فيه سيرة الملك الاجتماعية والسياسية التي بدأت بولادته بمدينة الطائف في العشرين من أيار العام 1883، بعد أيام قليل من ولادته أرسل إلى قرية رحاب من قرى الطائف لكي يترعرع في البادية ويصلب عوده ويعتاد على خشونة الحياة وكفافها، كان محل إقامته هناك بين عشائر العبادلة وعتيبة لمدّة وصلت إلى سبعة أعوام،ثم بعد بلوغه الثامنة من عمره انتقل مع والده وبقية أفراد أسرته إلىاسطنبول للإقامة بها، وفيها بدأت مرحلة جديدة في حياة فيصل المبكرة، اختلفت من جميع الأوجه عن حياته في البادية.
ولذلك لكي نفهم أثر الملك فيصل الأول في تكوين الدولة، علينا مراجعة الفترة التي عاشها في اسطنبول،إذ انتقل من الدراسة عن طريق الملالي إلى أسلوب حديث، لهذا درس التاريخين الاسلامي والعثماني وقواعد اللغة العربية والتركية وآدابهما، وكما اطلع على الفنون العسكرية وبعض العلوم الصرفة وأخذ قدرا من الفرنسية وأتقن فيما بعد الانكليزية، ترك بعض الذين درسوه أثرا على شخصيته ومنهم “صفوة العوا، ومحمد البان ، محمد توفيق أفندي ، محمد عارف”، ولكن العوا ذا الاصل السوري أخذ الأثر الاكبر الذي يدرس العلوم العسكرية وبرتبة ملازم ثان بالمدرسة الحربية، تفرّغ العوا لتعليم أولاد الشريف الحسين الاربعة “علي، عبد الله، فيصل، زيد”.
إقامته في اسطنبول
أضافت إقامة الملك فيصل في اسطنبول الكثير له وجعلت منه شخصاآخر حين واجه العديد من الازمات، وما يؤكد هذا أنّه تعلم العديد حين مكث بجانب والده والاتصال برجال الدولة العثمانية فضلا عن ذلك لقاؤه شخصيات عربية وشرقية كانت تزور قصر أبيه على ضفاف البسفور، وأصحاب الأدب والفكر من الترك وبالتالي أكسبته فوائد واسعة زادت من خبرته، ما تعلّمه فيصل من ذلك كله انعكس على سلوكه وفهمه حين أصبح ملكا على العراق، الاطلاع على مذكرته التي كتبها العام 1923 حول أحوال العراق وواقعه الاجتماعي، تكشف تلك المذكرة عن أنّ الملك كان مطلعا على حال البلد الذي يحكمه، بخلاف من جاء بعده سواء في الفترة الملكية او الجمهورية، دفعت فترة الإقامة في اسطنبول فيصل على الاحتكاك ببعض التوجهات السياسية، ومنها حركة الاتحاديين الذين اتصلوا بوالده،إذ وقع اختيار الاتحاديين على شغل أشرفية مكة والتعهد لهم بالقضاء على الاضطرابات التي حصلت في جنوب الحجاز، وعلى ضوء ذلك عاد الشريف الحسين وأسرته إلى هناك العام 1909.
تمرد الجنوب
العودة إلى الحجاز أدخلت الملك فيصل الاول في مواجهة مع متطلبات مختلفة، حيث اختبرت قدراته العملية وإمكانياته في القيادة وهذا ما حصل في حرب عسير، إذ كان المطلوب منه إثبات مصداقية وعود والده للاتحاديين الذين طالبوه بإخماد تمرد الجنوب العام 1910 من قبل محمد علي الادريسي، ولذلك قاد الشريف الحسين بمساعدة ولديه فيصل وعبد الله حملة عسكرية ضد هذا التمرد، وعاد في العام 1912 ليقود الملك فيصل الاول حملة أخرى ضد نفس التمرد بمنطقة عسير، كشفت هذه الحملات لوالده الشريف الحسين عن مقدرة ولده في مواجهة هذه الازمات،إذ أثبت حزما وشجاعة جعلت القبائل تحبه، أهّلته هذه التجربة كذلك لكي ينال ثقة والده ويختاره ممثلا عنه في مجلس المبعوثان ومن ثم عن أهل جدة في دورته الثانية الذيانتخب أعضاءه العام 1912، عاد فيصل مرة أخرى إلىاسطنبول عاصمة الدولة العثمانية، يذكر أن مجلس المبعوثان تم إنشاؤه العام 1908 بعد أن أحيا الاتحاديين العمل بالدستور وشهد ثلاث دورات انتخابية؛ الثانية منها كانت العام 1912 والأخيرة العام 1914، في هذه المرّة كان وجود فيصل في اسطنبول مختلفا بسبب اطلاعه المباشر على آراء النواب وما يطرحونه من آراء لا سيما العرب منهم، كانت بالنسبة لفيصل المشاركة في مجلس المبعوثان تجربة سياسية جديدة في العمل، ولذلك كان فيصل حاضرا في قاعة السلطنة كل سنة للاشتراك في أعمال البرلمان مما ساعده على الاطلاع على الحياة السياسية العثمانية عن قرب ودراستها بشكل معمّق لتؤثر لاحقا في تكوّنه وتبلور آرائهفيما يخصّ العالم العربي لأنه أقام شبكة واسعة من العلاقات مع النواب العرب لكي يطلعوه على أحوال بلدانهم، لهذا كان كثيرا ما يزور مصر.
الحرب العالمية وتأثيرها
ساعد وجود فيصل في الاستانة على الاطلاع عن قرب على ما يفكّر فيه الاتحاديون ونظرتهم للعالم العربي، هذا الاطلاع مهد إلى الانفصال بين العرب وبينهم والذي أدى إلى قيام الثورة العربية الكبرى العام 1916، يذكر المتابعون لسيرة الملك فيصل الاول أن أحداث الحرب العالمية الاولى تركت آثارها في شخصيته ونشاطه السياسي، إذ كانت سنة 1915 و1916 أكثر سنتين ظهر فيهما نشاط الملك فيصل،فلقد كلّفه والده بالكثير من المهام والامور السياسية التي فرضت عليه التنقل والحركة ما بين دمشق ومكة واسطنبول، ولذلك مهدت هذه الحركة اللقاء بكبار مسؤولي السلطنة العثمانية بدءاً من السلطان عبد الحميد إلى وزير الحربية انور باشا الذي يعد من الشخصيات الاتحادية القوية، إن عرض سير الملك فيصل الاول يجعلنا نقارن ولو بشكل أولي بقدرة من يمسك بإدارة السلطة ومؤسّساتها ماضيا وحاضرا، فنحن نواجه أزمة بناة يعملون على تأسيس ما هو ثابت من مؤسّسات ومغادرة الطارئ الذي لا ينتج سوى سلوكيات ومواقف متغيرة.
النسخة الألكترونية من العدد 356
“أون لآين -1-”