المهاتما غاندي صانع المعجزات

1٬738

رئيس التحرير/

قبل نحوٍ من سبعين عاماً، سأل أحد الضباط الإنجليز، الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي، عن محتوى الخطاب، الذي كان يريد أن يلقيه في حشد من الهنود المتظاهرين ضد الاحتلال البريطاني لبلادهم فقال له: سأتحدث عن قيمة حليب الماعز في الغذاء اليومي!
ولم يكن غاندي، في واقع الأمر، يسخر من الضابط الإنجليزي، أو يريد أن يوحي له بأن خطابه لا يحتوي على التحريض السياسي، بل هو كان صادقاً تماماً، لأن سياسته، في الأصل، كانت تقوم على مقارعة الاحتلال بطرق وأساليب لم تكن تخطر على بال مخططي الاستراتيجية الاستعمارية البريطانية في ذلك الوقت. فإلى جانب نهج اللاعنف، كانت تلك السياسة تقوم على مقاطعة مختلف البضائع البريطانية، بما في ذلك القماش، الذي كان الهنود ينسجون منه وزراتهم البيضاء الشهيرة، ولهذا كان غاندي يجلس ساعات لينسج، من خيوط دودة القز «الوطنية!» ثيابه الخاصة، مثلما كان يعتمد على حليب الماعز في غذائه اليومي، فسارت خلفه الملايين، من أبناء شعبه، مقتفية أثر سياسته الحكيمة تلك، حتى اضطرت الإمبراطورية، التي لم تكن تغيب عنها الشمس، الى مغادرة الهند، صاغرة، في نهاية المطاف.
لكن إذا كانت هناك من معجزة تركها المهاتما غاندي لشعبه، وللبشرية كلها، عدا سياسة اللاعنف، فهي معجزة الديمقراطية، التي أنقذت ثاني اكبر دولة في العالم، من ناحية عدد السكان، من احتمالات ومخاطر التطاحن والتقاتل الطائفي والقومي والديني والإثني، ونقلتها الى بلاد شاسعة الأطراف والمصالح، مستقرة وفيدرالية ومتقدمة، يكاد اقتصادها الوطني وتطورها التقني والتكنولوجي، أن ينافس أكثر البلدان تطوراً وطموحاً في القارات المجاورة لها.
ولد غاندي في بوربندر بولاية غوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي، حيث شغل جده ومن بعده والده منصب رئيس وزراء إمارة بوربندر، كما كان للعائلة مشاريعها التجارية المشهورة. وقضى طفولة عادية ثم تزوج وهو في الثالثة عشرة من عمره بحسب التقاليد الهندية المحلية ورزق من زواجه هذا بأربعة أولاد.
وفي لندن حيث درس القانون، أصبح غاندى نباتيا. كما أنه اكتشف المسيحية، وقرأ الانجيل بتمعن شديد مستلهما منه دروسا ومواعظ كثيرة في الأخلاق وفي السياسة. وعن الفترة التي أمضاها غاندي في جنوب أفريقيا، يقول حفيده راجموهان :عاش جدي في أفريقيا الجنوبية عشرين عاما ومنذ وصوله إلى هناك، وجد نفسه مجبرا على مواجهة العنصرية، وثمة حادث لا يزال ماثلا في ذاكرة الهنود. حدث ذلك في القطار يوم 21 مايو 1893 وكان غاندي في الرابعة والعشرين من عمره آنذاك. وكان من ركاب الدرجة الأولى، غير عارف بأن القوانين العنصرية تحرّم عليه ذلك وقد قام أحد الركاب البيض بالتبليغ عنه. وبالرغم من أن غاندي كان قد دفع ثمن تذكرته، وكان يرتدي بدلة ثمينة، فإنه طرد بالقوة من عربة الدرجة الأولى. والشعور بالاذلال والمهانة الذي انجرّ عن ذلك هو الذي دفعه إلى النضال من أجل حقوق الهنود الذين كانوا كثيرين في جنوب أفريقيا في ذلك الوقت. ولكن كيف يتخلص من الاحتلال؟ البعض نصحوه بضرورة اللجوء إلى الكفاح المسلح. غير أنه رفض ذلك رفضا قاطعا. ولعل قراءته لأعمال الروائي الروسي العظيم تولستوي هي التي «أنقذته من داء العنف» كما سيذكر ذلك فيما بعد. لذا دعا إلى النضال بالطرق السلمية، وأسس حزبا، وأصدر جريدة حملت اسم «رأي الهند» وشيئا فشيئا أصبح مناضلا سياسيا معروفا، ومحاميا ناجحا!». ولكن لماذا اختار غاندي النضال السلمي؟ عن هذا السؤال يجيب راجموهان غاندي قائلا: «لقد تأثر جدي كثيرا بأفكار الكاتب الأمريكي دافيد تورو، صاحب فكرة «العصيان المدني». ومثله، كان يعتقد أن المواطنين لهم الحق والواجب في عصيان القوانين اللاأخلاقية. وفي النهاية كان غاندي يرى أن النضال السلمي هو التكتيك النضالي الوحيد المحتمل ضد الامبراطورية. فقد كان يعلم أن كل حركة مسلحة في مواجهة القوة العسكرية البريطانية مآلها الفشل.

*بعض المعلومات مصدرها ويكيبديا