بين الحب والاستغلال!
جاءني الشاب (ع) ليروي حكاية حبّه الذي لا يضاهيه إلا الحب في ذلك الزمن الجميل.
قال (ع): تعرفت إليها في الجامعة، حيث كنا ندرس في نفس القسم وتخرجنا معاً، وطوال سنوات الدراسة كانت تبوح بحبها لي، وكذلك أنا، واتفقنا أن نكمل حياتنا معاً بعد التخرج.
بالرغم من الفوارق بين عائلتينا من الناحيتين المادية والاجتماعية إلا أنني استطعت إقناع أهلي بهذه الزيجة، وافقوا لأنني وحيدهم، فكل طلباتي كانت مُجابة من قبلهم.
فرح أهلها بنا عند زيارتنا لهم لنطلب يد ابنتهم (حبيبتي)، ومن الزيارة الأولى وافق الطرفان على كل التفاصيل، وبذلك أصبحنا أسعد حبيبين في الدنيا، وبدأنا نُعد لزواجنا مستلزمات الفرح وشهر العسل وما يترتب على ذلك من تحضيرات. في هذه الأثناء صدر أمر تعييني في إحدى الدوائر المهمة، لأنني كنت المتفوق الأول على قسمي، أما هي فكانت تنتظر التعيين، وهنا فوجئت حينما طلبت مني تأجيل الزواج الى حين تعيينها.
حاولت إقناعها بالعدول عن شرطها دون جدوى، ما اضطرني الى أن أتوسط لها عند جماعة متنفذة لتعيينها وتحقق ذلك فعلاً، وتزوجنا.
أصبح زواجنا يضرب به المثل.
سافر والدي ووالدتي الى الخارج ليتركا لنا البيت، لأننا لا نستطيع قضاء شهر العسل في الخارج بسبب عملنا الجديد.
عشنا -أنا وهي- سعداء بحياتنا الجديدة، وكانت تعبر عن ذلك بقولها “هل توجد فتاة أسعد مني؟”
كان أهلها يزورونها بشكل دائم، ولاحظت أنها كانت تحزن بعد خروجهم وتبقى صامتة برهة من الزمن، فسّرتُ الموضوع على أنها متعلقة بهم جداً، هذا كل ما في الأمر. ولكن مع الأيام اكتشفت غير ذلك، ففي إحدى الأمسيات عدتُ مبكراً، وحينما فتحت الباب تناهى الى سمعي أن أمها وشقيقها يتحدثان معها بشكل قاسٍ، وهي ترد عليهما بقسوة أكبر، لكنني لم أفهم ما هو الموضوع.
لكنها صارحتني بأن أهلها يريدون مني أن أفتح مشروعاً لابنهم، قلتُ لها: أنت تعرفين جيداً أن الثروة جميعها تعود لوالدي، وليس من المعقول أن اطلب منه مبلغاً كبيراً لشقيقك، فماذا سيقول عنا؟
أجابت: ولماذا تتردد بطلب ذلك من والدك، بالأخير أنت المالك الوحيد لكل ثروته!
وفوجئت من لغتها معي، فهذا يعني أنها موافقة على طلب أهلها.
لم أناقشها، بعد ذلك عدنا الى البيت ولم أفتح معها الموضوع لأنني أعشقها، لكن بعض الأمور التي كنتُ لا ألاحظها بدأت تتوضح لي، فمثلاً كانت تطلب مني المال مع أنها موظفة براتب جيد، وبدأت أشياء كثيرة تختفي من البيت بحجة أنها قديمة ولم تعد صالحة لهذا الزمن.
في أحد الأيام اختفت لوحة ثمينة من صالة البيت كانت أمي تحبها جداً، استغربتُ وسألتها، فقالت “أعطيتها لعامل النفايات”، ولأن الله يريد أن يكشفها طرق عامل النظافة الباب فسألته عن اللوحة وهل أن بإمكانهِ أن يعيدها وسوف أعطيه ما يريد، استغرب وسألني هو “عن أية لوحة تتحدث، أنا لم آخذ أية لوحة”، وكانت هي تسمع، وحينما دخلت صرخت وقالت “أنت اذن تشك بي؟”
صرختُ بها أنها لوحة أمي المفضلة وهي تساوي الملايين، لم تتركني أكمل، إذ بكت ودخلت الغرفة.
من يومها ساورني الشك بشقيقها، لذا بدأت أتغيب عن البيت بحجة وأخرى، لكني كنت أراقب البيت من بعيد، وصدق حدسي، فقد كان شقيقها وأمها يأتيان في غيابي ويحملان الأشياء الثمينة من البيت.
ومن يومها رسمت خطة للإيقاع بهم جميعاً، لكن القدر كان في صالحهم، إذ مرضت أمي وطلبتني للذهاب إليها كي أراها.
في غضون أيام انتقلت أمي الى رحمة الله، وكانت وصيتها أن تدفن في العراق، وعُدنا ونفذنا وصيتها ودُفنت حيث أرادت.
لم أر على وجه زوجتي الحزن العميق، او التأثر لفراق أمي، ولم يفارقنا أهلها طوال فترة الحداد.
استغرب والدي من الأمر وسألني عدة أسئلة أولها “أين لوحة أمك المفضلة؟” وأين وأين؟؟
وهنا طلب مني أن أستأذن أهل زوجتي في أن يتركونا أنا ووالدي وزوجتي بمفردنا (يعني أن أطلب منهم الخروج من بيتنا) لمناقشة أمور مهمة.
اشتاطوا غضباً وبدأوا بكلام جارح لم يتوقعه والدي منهم، ولاسيما شقيقها الجاهل وهو يتوعد ويذكّر أخته بالمشروع.
وهنا سألها والدي: “عن أي مشروع يتحدث شقيقك يا ابنتي؟”
أجابت وبجرأة أقرب الى الوقاحة: “عمي شقيقي طلب مني أن تفتحوا له مشروعاً يرتزق منه.” ثم سكتت بعد أن صرخ والدي بها أن تسكت والا سيطردها من البيت!
فما كان منها إلا أن طلبت مني أن أوصلها الى بيت أهلها وأنها ستعود حين تنفيذ طلب شقيقها!
توسلت بها أن تبقى في البيت، لكنها رفضت إلا أن ينفذ طلبها.
أوصلتها الى بيت أهلها لأجدهم جميعاً عند الباب، وحينما رأوني انهالوا عليّ ضرباً وشتماً، فيما هي تتفرج بلا حراك، إذ أخرجوني من سيارتي بالضرب، لذا كان عليّ أن ادافع عن نفسي، وهنا تجمع الجيران والمارة لفض هذا الاشتباك، وقتها تقدم شقيقها السارق نحوي حاملاً قضيباً حديدياً وجهه الى رأسي، لكني ابتعدت عنه ليصيبني في جانب رأسي بعد أن دفعته بقوة لأتخلص منه، وقع على حافة الرصيف وسقط القضيب الى جانبه، لم يفق الشقيق وبدأ الحاضرون بالصراخ عليه أن ينهض دون جدوى، وفوراً حضرت الشرطة وفوجئنا جميعاً بأنه فارق الحياة، ليس بسبب الضرب وإنما بسبب تعاطيه كمية كبيرة من المخدرات بعد تحليل دمه.
رقدت في المستشفى أياماً لحين شفائي، وأفرجت عني المحكمة لأنني لستُ مذنباً، وطلقتُ زوجتي لرغبتها في ذلك ورغبتي أيضاً، وسافرتُ مع والدي، ثم عدت بعد فترة لأبدأ حياة جديدة ملؤها الحب والاحترام بعيداً عن الاستغلال.
في أحد الأيام اختفت لوحة ثمينة من صالة البيت كانت أمي تحبها جداً، استغربتُ وسألتها، فقالت “أعطيتها لعامل النفايات”!