حروب بلا نيران

1٬112

إياد عطية الخالدي ــ محمد حميد الصواف /

المملكة العربية السعودية كانت من أوائل الدول الخليجية التي اعلنت بشكل رسمي عن تأسيس منظومة إلكترونية في وزارة الخارجية لمواجهة ما أسمته بالحرب الإلكترونية التي تشنها جيوش مماثلة لدول اخرى، المخابرات الأميركية تواصل التحقيقات والاتهامات موجهة الاتهامات لجيش الكتروني روسي بالتدخل في نتائج الانتخابات الأميركية، وتنظيم “داعش” الإرهابي شكل جيشاً الكترونياً بهدف التأثير النفسي على القوات العراقية والسورية، اما تنظيم حزب البعث المحظور فيملك جيشاً الكترونياً بحسب ما رصدته المخابرات العراقية ينتحل أسماء مزيفة يهدف الى تقويض العملية السياسية.
حروب كبيرة ومؤثرة ساحتها العالم الافتراضي وأذرعها جيوش الكترونية، لم تعد الدول تتحفظ في الاعلان عن تشكيل جيوش مماثلة لمواجهتها.

تلاعب كبير

مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد مساحات للترفيه والتواصل كما خيل لمبتكرها اولاً، لقد اضحت ساحة صراع بين اجندات مختلفة استفادت منها الأحزاب في صراعاتها الداخلية واستفادت منها قوى الإرهاب، مثلما حولتها القوى الكبرى الى وسيلة لتغيير وجه العالم لاسيما في منطقة الشرق الأوسط.
واكبت هذه الظاهرة التطور الإنساني الكبير في مجال التقنيات والاتصالات التي كان هدفها خدمة البشرية والارتقاء بمستوى الوعي والمعرفة، خصوصا على صعيد المعلوماتية وتقنيات الاتصال بما في ذلك وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، فيما كانت السوشيال ميديا احدى أبرز تلك الوسائل لإيصال الرسائل ونشر الأفكار والمعتقدات والتأثير في الرأي العام، محتلة بذلك الصدارة في مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر نظرا لعدة اعتبارات، كالانتشار السريع من جهة وقلة الكلفة المادية من جهة أخرى.

لكن التلاعب الكبير واستخدام التكنلوجيا في التأثير السياسي والأمني أثارا مخاوف وقلق العديد من المعنيين في مجال الاتصالات وأثارا اهتمام اجهزة المخابرات العالمية وحتى مرتادي مواقع التواصل بشكل كبير، نظرا للتداعيات الخطيرة التي تروج لها بعض الجهات المحلية والدولية بهدف تمرير الأجندات المشبوهة او عمليات التسقيط الشخصي أو الجماعي لشخوص ورموز معروفة.

يعتقد الباحث السياسي باسم الزيدي أن “تأثير ما بات يعرف بالجيوش الإلكترونية أكثر وقعا من الكثير من أدوات الحروب والصراعات المسلحة التي تحدث بين الدول او بين مكونات الدولة ذاتها.” مبينا: “أسهمت هذا الجيوش بشكل فاعل في انهيار أنظمة سياسية متكاملة فضلا عن إيقاع الصراعات المسلحة في الكثير من الدول.”

ويضيف: “استغلت تلك الجيوش النفوذ الواسع التي توفره شبكات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر، الى جانب نجاحها في استغفال شرائح اجتماعية عريضة لتأليبها على السلطة السياسية تارة او تسقيط رموز او شخصيات وطنية.” موضحا: “يظهر بشكل جلي أكثر أن الشرائح الاجتماعية التي تقع فريسة لأجندات تلك الجيوش هم المراهقون واليافعون والبسطاء والسذج.”

حصان طروادة

«الهاشتاكات والروابط الإلكترونية والمعلومات المغلوطة أصبحت حصان طروادة الذي تمتطيه الجيوش الإلكترونية»، بحسب الناشط المدني منتظر الجلاب. مشيرا: «مع الأسف نرى اغلب رواد مواقع التواصل الاجتماعي تتفاعل بصورة عمياء مع مطلقي تلك الإشاعات دون التدقيق في أهدافها او من يقف خلفها.»

ويعزو المهندس منتظر الجلاب هذا التفاعل الى قلة الوعي السائدة لدى المتفاعلين مع تلك الشائعات من جانب، وعدم وجود جهة رسمية مهنية ومتمرسة في مكافحة او صد الهجمات الالكترونية التي تسعى الى إشاعة الفوضى او تمرير ما ترغب في تمريره على حساب المصلحة الوطنية من جانب آخر.
ويلفت الجلاب: «اليوم امست مواقع التواصل الاجتماعي هي المصدر الأول لخلق الرأي العام، لذا نرى بعض الأجهزة الأجنبية او الأحزاب تسارع الى التأثير في تلك المواقع دون ان تجد من يتصدى لها بشكل علمي دقيق.»

وبحسب مختصين، فإن الجيوش الإلكترونية تنشط على أكثر من صعيد في العالم الافتراضي، فهي ترصد من جهة وتخترق من جهة أخرى، لتستطيع التأثير في المجتمعات داخل الدول، وهي في الحقيقة، كما يرى الباحث السياسي المصري محمود جابر، حروب عسكرية بلا نار او دخان. فيقول: «تخوض الجيوش الإلكترونية، التي تعكف بعض الأجهزة الاستخبارية على اعدادها، الحروب الناعمة، وتعتمد على توظيف التفاعلات في الفضاء الالكتروني.» مبينا: «بمعنى إطلاق المعلومات المضرة أمنيا او تحشيد الرأي العام من خلال استدراجه عاطفيا لخلق بيئة من الفوضى والإرباك تسهم في الإضرار اقتصادياً او سياسياً بالدولة المستهدفة.»

قانون العقوبات

من جهته، يرى المشاور القانوني إبراهيم الجبوري ان الجهات المعنية تقاعست عن القيام بدورها المفترض بالتصدي الى تلك الجهات او التقصي عمن يقف وراءها او يروج لها، سواء أكان الترويج بقصد ام دون قصد، فيقول: «تقضي الفقرة الثانية من المادة 180 لقانون العقوبات العراقي بأن يعاقب بالحبس كل مواطن اذاع عمداً في الخارج اخباراً او بيانات او اشاعات كاذبة او مغرضة حول الأوضاع الداخلية للدولة وكان من شأن ذلك اضعاف الثقة المالية بالدولة او النيل من مركزها الدولي او باشر بأية طريقة كانت نشاطاً من شأنه الإضرار بالمصالح الوطنية.»
ويضيف: «للحد من ظاهرة التسقيط ومحاولة بعض الجهات اثارة البلبلة والفوضى داخل البلاد يسترعي التحقق والتقصي لكل من يروج لذلك لعدة اعتبارات أهمها الحفاظ على السلم الأهلي والامن الاجتماعي.»

ويشير المشاور القانوني الى ان «الكثير من الجماعات الإرهابية والجهات المسلحة الخارجة على سلطة القانون وظفت جيوشاً لخلق الرعب بين صفوف المجتمع العراقي من جهة والنيل من هيبة الدولة من جهة أخرى من خلال ترويج افكارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.»

وسبق لتنظيم داعش الإرهابي ان تمكن من نشر العديد من الروابط الخاصة التي تحوي اسم تنظيم «داعش» في المواقع العربية الإلكترونية والصحف وشبكات التواصل الاجتماعي يصل إلى نحو 4.2 مليون رابط، بحسب نتيجة البحث في محركات غوغل، حيث برز انتشار التنظيم على موقعي تويتر وفيسبوك من خلال هاشتاكات محددة كان يستخدمها، مثل الخلافة الإسلامية أو باقية وتتمدد أو علم التنظيم الأسود.

بدوره، لا ينكر الناشر الإلكتروني خالد الثوراني ان بعض الهاشتاكات التي تطلق على مواقع التواصل الاجتماعي تكون مجهولة المصدر، ولا يستبعد ان تقف وراءها اجندات تسعى الى خلق الفوضى والاضطرابات الشعبية، فيقول: «من خلال تفاعلي المستمر مع الفيسبوك ارصد بين الفينة والأخرى ظهور هاشتاكات مريبة تحريضية.»

ويضيف: «اغلب تلك الهاشتاكات تدغدغ شعور المواطن العراقي وثير عواطفه وتضع مقارنات مشروعة لاسيما على صعيد المستوى المعيشي والخدمي الذي يعانيه الكثير من المواطنين.» مشيرا: «مؤخرا ظهر هاشتاك تحت عنوان نداء 88». ويتابع: «الهاشتاك كان يحرض على اسقاط النظام السياسي في العراق عبر الانتفاض والثورة وقد لاقى تفاعلا واسعا بين مرتادي الفيس البوك.»

«الا ان تدقيقا بسيطا بين المتفاعلين مع الهاشتاك ستجد ان معظم المروجين له والمتفاعلين معه من أنصار النظام الديكتاتوري السابق أو من الشباب السذج الذين ينعقون مع كل ناعق.» بحسب الثرواني، الذي أردف مختتما: «انبرى في الوقت ذاته عدد من الشباب لترويج هاشتاك مضاد تحت عنوان 313 للدعوة الى الحفاظ على المؤسسات الوطنية والالتزام بحق التظاهر السلمي.»

اسرائيل تتكلم عربي

ويرجح العديد من المراقبين وجود جيوش الكترونية إسرائيلية ظهرت جلياً خلال احداث ما يسمى باستفتاء الاقليم اذ ظهر التأثير الاسرائيلي من خلال هذه الجيوش،لكن المراقبين يعتقدون ان اسرائيل تدخلت عبر جيوشها الالكترونية مبكراً من لتغذية العنف الطائفي في العراق وسوريا.

وتسعى اسرائيل الآن لكسب قلوب العراقيين من خلال تقديم خدمات صحية لكثير من المحتاجين عبر صفحات عديدة انشطها صفحة اسرائيل تتكلم عربي.
ولداعش جيش الكتروني انخفضت فعاليته بعد هزيمة التنظيم لكن الاحتجاجات في العراق اعادت نشاطه، ويستخدم التنظيم الاف الحسابات الوهمية التي تستخدم اسماء مفضلة لدى الشيعة لإيهام الآخرين ان الشيعة يهاجمون بلدهم ومرجعياتهم الدينية. وكذا يفعل حزب البعث المحظور الذي يستخدم مواقع التواصل لنشر افكاره، وتزويق ماضيه الأسود، وبالطبع فان كثيرا من مستخدمي وسائل التواصل يتجاوبون مع وسائل خبيثة ومضللة ويعملون على نقلها الى نطاق واسع في الفضاء الإلكتروني.

هجمات تستهدف بريطانيا

ويقول المركز الوطني للأمن الإلكتروني في بريطانيا إن الأهداف شملت شركات في روسيا وأوكرانيا والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة وشبكة تلفزيونية صغيرة في المملكة المتحدة.

كما طالت الهجمات أجهزة كمبيوتر الاتحاد الدولي لمكافحة المنشطات (وادا)، من جانبها اتهمت ألمانيا روسيا بالضلوع في هجمات إلكترونية على مواقع حكومية.

وأشارت تقارير إلى وقوف روسيا وراء بعض الهجمات، لكن هذه هي المرة الأولى التي تشير فيها المملكة المتحدة إلى وكالة الاستخبارات الروسية (جي آر يو) صراحة وتحملها مسؤولية الهجمات.

قال وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هانت: «تصرفات وكالة الاستخبارات الروسية متهورة وعشوائية: إنهم يحاولون تقويض عملية الانتخابات في الدول الأخرى والتدخل فيها، إنهم مستعدون كذلك لتدمير شركات روسية والإضرار بمواطنين روس.»
وأضاف: «هذا النمط من التصرفات يثبت رغبتهم في العمل دون مراعاة للقانون الدولي والمعايير المعمول بها والقيام بذلك مع شعورهم بالإفلات من العقاب وعدم وجود أية تداعيات لذلك.»

وتابع قائلا: «رسالتنا واضحة: (نحن نعمل) مع حلفائنا، وسنكشف وسنرد على محاولات جي آر يو الرامية لتقويض الاستقرار العالمي.»

جيش سعودي

أعلن مركز الأمن الإلكتروني بالمملكة العربية السعودية أنه رصد هجوما الكترونيا «متقدما» يستهدف المملكة، في محاولة جديدة من القراصنة لتعطيل الحواسيب العائدة الى الحكومة.

وقال المركز في حسابه الرسمي على «تويتر» إن الهجوم تضمن استخدام برمجية التحكم «باورشل»، لكن لم يصدر تعليق على مصدر الهجوم الذي كانت الأجهزة الحكومية هدفا له.

وأضاف المركز أنه «رصد هجوماً الكترونياً جديداً مستمراً يستهدف المملكة العربية السعودية»، وقد سعى الهجوم لاختراق حواسيب عبر استخدام تقنيات رسائل الكترونية خادعة.