حكاية البرقع الأسود وأغانيها

928

باسم عبد الحميد حمودي /

عبر الزمن تتناسل الذكريات, ويقودك التاريخ إلى تفاصيل وتفاصيل في المأكل والمشرب والأحداث … والأزياء.
لكل شيء في الدنيا تاريخ, و لتفاصيله وتطوره ذاكرة, وقد اخترت للقراء الكرام التجوال في دكان الملابس العراقية عبر التاريخ لنقرأ بعض الطرائف عما كانت ترتديه النساء في زمن مضى, وبعض ما ارتدينه ومازال حاضراً بهياً حتى يومنا هذا.
ولندخل بيت الخياطة فنجد:
يجمع البيت عدداً من الشابات اللواتي يتدربن على يد (الأسته) ومقصاتها ويحملن الملابس الجاهزة إلى بيوت النساء ويقبضن أجرة العمل ويقفن مع سيدتهن ساعة الفصال والقياس.
من جانب آخر نجد أن حائكات العباءات يختلفن عن الخياطات الأخريات اختلاف صانعات الأزر والبراقع, إضافة الى عدد من الخياطات كن يتهيبن صناعة المشامر النسائية, كما أن خياطة الأرواب التي تسمى الهاشميات تتطلب دقة في القياس وفي رسوم وتحشية الهاشمي, ومن الألبسة النسوية المعروفة عبر التاريخ :

القميص-الدشداشة النسائية
وكانت تلبس على الجلد أو تحتها (الأتك), والقميص تاريخياً ثوب من عدة قطع مخاطة وله أكمام, وطوله عند صدر الإسلام كان يصل إلى نصف الساق, وكانت ياقة القميص تقرب من شكل الهرم الناقص.
تكون فتحة الدشداشة (التي تسمى الجيب قديماً والزيك حديثاً) بمقدار شبر اليد ويمكن غلقها بواسطة أزرار من ذات القماش.
يصف الرحالة الأجانب قمصان (دشاديش) النساء البغداديات أنهن يلبسنها فوق السروال, وهي مفتوحة من الأمام الى قرب الحزام, ويكون عنق الدشداشة –القميص في أحيان كثيرة مطرزاً تطريزاً جميلاً حول العنق وعند الكمّين والصدر.
ترتدي الموسرات البغداديات قديماً فوق الدشداشة صدرية ضيقة لا جيب لها لتبرز ثنيات الجسم وانحناءاته.
الإزار
ثوب طويل واسع يتكون من قطعة واحدة, كان يلبس فوق جميع الألبسة, وقد تطور عند النساء فصرن يلبسنه على القميص.
تكون الأزر النسائية شفافة خفيفة مصنوعة من الحرير ومزركشة , تنفتح على ياقة مربعة.
والإزار النسائي واسع فضفاض لايخفي ما خلفه!

الفرجية
وهو ثوب عباسي الظهور من ملابس الخروج عن النساء والرجال يرتدى فوق كل الثياب ويتألف من قطعتين من الوبر الأسود أو سواه.

البرقع – حكاية الخمار الأسود
من أنواع مختلفة من القماش, وفيه الطويل الذي يكاد يصل القدمين والمتوسط الطول الذي يصل أسفل الوسط ومنه الكثيف والشفاف.
ويصنع البرقع من عدة طبقات من القماش الدقيق وقد طرزت حواف البرقع بالزخارف النباتية, وأحياناً بأسلاك من الذهب أو الفضة, وتصنع وصلاته أحيانا من أشرطة حريرية, ومنه من قماش التفتناز (التفتة) الفاخر.
بعض البراقع النسوية يغطي الوجه كاملاً والآذان وبعضه شفاف يوضع على الوجه دلالاً !
وقد اشتهرت في أخبار الأدب حكاية (الخمار الأسود) وهو البرقع الذي جاء بكمية كبيرة منه أحد التجار إلى المدينة المنورة زمن الراشدين, فلم يبع منه شيئاً فدلّه بعضهم على الشاعر مسكين الدارمي الذي كان ناسكاً متعبداً ليخلصه من ورطته وهو الغريب وألح التاجر عليه طويلاً واستعطفه فكتب له مسكين قصيدته الشهيرة التي قال فيها:

قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمّر للصلاة ثيابه
حتى قعدت له بباب المسجد
ردي عله صلاته وصيامه
لا تقتليه بحق دين محمد

وقرأ الناس القصيدة, أشيع أن الدارمي الناسك قد فتنته إحدى النساء فترك عبادته وتنسكه بسبب جمال ذات الخمار الأسود.
عند ئذ هرعت نساء المدينة لشراء ذلك الخمار الأسود الذي (فتن) الدارمي الناسك, وبذلك باع التاجر كل ما جاء به من الخُمر, وعاد مسكين إلى تنسكه.

من تاريخ القصيدة
صار لهذه القصيدة التي تغنت بالبرقع –الخمار الأسود- تاريخ، وغناها المطربون من كل الأزمان حتى يومنا هذا، واشهرهم معبد وطويس قديماً، وصباح فخري ونهاوند وناظم الغزالي حديثاً.
من ملحني هذه الاغنية حديثاً الراحل أحمد الخليل الذي أعد لها لحناً على نغم السيكاه وطلب من عازف الجوزة الموسيقي الراحل شعوبي إبراهيم أن يقوم بتخميس القصيدة لتكون أغنية دينية فكتب شعوبي رحمه الله:

يا داعياً لله مرفوع اليد
متضرعاً متوسلاً بالمنجد
ياطالباً منه الشفاعة في غد
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلت بناسك متعبد
فغناها الخليل وغنتها مائدة نزهت وآخرون.
وبعد، فللألبسة النسائية العراقية الكثير من التفاصيل والأشكال الكثيرة التي لايتسع لها هذا الباب.