رئيس ديوان الوقف السُنّي ومدير عام الأضرحة: العمل السياحي الصحيح يغنينا عن النفط
عامر جليل إبراهيم – تصوير: حسين طالب /
وصلت أهمية السياحة إلى مستويات عالية حتى أصبحت من المرتكزات الرائدة في الاقتصاد العالمي، ولاسيما في دولنا العربية، وازداد اهتمام الدول بالتنمية السياحية وتفعيل دورها في نهوض وانتعاش الدول لما تمتلكه من منافع اقتصادية واجتماعية وبيئية، ما يجعلها الباب الواسع للتخلص من الاتكاء على الثروة النفطية فقط.
ويترتب على نمو قطاع السياحة وتطورها العديد من أساسيات الحياة المترفة التي نتمناها لشعوبنا، مثل خلق فرص العمل الجديدة والمساهمة الفعالة في الموازنات العامة وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية وزيادة الدخل القومي والتأثير على العديد من الأنشطة المرافقة للقطاع السياحي مثل قطاع النقل والمواصلات والاتصالات والصناعة والزراعة والمصارف والإنشاءات وغيرها من متطلبات العيش الرغيد.
ويزخر العراق بقائمة طويلة من الأماكن السياحية الآثارية، منها طبيعية أنعم الله بها على بلدنا وأخرى تاريخية ودينية التي إن استثمرت بصورة صحيحة لنافست النفط بوارداتها. ومع ذكر الآثار التأريخية للحضارات السومرية والبابلية والآشورية لايمكن تجاهل ما أسسته الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية والمندائية والإيزيدية، والذي لايزال شاخصاً، فضلاً عن آثار الطبيعة التي حبانا الله بها من شمال العراق الى جنوبه ومن غربه الى شرقه، حتى أصبحت عناوينَ بارزة في مؤلفات المستشرقين والمستكشفين الذين زاروا بلاد مابين النهرين.
ويكاد العراق يكون الدولة الوحيدة في محيطه الإقليمي الذي يمتلك فسيفساء واسعة من الآثار المنوّعة حتى في داخل الطيف الواحد، فالآثار الدينية المسيحية تتوزع بين أثر كلداني وآخر سرياني، والآثار الإسلامية التي لم تستثنِ مذهباً أو طائفة في قاموسي السياحة والوجود.
في هذا التحقيق ترصد “مجلة الشبكة” تطور الاستثمار لدى الأوقاف السنّية في بغداد وعموم العراق في حوار مع رئيس ديوان الوقف السنّي ومدير عام الأضرحة والمراقد والمقامات في الديوان.
ثقافة سياحية
شأنها شأن أية صناعة، تحتاج السياحة الى ثقافة تخصصية وخطط للنهوض بواقعها، المشكلة الحقيقة أنه لاتوجد ثقافة سياحية في العراق، كما يشخّص ذلك رئيس ديوان الوقف السنّي الشيخ الدكتور عبد اللطيف الهميّم، موضحاً: إضافة إلى التثقيف بهذا الجانب المهم، نحتاج الى بنى تحتية لاستقبال السائحين، ونحن نجزم بأن الاهتمام بها سيجلب واردات ربما لاتقل عن واردات النفط لو استغلت بالشكل الصحيح, فلهذا نحتاج الى فنادق ووسائل ترفيه ومطاعم واتصالات وغيرها من الأمور التكميلية, وإذا لم تتوفر البنى التحتية لايمكن النهوض بها في العراق, وهي ليست مقتصرة على الآثار الإسلامية فقط, بل توجد مواقع مهمة مثل أور الكلدانية، وهي مفصل حقيقي، ولاسيما في أوروبا، باعتبار سيدنا إبراهيم الخليل ولد على هذه الأرض وكانت هناك حضارة عريقة في المنطقة.
الأستاذ سعد القيسي، مدير عام المراقد، دخل على الخط وذَكّر الشيخ الهميّم بموضوع دائرة السياحة الدينية قائلاً: إلى وقت قريب لم تكن هنالك دائرة خاصة بالسياحة الدينية، إلى أن أقرّها مجلس شورى الدولة، وجاءت الموافقة بأمر السيد رئيس الوزراء، وكان للدكتور طورهان المفتي، رئيس الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات ورئيس لجنة السياحة الدينية للوقف الشيعي والسنّي والديانات الأخرى، دور كبير في جانب السياحة الدينية في العراق.
الإعلام والسياحة
في أحيان كثيرة يصاب الناس بالدهشة عندما يعلمون أن هناك أماكن سياحية لم يكونوا على علم بوجودها، وهي على مسافة ليست ببعيدة عنهم،هنا يأتي دور الإعلام في تعريف الناس بما تحويه بلدانهم من آثار سياحية، دينية كانت أم طبيعية، كما يقول الشيخ الهميّم مضيفاً: توجد لدينا مزارات عديدة في عموم محافظات العراق، في نينوى مثلاً يوجد ما لا يقل عن 52 مرقداً أغلبها غير معروف باستثناء مراقد النبي يونس والنبي شيت والنبي جرجيس والبقية تجهلها الناس, وحتى في بغداد يوجد أكثر من ضريح مثل الطبري وأحمد بن حنبل وغيرها، والأستاذ سعد القيسي أكثر من يعلم بهذه المراقد والمزارات.
قد لا يعرف الكثيرون أنه يوجد لدينا 176 ضريحاً ومرقداً مسجلة لدى الوقف السنّي في جميع أنحاء العراق، كما يقول مدير المراقد، مضيفاً: هنالك مرقد سيدنا أنس والزبير والحسن البصري والقائمة تطول، ويوجد في بغداد 39 ضريحاً ومرقداً ضمن حدود الوقف السنّي، وأكثر أهالي بغداد القدماء يعرفونها، وفي ميسان هناك مرقد سيد أحمد الرفاعي، وصولاً الى الموصل حيث نبي الله يونس، على سبيل المثال لا الحصر.
خطط مستقبلية
يقول خبراء الاقتصاد: لتحقيق الاستفادة من أي مشروع ونجاحه يُعتمد على الرؤية المستقبلية والدراسة العميقة له، أين نحن من هذا الرأي؟ يجيبنا الشيخ الهميّم: هذا كلام صحيح، لذلك وضعنا خطة مستقبلية ودراسة متكاملة عن السياحة الدينية ولدينا خطة لبناء فنادق ودراسة تامة مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء والوزارات المختصة بهذا الشأن لأننا بمفردنا لايمكن أن ننجز ما وضعناه من خطط مستقبلية, فمثلاً إذا فتح طريق الحج البري من الدول المجاورة والصديقة أعتقد أن الأعداد لن تقل عن 5 – 7 ملايين زائر وهؤلاء يحتاجون الى طرق وفنادق ومواصلات واتصالات.. الى آخره من دعم.
الإرهاب
بالإضافة الى تدمير الإنسان يحاول الإرهاب دوماً أن يطمس الحضارة في أي مكان يدخله، وهذا ما قامت به عصابات داعش الإرهابية فهدمت الجوامع والأضرحة والمقامات وكل ما يمت بصلة الى الحضارة والتاريخ.
يقول الدكتور الهميّم: هذه مشكلة كبيرة، فنحن لدينا 1500 مسجد مهدّم بالكامل بسبب ( الدواعش) وبدأنا العمل في المساجد التي تحتاج إلى ترميم وصيانة, والعمل كبير، ودخل على خط البناء العديد من المتبرعين لبناء الجوامع أو إعمارها وأغلب ما دمِّر هي أماكن من الضروري استغلالها سياحياً.
يفصّل المدير العام للمراقد والمقامات السنّية ما تحدث به الشيخ الهميّم: حالياً يوجد في الموصل 25 ضريحاً مهدماً, و 42 مرقداً ومقبرة في ديالى مهدمة, و 16 مرقداً وضريحاً في الأنبار مهدمة واتخذنا الإجراءات لبناء هذه المراقد والسيد رئيس ديوان الوقف السنّي رفعها الى وزارة التخطيط لاستحصال التخصيص المالي عليها ليتم الشروع بإعادة إعمارها.
نقطة البداية
وعودة إلى الاستثمار الأمثل للسياحة الدينية في العراق، وبما يخص الأوقاف السنّية، فلابد من البدء بالخطوة الأولى لاستثمار ما موجود في العراق من مراقد وأضرحة وتطويرها للوصول إلى أفضل الطرق لاستغلالها سياحياً، ولهذا قام الوقف السنّي بتطوير المراقد في بغداد والمحافظات، كما يقول الشيخ الهميّم الذي أضاف: قمنا بتطوير مرقد أبي حنيفة النعمان والشيخ عبد القادر ومجمع البهلول والجنيد البغدادي ومعروف الكرخي والسري السقطي والطبري عبر استملاك معظم الأماكن المحيطة بالمراقد مثل مرقد أبي حنيفة أو بناء سلسلة من الفنادق والمطاعم والبيوت التراثية كما في مرقد الشيخ عبد القادر.
يكمل مدير عام المراقد: هذا بالنسبة الى بغداد، أما في المحافظات فقد بدأنا بإعمار مرقد سيد أحمد الرفاعي في ميسان ومزاري طلحة بن عبيد الله وأنس بن مالك في البصرة ومزار الأربعين في تكريت.
تعاون
ولضخامة المشاريع اللازمة للارتقاء بالسياحة الدينية لابد من وجود تعاون بين الوزارات المختصة فيما بينها من جهة، وجهات دولية او إقليمية من جهة أخرى، هذا ما أكده الشيخ الهميّم بقوله: يوجد عمل مشترك مع منظمة (تيكا) التركية بالنسبة إلى الجوامع الأثرية مثل جامعي الأحمدية والمرادية, وعمل مشترك آخر لجامع النوري مع الإمارات واليونسكو، وأعمال أخرى بمئذنة الحدباء والنبي يونس وهنالك انفتاح مع منظمات دولية وتعاون آخر مع ألمانيا متمثلة بشركة ألفا.
ويكمل الأستاذ الحاج سعد محمود القيسي المدير العام للأضرحة والمراقد والمقامات السنّية: حالياً لاتوجد تبرعات من أية جهة والتعمير من ضمن الحصة التشغيلية لموازنة عام 2019م نعمل في الحصص المقررة لنا, والحصة التشغيلية هي صيانة الأبنية.
أما بخصوص منظمة (تيكا) التركية فهي تعمل بإعمار مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني, وترغب في إعادة إعمار مرقد نبي الله يونس في الموصل ومنارة الحدباء تبرعاً من الحكومة التركية ونعمل معهم كمشرفين على العمل.
ختاماً نحن نأمل أن تستثمر هذه الفسيفساء الكبيرة من الأماكن السياحية الموزعة على كامل الأرض العراقية من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها استثماراً قد يكون يوماً من الأيام بديلاً عن النفط.. والكلام للمتحدثين.