صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد
الاء فائق/
وجدت “الشبكة” أن الكثير من الروايات والقصص والحكايات، التي تروى على لسان شهود عيان، وتتناول أحداثاً خطيرة ومهمة، تسرد في مقابلات وحوارات تلفزيونية، وتمر مرور الكرام غالبا، إذ قد لايشاهدها كثيرون، لهذا خصصت “الشبكة” زاوية تحت عنوان “يوتيوب” تعيد فيها نقل الكلام الشفاهي الى كلام مكتوب، ونشر تلك الروايات توخياً للفائدة، مع الإشارة إلى اننا سنبقي كلام الشهود كما هو من دون تدخّل لتصحيح أخطائه اللغوية إنْ وجدت.
صلاح عمر علي عضو مجلس قيادة الثورة انتمى إلى حزب البعث في 1957، انتقل من تكريت إلى بغداد بعد أحداث الثورة في 1958، واستقال في العام 1982.
هنا شهادته عن أحداث متواصلة عاشها بالقرب من رجالات البعث ومنهم أحمد حسن البكر وصدام حسين، كشف عنها في برنامج بثته احدى الفضائيات.
مسؤوليات وأسماء لحظة انقلاب 1968
كنا باستمرار نسعى لاسترداد السلطة، وبدأنا بالترتيب للانقلاب على عبد الرحمن عارف، وهيأنا مجموعة من الأعضاء ذوي الخبرات العسكرية وأصحاب الأدوار البارزة في انقلاب 1963 وكان يقودهم أحمد حسن البكر، كنا وقتها نمتلك فرعين للتنظيم هما مكتب بغداد بقيادة عبد الخالق السامرائي (أعدم في 1979 بتهمة الخيانة خلال اجتماع قاعة الخلد) ومكتب التنظيمات المحافظات الذي كنت مسؤوله، والمكتب الثقافي ومسؤوله عبد الله سلوم، والمكتب المهني ومسؤوله عزت مصطفى، والمكتب العسكري بقيادة أحمد حسن البكر ويساعده خريج الثانوية نائب ضباط احتياط طه ياسين رمضان (طه الجزراوي)، فضلا عن المكتب الفلاحي ومسؤوله صدام حسين وهو أقل وأبسط تنظيم في حزب البعث.
لاحقاً، كانت لدينا خطة «بسيطة» في القيادة القطرية وهي التخلص من عبد الرزاق النايف، دخلنا عليه وطلبنا منه رفع يديه وجردناه من سلاحه أنا وصدام حسين، بعد تمثيلية متفق عليها وهي أن يتصنع البكر وصالح مهدي عماش الإحراج بعد تهديدهما بالقتل إن تحركا.
بعد نجاح الانقلاب صار البكر رئيساً للجمهورية وأميناً عاماً للحزب، ووزعت المناصب على البقية، أول مؤشر سلبي على بروز محور صدام – البكر وهو تيار متشدد داخل البعث. كانت دعوة البكر وصدام إلى إعادة الصلة بالولايات المتحدة، وهو ما شكل في نفوسنا بوادر شك كبيرة، وحتى ذلك الوقت كان لصدام ترتيب آخر في المناصب بغية تسلق سريع لهرم السلطة.
صعود صدام بمديح عفلق
بعد ذلك بفترة لقي صدام مديحا كبيراً من مؤسس البعث ميشيل عفلق بعد أن وجد أنه هو الحاكم الفعلي وبعد أن أعطي امتيازات كبيرة بصلاحيات صغيرة.
بدأ عفلق في كيل المديح لصدام في خطب عديدة برغم تحذيرنا له كقيادة لبعث العراق من أن هذا النهج يعني تدمير العراق والحزب، ووعدنا بأنه سيكف عن مديح صدام والبقاء في فرنسا، بعد شهرين جاء إلى بغداد وألقى خطاباً صعق قيادة البعث في العراق قال فيه إن «صدام هو هدية السماء إلى البعث، وهدية البعث إلى الأمة العربية».
شخصية صدام العدائية
لم تبرز نوايا عدائية من صدام تجاه أي منا حتى ذلك الوقت، كنا نتصور أن دمويته شجاعة، لكن بعض الأفعال قبل ذلك صبت في إطار الغدر، منها قتل مسؤول تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي في تكريت الحاج سعدون في العام 1959، والحاج سعدون من عشيرة صدام وهو من أعيان تكريت دمث الخلق وصاحب علاقات اجتماعية طيبة، وكان لخير الله طلفاح (خال صدام) عداء تجاهه لذلك كلف صدام بقتله بطريقة غادرة في جنح الظلام وفي زقاق ضيق وسط تكريت.
وفي عام 1982 حين مالت كفة الحرب إلى إيران، سحب صدام مسدسه الشخصي خلال اجتماع مجلس الوزراء وقتل وزير الصحة رياض إبراهيم خلال اجتماع مجلس الوزراء، بعد أن اقترح على صدام التنحي من رئاسة الجمهورية مؤقتاً.
تكريت لم تكن موالية 100%
هناك عدة أمثلة على خوف صدام من المقربين «التكارتة» وتحديداً قرية العوجة وعشريته البو ناصر، أحدها وبعد تسلمنا السلطة بأسابيع قليلة، كنت أجلس في إحدى غرف القصر الجمهوري مع صدام وسألني: من تعتقد بأنهم أخطر أعداء الحزب والدولة؟، فأجبته أن المتضررين من ثورتنا هم الأخطر، فقال: بلا شك، لكني أريد أن تحدد فئات محددة، فقلت له : لا أعرف ، فقال صدام: أخطر أعدائنا الآن هم الأقارب والحواشي لأنهم لا يفقهون شيئاً في السياسة ووجدوا ابن عمهم صدام في الحكم لاستغلال وجوده.
وبرغم هذا فإن صدام ناقض نفسه لاحقاً، جلب 50 شاباً أمياً من العوجة ووزع عليهم أسلحة ودوراً سكنية ليكونوا مرافقيه الشخصيين.
عقوبة المعارض منصب دبلوماسي
قبل أن تبدأ مرحلة الاغتيالات، كان صدام حسين يعاقب معارضيه في قيادة البعث بالإبعاد خارج العراق بتعيينهم بمنصب سفير وسرت هذه العقوبة عليّ وعلى عدد آخر من المعارضين في حينه من بينهم صالح مهدي عماش وعبد الكريم الشيخلي، ولكن بعد محاولة الانقلاب الفاشلة لمدير الأمن ناظم كزار في 1973، بدأت عمليات القتل والتصفية على نطاق واسع بين صفوف قيادة حزب البعث.
الانفراد بالسلطة
في 19 تموز 1979، صار صدام حسين رئيساً للجمهورية بعد إزاحته أحمد حسن البكر من كرسي الحكم في اجتماع ثنائي فرض على الأخير الاستقالة. أعضاء القيادة فوجئوا بالقرار واعترضوا على استقالة البكر مطالبين بتأجيلها، وهو ما اعتبره صدام مؤامرة ضد طموحه، من هؤلاء محمد عايش ومحيي الدين الشمري وغانم عبد الجليل وعدنان التكريتي، وهم الذين أعدموا فيما بعد خلال قائمة قصيرة من 54 اسماً في مؤتمر قاعة الخلد بتهمة التآمر مع سوريا للإطاحة بالبعث العراقي.
التصفيق دفاع عن النفس
عمد صدام إلى تصوير مؤتمر قاعة الخلد وبثه تلفزيونياً لإثارة الرعب الشعبي منه، وفي الوقت نفسه متابعة الانفعالات الشخصية بعد مراجعة الشرائط لاحقاً بغرض معرفة المعارض لقراراته، وهو ما كان مفهوماً من أغلب البعثيين الحاضرين الذين لجأوا إلى التصفيق لدرء تهمة المعارضة، وبرغم ذلك اختفى لاحقاً أكثر من 300 عضو في القيادة أكثرهم كانوا من الحاضرين في قاعة الخلد.
بعد اعتقال 54 قيادياً في المؤتمر، قرر صدام توزيع الجريمة على الجميع باستدعاء جميع قيادات البعث في بغداد والمحافظات، سلم كل منهم سلاحاً لإعدامهم ميدانياً، وكان خلف هؤلاء مسلحون من حرس صدام مكلفين بقتل من يتردد.
إيران سعت لتجنب الحرب
في مؤتمر دول عدم الانحياز في كوبا 1979، كنت ممثل العراق في الأمم المتحدة، نسقت لقاء بين صدام ووزير الخارجية الإيرانية ابراهيم اليزدي، وهو لقاء بذل فيه اليزدي دمث الاخلاق جهداً إيجابياً كبيراً لنزع فتيل الأزمة المتصاعدة بين إيران والعراق، بعد اللقاء الذي خرجت منه آملاً بإنهاء الأزمة، بعد العروض التي قدمها وزير خارجية إيران ومنها تبادل الوفود مع بغداد لحل المشاكل، جلسنا أنا وصدام قرب حوض السباحة في المنزل الذي سكنه الوفد العراقي وسألني صدام: كم سنة صارلك تشتغل بالدبلوماسية؟ أجبت: عشر سنوات، ففاجئني بالقول: يا صلاح لقد خربتك الدبلوماسية، أيّ صلح وأي حلّ مع إيران؟، هذه فرصة لاسترداد الأحواز وشط العرب، حضر نفسك لسماع خبر ضربة تهز العالم.
أقرباء صدام يتسوقون في نيويورك
في آذار 1981 وصلت ساجدة طلفاح زوجة صدام إلى نيويورك على متن طائرة عراقية خاصة طراز بوينغ 747 برفقة حسين كامل و30 آخرين من مرافقيها، وكنت في استقبالها وسكنت عندي في بيتي لغرض علاجي لمدة أسبوعين.
صدام وعائلته كانوا يعيشون بهذا الشكل في وقت كانت الحرب مستعرة مع إيران، كان يمكن القول أن ساجدة لم تسرف ولم تتسوق الشيء الكثير ولم تكن تواقة للسياحة في نيويورك عكس الكثير من أقارب صدام الذين اشتروا مجوهرات وحلياً بملايين الدولارات في وقت كانت النساء تتبرع بحليهن دعما للحرب ضد إيران، منهم ابن خال صدام لؤي خير الله طلفاح كان يأتي إلى نيويورك بحقائب مليئة بالدولارات للتسوق، فيما جاءت أخته أكثر من مرة إلى أميركا للبحث عن أحجار كريمة نادرة غالية الثمن، قالوا لها أنها تباع في كولومبيا، أما في نيويورك فكانت تشتري أغلى قطع الملابس.
أما حسين كامل فكان يأتي لشراء أجهزة الكترونية وعسكرية بعلم السلطات الأمريكية من بينها جهاز الإنذار المبكر حملها حسين كامل في الطائرة بعد أن تم ادخالها بشاحنة عبر بوابة خاصة لا يتم فيها التفتيش، جهاز الإنذار المبكر هو عبارة عن شاشة برموز ومفاتيح تمكن صدام من السيطرة على كل مفاصل الدولة الأمنية، يوضع هذا الجهاز أمام صدام ويستطيع عبره الاتصال بكل المسؤولين الأمنيين في أيّ مكان كانوا.
استطاع صدام عبر هذا الجهاز اختراق بعض أجهزة الأمن في المنطقة، فمثلاً استطاع التقاط مكالمة هاتفية بين الملك فهد وأمير الكويت بعد غزو الأخيرة في العام 1991.