كفر ناحوم .. جزع الطفولة,جزع الحياة

622

مقداد عبد الرضا /

بلادنا تتعثر بالمواضيع , تتعثر بالآلام والقسوة , لكن أحداً لم ينتبه او لايعير اهتماماَ , لذا تجد ان اغلب انجازنا السينمائي لاعلاقة له بهذا الورم الكبير والمحنة التي تعيشها البلاد والمواطن . قبل أيام حضرت مهرجان السينما ثلاثة في ثلاثة لموسمه الرابع والذي تقيمه مؤسسة مدينة الفن متمثلة بمديرها الدكتور حكمت البيضاني , لم اجد مايميز الشارع البغدادي او العراقي بشكل واضح وسينمائي وهذه بحق مشكلة , متى ننتبه ؟ سؤال بحاجة الى اجابة , متى ؟
هذ العالم العربي الممتد من المحيط الى الخليج بجهوده الكبيرة يترك طفلا مشردا مكبلا يذهب الى المحكمة ليرفع دعوى ضد ابويه لانهم انجبوه, هذا الطفل يذهب الى المحكمة لانه طعن واحداً (ابن كلب) تسبب في موت شقيقته القاصر بعد ان دفعت العائلة بها للزواج بسبب الفقر وفي ليلة العرس ماتت بالنزيف, هل تعتبر هذه اشارة غريبة نوعاً ما ام ان هذه البلدان لاتعير اهمية لكل هذا الوجع؟ كيف سيكون شكل الاطفال ان ذهبوا الى المحاكم وقدموا شكاواهم ضد اهاليهم لانهم انجبوهم؟ ماذا يفعل طفل ياتي الى هذا العالم ويسكن الشوارع بدون رعاية, بدون تعليم؟, حتما سيشب ويروح في حقل من حقول الدم والجريمة, كيف سيكون شكل اطفال عالم الجوع والحرمان لو انهم خرجوا في تظاهرات ينددون بآبائهم لانهم جاءوا بهم الى هذا العالم؟ ماذا لو افترضا ان الحكومات هي التي ربت هؤلاء الاطفال مثلما يحدث في كل البلدان التي ترزح تحت حكم دكتاتوري,ماذا سيحدث لو ان هؤلاء الاطفال انقلبوا على ابائهم الدكتاتوريين, هل سيموت الدكتاتور من الدهشة ام ان الاطفال سيختفون في لمحة بصر؟ اى عذاب وصل اليه الطفل “زين” وهو يقاد الى المحكمة وبكل هدوء يعلن عن جرائمه لا بل ويتبناها, عائلة مكونة من اب سكير لايعرف سوى النوم وان تكون دائما بطن زوجته مرتفعة ومجموعة اطفال وزوجة لاحول لها، (في البحث المضني الذي قامت به المخرجة نادين لبكي والتي تمثل دور المحامي في الفيلم وللوصول الى التوضيح واعطاء الفصل لنا نحن النظارة, التقت بعد ان زارت الاحياء المحرومة واطلعت عن قرب على الكثير من العنف والنقص الحاد في الحياة الطبيعية, عنف بكافة اشكاله, زواج قاصرات, ضرب مبرح, سرقات قد تكون مبررة نتيجة الحاجة والجوع والقهر, التقت لبكي في كفرناحوم بامراة حياتها تشبه حياة الزوجة, امراة لها 16 طفلا مات ستة منهم والبعض الاخر يعيش حياة مزرية في دور رعاية الايتام بسبب الرعاية الناقصة). زين طفل يعيش حياة بائسة مع ابويه واخوانه, لاينسى لحظة حملوا فيها اخته ليزوجوها وهي قاصر الى رجل سنكتشف فيما بعد انها ماتت نتيجة العنف في ليلة زواجها وهذا احد الاسباب التي وضع فيها زين داخل السجن يحمل سكينا ويذهب ليطعن زوج اخته القاصر, يهرب من البيت ويلتقي بامراة جاءت من اثيوبيا تدعى راحيل (ربما هذا الاسم مقصود) تعيش متخفية مع طفلها الصغير على قلق وفي الدرك الاسفل من الحياة, تريد ان تحصل على اقامة حتى تظهر بشكل علني للحياة وتربي الولد, يخدعها سمسار يتاجر بكل شىء, له قلب قد من حجر لايهمه من عاش ومن مات ومن دخل السجن, يمنحها هوية مزورة تكتشف فيما بعد ليزج بها في السجن ويظل زين يعيش المحنة مع الطفل الرضيع, من خلال التجول.تعرض لنا لبكي حياة البائسين والمهمشين, اناس يحاولون ان يكونوا حاضرين في المجتمع لكن الشيخوخة تمنعهم من ذلك فيتحولون الى مشردين لكن بقلوب نقية وصافية وحب مساعدة الناس, الفقراء ابدا لهم الرغبة في مد يد العون حتى وهم في اشح حالات حاجاتهم, يدور زين في المدينة ومن خلاله نراها مقفرة وغير متساوية, السمسار الذي لاقلب له يحاول شراء الطفل من زين لبيعه لاثرياء لكنه في النتيجة يقع تحت قبضة العدالة لتودعه السجن وتسلم الطفل في مشهد ميلودرامي الى امه, تبرئ المحكمة كذلك الطفل زين لينظر اخيرا الى الكاميرا ومن وجهه المنفعل الى ابتسامة عريضة تنهي بها لبكي الفيلم وكأن الماساة انتهت بهذه الابتسامة, لا اعرف حقا لم دائما الكثير من القصص والأفلام تنتهي نهايات سعيدة؟ هل يحق لنا ان نطلق عليها السعادات المريرة؟ ام اننا متعلقون دائما بالامل واى امل بعد الذي وضحته لنا لبكي من خلال الفيلم؟, يبدو لي ان المخرجة قد احبت الفيلم كثيرا وهذا من حقها لكن هذا الحب اوقعها في الرتابة بعض الشىء, كانت الكاميرا تنتقل بشكل ذكي ولماح في الاماكن الضيقة لتوضح لنا عمق المأساة التي يعيشها اناس القاع, هناك تاثير واضح للسينما الواقعية الايطالية على المخرجة خاصة في الشوارع وبعض الكاركترات التي حققها فلليني في البعض من افلامه, حصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان لدورته الاخيرة الحادية والسبعين وصفق الجمهور قرابة ربع ساعة احتفاء بالفيلم, شارك ايضا قي مسابقة الاوسكار لافضل فيلم اجنبي لكنه لم يصمد امام فيلم الفونسو كوران روما الذي كتبنا عنه في احد الاعداد السابقة, كفرناحوم من السطح وروما من العمق وهذا هو الفرق الكبير بين السرد العربي والعالمي.
بقي شىء واحد هو ان اليونسكو تبنت الطفل زين ونقلته الى النرويج مع عائلته ليعيش حياة ادمية, هيأت له بيتا واسعا وحديقة غناء وارسلته الى التعليم لانه كان مشردا اميا في وطنه العربي.