منتجات شركة الخياطة الحديثة تضاهي العالمية

1٬005

فكرة الطائي – تصوير: كرم الاعسم /

كلما مررت من أمام شركة الخياطة الحديثة في منطقة الوزيرية أسأل نفسي: هل مازالت هذه الشركة تعمل بطاقاتها ذاتها كما في السابق، وهل مازالت جموع العاملين في الشركة تخرج بالمئات بعد انتهاء الدوام لتنتشر في شوارع المنطقة، وإذا دخلتُ إلى داخل ذلك المبنى الكبير فما الذي سأجده فيه؟ وهل أدى الاعتماد على المستورد من الألبسة وما شابه ذلك إلى توقف هذه الشركة أو تعثر إنتاجها، ولاسيما أنها شركة مساهمة؟ أسئلتي هذه لا يمكنني العثور على إجاباتها إلا في اقتحام هذا المبنى الضخم، الذي أحاطت به الكثير من المحال والمخازن المتعددة الأغراض، والمزدحم بالمارة والعربات وسيارات الحمل الصغيرة والكبيرة.
لفتت انتباهي منذ خطواتي الأولى داخل الشركة مساحتها الواسعة وما يشغلها من مبانٍ إدارية وإنتاجية، لكني لم أسمع أصواتاً عالية لمكائن أو أناس على الرغم من التأكيدات بوجود إدارة وعمال إنتاج. قادتني قدماي إلى الجانب الإداري في الشركة، وهو المفتاح الذي سيقودني للحصول على إجابات الأسئلة السابقة واكتشاف عالم هذه الشركة العريقة.
أعرف مسبقاً أن هذه الشركة قد واجهت متغيرات السوق بعد التاسع من نيسان 2003، شأنها شأن الكثير من الشركات والمعامل والمصانع الإنتاجية، منها من أقفلت أبوابها ومنها من بقيت تتحدى الصعوبات من أجل البقاء على قيد الإنتاج، فقد أغرقت السوق المحلية بالمستورد من نوعيات دون المستوى المطلوب وبأسعار زهيدة أقل بكثير من أسعار المنتج المحلي، ما أدى إلى ركود ذلك المنتج وتكدسه في مخازن الشركات والمعامل المحلية.
حين تفتح الأبواب
طرقت أول الأبواب، وهو باب السيد (عودة جاسم كزار)، مدير الشؤون الادارية في الشركة، والذي سيقودنا إلى التعرف على الشركة ومسيرتها في تحدي المعوقات من أجل البقاء. في البدء قال لنا: “تعد شركتنا من الشركات العريقة، فهي تضاهي العالمية من حيث حجم العمالة وجودة الإنتاج، فقد كانت تنتج الملابس بواقع خطين إنتاجيين، الأول مدني؛ بدلات رجالية وصداري طبية، والثاني عسكري للجيش والشرطة، وهي من الشركات التي أُسست في مطلع الستينات ضمن القطاع العام حتى عام 1989 إذ تحولت الى قطاع خاص مساهم، وبلغ عدد العاملين في هذه الشركة آنذاك أكثر من ثلاثة آلاف منتسب.
يواصل السيد كزار حديثه: بعد عام 2003 سُرِّح معظم العاملين في الشركة لعدم وجود الإنتاج، ما أدى إلى توقف المكائن عن العمل، من جرّاء تراجع مؤسسات الدولة عن التعاقد معنا لإنتاج طلبياتهم ولجوئهم إلى الاستيراد من الخارج، فقد كنا نتعاقد سابقاً مع وزارات مثل الدفاع والداخلية والصحة والمالية وغيرها لإنتاج احتياجاتهم من الألبسة، أما بعد 2003 فقد توقفت هذه التعاملات وذهبت تلك الوزارات إلى الاستيراد من الخارج مثل سوريا وتركيا والأردن.
استوقفتني كلمة “تسريح”، فهي كلمة صعبة تدل على الاستغناء عن الكثير من العاملين الذين أفنوا زهرات أعمارهم بين جدران هذه البناية الضخمة يقدمون عطاءهم الإبداعي المتميز من أجل تطوير المنتج المحلي، وبقي سؤال يلح، طرحته على السيد عودة جاسم كزار؛ ما الضمانات التي تقدم لمن تم الاستغناء عن خدماتهم؟
فأجاب قائلاً: طبعاً هناك ضمانات وظيفية للعاملين في الشركة، فالجميع يخضعون لقانون الخدمة العامة الحكومي من حيث التقاعد والضمان الاجتماعي والإجازات الاعتيادية والمرضية أسوة بموظفي الدولة بشكل عام.
تنويع خطوط الإنتاج
أثناء جولتي في أرجاء الشركة بصحبة مدير الشؤون الإدارية ومدير الإنتاج السيد (ياسين عبد الرزاق) الذي انضم إلينا في هذه الجولة، رأيت عدداً من المانيكانات يرتدين بدلات عسكرية وملابس عمل وصداري طبية، استوقفتني تلك المشاهد، ورغبت في الاستفسار من مدير الإنتاج عن هذه المعروضات قبل أن نذهب إلى المكائن التي تُنتج الآن، فسألته: لم تعد الشركة تنتج هذه الملابس، فماذا تعملون من بدائل في المصنع؟ وكان جوابه الآتي: فكرنا بالبدائل من أجل تجاوز العقبات وتغيير خط الإنتاج لتأمين معاشات العاملين في الشركة بالاستجابة إلى رغبات القطاع الخاص من حيث ما يطلبه من سلع ومنتجات، فقد أخذنا بإنتاج الأغطية والبطانيات والشراشف والوسادات الطبية بواقع 150 لحافاً يومياً موزعة على ثلاث مكائن مبرمجة حسب المواصفات العالمية من حيث النوع والشكل.
موسمية الطلب
لاحظت تكدس بعض المنتجات أمام إصرار العاملين على مواصلة التحدي من أجل البقاء في سوق المنافسة المحلية، أردت أن أستوضح السبب، فأخبرني السيد (عمار ناجي)، أمين المخازن والأدوات الاحتياطية، أن الطلب على هذه السلع موسمي، وقطع حديثنا في هذه الأثناء عامل الإنتاج (عمار محسن) الذي تحدث بألم عن واقع الشركات الإنتاجية المحلية، وذلك لعدم وجود تعاقدات بين مؤسسات الدولة وتلك الشركات أو المصانع لإنتاج ما يحتاجونه من مستلزمات.
في المعرض
في نهاية هذه الجولة لابد من أن نكون عند معرض بيع منتجات الشركة، فهو النافذة التي يطل منها المواطن على منتجات الشركة، وهناك استقبلتني مسؤولة المعرض السيدة أبرار محمد بالترحاب، بعد أن عرّفتها بمهمتي، أجابتني على سؤالي عن طبيعة المنافسة بين منتجهم المحلي والمستورد، فقالت: أسعار منتجاتنا مناسبة جداً للمستهلك المحلي فضلاً عن تميزنا بالجودة في الإنتاج من حيث نوعية القماش أو الديباج لأن هدفنا الأول أن نخفف العبء عن المواطن العراقي المستفيد.
توجيه الوزارات لدعم المنتج الوطني
عدنا في نهاية الجولة إلى محطتنا الأولى عند مدير الشؤون الإدارية للحديث عن الخطط المستقبلية للنهوض بواقع الشركة فقال لنا: خططنا تعتمد على تعاقدات المؤسسات الحكومية مع الشركة لإنتاج ما يطلبونه منا، إذ أن منتجنا يضاهي المنتج الأجنبي من ناحية الجودة ونحن نريد من الدولة أن تقوم بدعمنا معنوياً وذلك بتوجيه الوزارات بالتعاقد مع الشركة لتزويدهم بما يحتاجونه من مختلف الألبسة والتجهيزات.