موقف الجمهور من المطرب العراقي يحيى حمدي

1٬046

ارشيف واعداد عامر بدر حسون/

منذ أن ظهر محمد عبد الوهاب الى الوجود، ومنذ اليوم الذي انتشرت فيه أغانيه في أرجاء الشرق العربي، وعشاق فنّه يزدادون يوماً بعد يوم.. يرددون أغانيه آناء الليل وأطراف النهار ومنهم من راح يقلده حتى في ملبسه وطريقة مشيِه.

وكان يحيى حمدي “أو يحيى عبد القادر سابقاً” واحداً من آلاف المعجبين بالموسيقار عبد الوهاب.

تقدم الى الإذاعة ونجح.. وكانت حفلته الأولى سنة 1948 مع فرقة إخوان الفن.

وكان تأثير عبد الوهاب واضحاً، فهو يضغط على الكلمات عندما يحدّثك فتخرج جديدة، من نوع فريد، لا هي عراقية ولا هي مصرية، ولاحظت أيضاً أنه يمسح شعره بيده بين آونة وأخرى..

ونحن نستطيع ان نستلخص من استعراض حياة هذا المطرب الشاب أموراً كثيرة تتعلق بحالة “الطرب” في هذا البلد.. وحقيقة المستوى الفني وحالة الوسط الفني وغير ذلك مما يبعث في النفس شتى المشاعر المؤلمة.

وفي الموعد الذي حددناه للمطرب يحيى حمدي في إدارة “الأسبوع” دخل علينا شاب معتدل القامة أسمر اللون مدّ يده مصافحاً وجلس على أقرب كرسي إليه ولاحظت لأول وهلة بعض الشعيرات البيضاء المنتشرة في رأسه، وابتدرته قائلاً:

* المعروف أنك كنت تتبع طريقة في الغناء تختلف عن الطريقة الشعبية الحالية.. فما هي الدوافع التي جعلتك تتجه هذا الاتجاه الجديد؟
فقال بصوت حزين:

– كنت في السابق أغني لأحمد شوقي وغيره من فطاحل الشعراء، وكنت أبذل جهداً عظيماً في تحضير القصيدة قد يستمر لثلاثة أسابيع، ولكنني للأسف لم أستطع أن ألفت انتباه أحد سوى عدد قليل من المستمعين ممن يميلون الى هذا اللون من الغناء، وهم يشكلون عادة طبقة الشيوخ والمثقفين. وقد لاحظت في عين الوقت أن رصيد المغني الشعبي أكبر من رصيد مطرب القصائد والأغاني الرفيعة فاضطررت الى النزول على رغبة الجماهير وأخذت أقدم الأغاني “التافهة”..
فقلت مستغرباً:

* تعترف أنها تافهة؟

– نعم.. إنها تافهة بالفعل وأنا بطبعي لا أميل الى هذه الأغاني.. ولكني مجبر على أن أساير رغبة الأكثرية من المستمعين.. كنت أبغي في السابق رفع أذواق المستمعين الى مستوى الغناء الجيد.. ولكنني، بعد أن فشلت في مسعاي، اضطررت للنزول الى مستوى الأغاني التافهة.
واليوم أصبح لي معجبون كثيرون.. وأصبح لي رصيد لا بأس به من “طلبات المستمعين” وصرت معروفاً الى الدرجة التي يضحك الجمهور منها في الشوارع.

* يضحكون؟

– أقصد أنهم يستهزئون بنا..

وأخذ يقص علي حادثة جرت له قبل أيام عند خروجه من السينما.. وكيف ان بعض الفتيات أخذن يشرن إليه من بعيد ويستهزئن به.. وكيف أنه أخذ ينظر الى نفسه ويتفخص ملابسه عسى ان يجد ما يبعث في نفوسهن السخرية منه.. ولكنه لم يجد شيئاً يستوجب هذه التصرفات وعزا ذلك الى جهل بعض الناس لحقيقة الفنان ومكانته في المجتمع.

ويستمر يحيى حمدي قائلاً بصوت حزين ووجه كئيب:

– نحن ضحايا الفن.. كل ذنبنا أننا أحببناه ومارسناه فكان جزاؤنا لا شيء إطلاقاً.. فلا نحن حصلنا على شهرة حقيقية تعوضنا عما نعانيه ونكابده ولا الإذاعة أنصفتنا في أجورنا..

هل تتصور أنني أودعت فيها برامج للتلفزيون اشترك فيها عدد كبير من المطربين العراقيين والمطربات اللبنانيات والسوريات.. واشتركت فيها تمثيلاً وغناء وقضيت من أجل تحضير هذه البرامج نحو ثلاثة أشهر، ثم كانت النتيجة أنني لم أحصل على فلس واحد حتى الآن.. بسبب “غلطة” واحدة بدرت مني أثناء أداء هذه البرامج؟

وفضلاً عن ذلك فإن المسؤولين في التلفزيون عمدوا الى حذف حفلاتنا بحجة أن وجوهنا لا تصلح للتلفزيون، وبالنسبة للإذاعة فإن أجوري منذ عام 1950 لم ترفع سوى نصف دينار فقط بينما هناك من كان يتقاضى أجوراً أقل مما كنت أتقاضاه فأصبح يتقاضى أجوراً أعلى. وللشباب أقول:
– ان يبتعدوا ما أمكنهم عن التفكير في ولوج هذا الباب وأن يكتفوا بالوقوف في صف الهواة.. ولو أتيح لي أن أعيش ثانية لما سمحت لنفسي بالسير في هذا الطريق.

واستطرد يحيى قائلاً:

الفن بحد ذاته شيء جميل، يبعث في النفس شعوراً جميلاً، ولكن العاملين في الوسط الفني قلبوا مفاهيمه وجعلوه وسيلة للربح دون التفكير في رفع مستوى الفن عن طريق الدراسة المتواصلة وعدم اللجوء الى الأماكن التي يهان فيها الفن كالملاهي وصالات الرقص والحفلات التي يقف فيها المطرب او الموسيقي وأمامه راقصة تتلوى بين صرخات السكارى.

* ألم يعرض عليك العمل في أحد الافلام؟

– حدث ذلك ثلاث مرات.. وقد رفضت العمل لأنهم كانوا يطلبون مني دائماً أن أغني أمام إحدى الراقصات.. وفي إحدى المرات كلفت بأن أضع موسيقى أحد الأفلام وأن أغني أربع أغان فطلبت لذلك مئتي دينار بما فيها أجور أفراد الفرقة الموسيقية، ولكن السعر لم يعجبهم فذهبوا الى غير رجعة.

* يلاحظ أنك تردد اسم “منى” كثيراً في أغانيك، فهل لهذا الاسم نصيب من الحقيقة والواقع..
هنا بدت عليه الحيرة وسكت قليلاً ثم قال:

– إنه حب جديد طرق قلبي مؤخراً.. ولكنه حب بلا أمل وهو على كل حال يدفعني دائماً الى الإنتاج..
إنه بمثابة حافز.. والفنان لا يستطيع أن يعمل بدون حافز.

* من هو في اعتقادك أحسن مؤلف للأغاني؟

– هلال عاصم.. إنني أفضله على كثير من مؤلفي الأغاني لأنه يستطيع ان يرسم شعورك ويتقمص شخصيتك، وهو ينتقي الكلمات الموسيقية مما يسهل على الملحن تلحينها.

* من هو الذي يضع فكرة الأغنية عادة، أنت أم هو؟

– هو الذي يختار الفكرة في أغلب الأحيان..

* ما رأيك في محمد عبد الوهاب؟

– المجدد الأول.. وكل ما يقال عنه لا يقلل من شأنه.. إننا نتابعه منذ سنوات طويلة والموسيقى الشرقية مدينة له بالشيء الكثير.

* من هو المطرب العراقي الذي تطرب له؟

– أنا لا أطرب لأي مطرب عراقي سواء كان من أتباع الغناء الحديث أم من مطربي المقام العراقي.. ولكنني لا أستطيع ان أنكر ان لكل منهم طبقة من المعجبين.

* لماذا استقلت من عضوية “جمعية الموسيقيين العراقيين”؟

– كان المفروض في رئيس الجمعية منير بشير ان يدافع عن حقوق الموسيقيين والمطربين ولكنه سعى الى حذف حفلات المطربين العراقيين من مناهج التلفزيون فقدمت استقالتي من الهيئة الادارية احتجاجاً.

* ما قولك في فيروز؟

– مغنية ناجحة خلق صوتها للميكرفون.

* وأم كلثوم؟

– مركز أم كلثوم محفوظ كأكبر مغنية في الشرق العربي.

* وما رأيك في المقام العراقي؟

– المقام العراقي فن لا نستطيع التعرض له ولكنني أعتقد أن مطربي المقام بحاجة الى ثقافة موسيقية.

* ما هو أحرج موقف لك في ستوديو الإذاعة؟

– كان ذلك عندما فقدت مني الورقة التي كتبت عليها الأغنية.. فاضطررت الى تأليف كلام ارتجالي من عندياتي “فتصور كيف جاءت الأغنية”.