نال جائزة الأوسكار Film (حياة الآخرين).. مأساة ألمانيا في فترة الحرب الباردة

502

سنان باسم/

مع ندرة الأوقات التي تحيط اهتمامي بعالم السينما، لكني أذكر فيها متابعتي المتكررة لفلم ما، على رأسها E.T. the Extra-Terrestrial ، بالإضافة إلى فلم Empire of the Sun (امبراطورية الشمس) للمخرج الكبير ستيفن سبيلبيرغ، علىالرغم من انتمائهما إلى فترة القرن الماضي،التي تدفق منها نتاج سينمائي رائع لربما لن يتكرر،
لتبقى قطيعتي الجزئية في عدم تكرار مشاهدة أي فلم للمرة الثانية سوى فيلم (حياة الاخرين) The Lives Of Others من إنتاج 2006، هذا الفلم الألماني الذي اختلف على ثوابت اليأس من الإبداع في ظل جملة نتاج سينمائي لاطعم له ولا رائحة، فقد شدني الفلم، بين لقطات تطرق القلب بعد مرورها عبر عين المشاهد، مروراً بالقصة التي تدور خلال العام 1984 في ألمانيا الشرقية أثناء فترة الحكم الشيوعي، بالإضافة إلى أجواء الحرب الباردة الطاغية على علاقة القطبين السوفييتي والأميركي ومناصريهما. هذا الفلم من إخراج وتأليف (فلوريان دونرسمارك) الذي صاغ لذاته حروفاً من ذهب، وفق آراء العديد من النقاد، فقد كتب الفلم نهاية عقد التسعينيات، أثناء فترة دراسته للسينما، إذ كان يستمع إلى موسيقى لبتهوفن، وجاء في ذهنه مشهد خيالي مضمونه (لينين) وهو يستمع الى موسيقى سوناتا بحيث تجعل مزاجه طرياً وتذوب كل رغبة لديه في إيذاء الآخرين.
غرفة الاستجواب
قصة الفلم تبدأ في العام 1984 بمشهد مؤثر يجذب الأعين باقتياد أحد رجال وكالة الأمن القومي التابع لألمانيا الشرقية، والمسمى (شتازي)، شخصاً إلى غرفة الاستجواب من أجل التحقيق معه من قبل رجل الأمن وأستاذ علم التجسس (جيرد فيزلر)، وقد اقتيد الشخص بعد هروب أحد أصدقائه إلى ألمانيا الغربية، ليقطع المشهد، وإذا بشريط صوتي يسمع من قبل طلاب متدربين في وكالة الأمن (شتازي) حيث يأخذ ضابط التحقيق، الأستاذ المتخصص بالتحقيق والجاسوسية، آراء الطلاب بصحة ادعاء المتهم من عدمها، بعد إنكاره لأية تهم وجهت إليه، ليؤيد الطلاب أنه بريء بسبب بكائه، إلا أحد الطلبة الذي اعترض على أسلوب التحقيق، ليجري التأشير على اسمه في قائمة الطلاب، بما يعني أن الطالب ضد الحزب الشيوعي الحاكم في ألمانيا الشرقية، وليتضح في التسجيل الصوتي بجزئه الآخر، أن الشخص أسهم في تهريب زميله، ليكون مذنباً بعد أيام من عدم النوم والتعذيب النفسي.
تستمر الأحداث ويحضر فيزلر مع رئيسه المباشر عرضاً مسرحياً لكاتب مشكوك بولائه للحزب الشيوعي الحاكم، بالإضافة إلى أن الممثلة (كريستا سلاند) هي بطلة العمل المسرحي، التي تعد لقمة سائغة لوزير الثقافة الرامي بشباكه على تلك الممثلة من أجل إيقاعها.
لكن الأمر ليس بالهين، إذ يكلف وزير الثقافة فيزلر بالعمل على مراقبة منزل كاتب المسرحية والتجسس على تفاصيل حياته، وبالفعل فإن الأمر يسير وفق ما مخطط له عبر زرع شقة الكاتب بالعديد من أجهزة التنصت، لتبدأ رحلة المراقبة الدقيقة، ومع مرور الوقت تتضح رؤية مخفية على الرجل الصلد، الجاسوس فيزلر، الذي بدأ يذوب في جمال إلهام الكاتب وعذوبة الممثلة، وينتهي به الأمر إلى أمر لا يصدق، وهو التعاطف التام والتعاون معهما في سبيل عدم الإيقاع بهما من قبل السلطات، أو تسليم الممثلة بيد الوزير الجشع.
ولأنني لست بصدد حرق أحداث الفلم، إلا أن الأمر متروك للقارئ، إن كان يبتغي الولوج إلى عالم الجاسوسية الواقعية، وليس مايطرح عن رؤية أن الجاسوس -أو المراقب- هو سبايدرمان بقوته الخارقة، وذكاء نيوتن ووسامة دون جوان، وكل ذلك ينطبق على أفلام جيمس بوند أو 007 التي تسلسل أبطالها من شون كونري إلى روجر مور، وبيرس روسنان، ودانيال كريغ.
جائزة الأوسكار
فلم (حياة الآخرين) حصل على جائزة الأوسكار في العام 2006 كأفضل فلم أجنبي، ألحقها بالعديد من الجوائز العالمية الأخرى، ليكون أيقونة أفلام عصره حتى يومنا هذا، مع اكتمال الأركان المطلوبة في صناعة الفلم السينمائي، وليطرح سؤالاً عن السبب الذي يقف خلف عدم ترشح أي فلم عربي إلى الأوسكار من أجل المنافسة، وليس نيل الجائزة، لنخرج من السؤال بسؤال أكبر: أين السينما العراقية من إمكانية التنافس، ولاسيما مع وجود عناصر جمالية، أو إبداعية، متأهبة لحصد الجوائز على وفق نتاج يسير على طريق معبد.. ما الذي نحتاجه كي نصل، أم الأصح: ما الذي نحتاجه كي نبدع؟