نجاح سلام: الرئيس منحني وساما ومن انقلب عليه منحني الوسام الثاني!

670

 عامر بدر حسون/

لقد أسعفتني البديهة بزجل لم أكن أستطيع نظمه ولو جلست ساعة أفكر.. ومن أجل هذا منحت وساما سوف أعتز به مدى العمر.

بدأت الغناء في سن مبكرة، وكنت أهتم بكل شيء عن هذا الفن الجميل، أدرس الموسيقى، وأقرأ عن كبار المطربين في الشرق، وعرفت أن ما يعتز به كل مطرب جمهوره، وأوسمته..
لأنهما معا مقياس نجاحه عند العامة والخاصة. والمطرب لا يطمع في أكثر من أن يكون موضع إعجاب الاثنين معا.
ولكني لم أكن أعرف طريق الحصول على الأوسمة، وإن كنت عرفت الطريق إلى الإذاعة، والمسرح ثم السينما أخيرا.

وذات ليلة غنيت في دمشق، أيام كان شكري القوتلي رئيسا للجمهورية، ورأيت الجماهير تصفق لي، وكنت مهتمة بمتابعة الرئيس الذي جلس في صدر الصالة الكبرى.. ورأيته يصفق لي بحماس، وبعد أن انتهيت من الغناء استدعاني إليه وقال لي أن هذه المرة الأولى التي يسمعني فيها، وأبدى إعجابه، فلم أجد ما أقول، وأضاف إلى عبارات الإعجاب وسام الاستحقاق السوري.
ولم أكن أصدق ما اسمع، وما أرى، وسألت نفسي هل تتحقق الأحلام بهذه السرعة؟ بحفلة واحدة يحضرها الرئيس القوتلي. والحقيقة أنني عدت إلى لبنان بعد هذه الحفلة وأنا أكاد أطير فرحا بوسامي، وكنت حريصة على أن أريه لكل أصدقائي وصديقاتي، حتى قال لي بعضهم”اعملي له متحف”!
وغنيت في دمشق مرة ثانية أيام كان يحكمها حسني الزعيم، وطرب حسني الزعيم لغنائي، ورأيته يصفق فلم ينصرف ذهني إلى أنه سيمنحني وساما، وخصوصا وأنني منحت وساما من قبل في دمشق.. وأدهشني أنه أثنى علي ومنحني وساما ثانيا، وقال لي: )إنني أحب الفن، ولا أترك فرصة إلا وأشجع الفنانين).
ووضعت الوسام الثاني مع الوسام الأول، وكنت مسرورة لهذين الانتصارين، واعتبرتهما دليلا على أنني أسير إلى الأمام وعلى أنني مقبلة على تحقيق كل الأحلام.

ولكن كان يحز في نفسي أنني حصلت على الوسامين من سوريا، ولم احصل على وسام واحد من لبنان وطني، وكنت أقول هذا لأبي فيطيب خاطري ويقول لي أن كل بلد عربي وطن لنا، والفن أيضا لا وطن له..
وكان المطربون يجيئون من مصر إلى لبنان فيمنحون الأوسمة والنياشين، وصحيح أن الزملاء من مصر يستحقون ما تقدمه إليهم حكومة لبنان، ولكن هذا كان يترك في نفسي أسفا دائما، لأنني لا أحظى بمثل ما يحظون به..
وقال لي بعضهم: “خاطبي المسؤولين في هذا الشأن”.. فقلت لهم: (التشجيع لا يستجدى، إما أن يقدر المسؤولون وحدهم أنني أستحق وساما فيمنحوني إياه دون طلب، وإما ألا يقدروا ذلك فأظل كما أنا)..
ومنذ أشهر طلبت لأحيي حفلة تحت رعاية السيد عبد الله اليافي رئيس الوزارة اللبنانية، وتظاهرت بالسرور وأنا أقف على المسرح برغم أنني غاضبة من حكومة بلدي، وغنيت فصفق لي الرئيس عبد الله اليافي..
ثم بدأت أغني من جديد، ووجدتني أقول على البديهة موجهة الغناء للرئيس اليافي:
(أوسمتك وصلت صيتها ريتها على صدري ريتها سوريا منحتني وسامين ونجاح غريبة في بيتها) ووجدته يصفق وهو يضحك، وكانت هناك عاصفة من التصفيق من المتفرجين كلهم، بل أن الموسيقيين صفقوا لي أيضا. ولست أدري كيف استطعت أن أنظم هذين البيتين بهذه السرعة، ولا شك أنهما من إلهام الموقف..
والمواقف دائما توحي للإنسان بما لا يخطر على البال، وبما لا تتصور أن تصل إليه بتفكيرك الهادئ البطيء.
وانتهيت من الغناء فاستدعاني الرئيس اليافي إليه وقال لي: (أهنئك بالوسام اللبناني.. ولن تصبحي غريبة بعد اليوم في بيتك)..

ولم أجد ما أقول للرئيس عبد الله اليافي غير أن أشكره على تلبية زجل البديهة، فضحك وقال: (أنت حقك وسام تاني بوصفك مؤلفة) وبعد أسبوع واحد تقلدت وسام لبنان.
وعندي الآن ثلاثة أوسمة، الأخير وحده هو الذي جعلني أحس أنني لست غريبة في بيتي… والبقية تأتي.. ادعوا من أجلي!