روما رحلة الى التطهير

827

مقداد عبد الرضا /

العالم منتبه لما يحدث في بلدانهم ونحن ساهون والا من يصدق كل هذا الالم الذي مر على البلاد ولم يخرج فيلم يقص علينا الوجع الممض, الفقدان,الربكة الحاصلة,التفاصيل الصغيرة هي العين التي تؤشر الألم, الفرح,الطرق,الجدران,البيوت,المشاعر,اللمسات, لكن وكما قلنا نحن ساهون ومتعلقون باليومي البائس والعيش المضطرب.
في الغد سيحاسبنا هذا الزمن على ما اقترفناه من نسيان وسيوقع على خمول ذاكراتنا.
عندها لامناص من البؤس,اظن.
“حقا أن الإنسان لاتطهره سوى البدايات, لكن هذه البدايات سرعان مايتخذها الانسان مآخذ اخرى”
(القديس اوغسطين)

هناك فترات من التاريخ تنخدع فيها المجتمعات بالتحولات التي تطرأ وتلك اللحظات التي تجبرنا على التحول القسري دون رغباتنا, الزمان ضنين وميت والمكان مميت, وهما الاثنان اى الزمان والمكان لهما القدرة على تحديد هويتنا, من نحن؟الى اين نمضي وماهي امكانية الاخر ازاء وجودنا الكوني والانساني,الاخر الذي يشكل دون شك وحدة تعاضد او كبوات, احيانا تبنى راوبط غامضة مع الاخر وغير قابلة للتفسير او التوضيح,لكأن(هذه الفترات)عبارة عن جسد ينمو يكبر ثم يهرم ويتهدم,لذا نجد ان الطفولة هي الفترة الوحيدة التي يمكن الرحيل اليها, كل شىء يمكن ان يتزعزع الا الطفولة, منظارها نقي كعين الوز وبها نستعين على سرالرحلة,الرحلات, مثلما فعل فيدريكو فلليني حينما تذكر احدهم يجلس في اعلى شجرة ويصرخ اريد امراة, وما رحلة تاركوفسكي في فيلمه الفذ ستالكر(الدليل)الا بداية رحلة المخرج الفونسو كوران في فيلمه روما,لم يكن الا ابن العاشرة حينما تخطى الزمن وجاء به الى حاضرنا الان ليسرد لنا جزءاً من طفولته, روما سبعينيات القرن المنصرم, ثلاثة خطوط يضعنا فيها كوران, وهذه الخطوط الثلاثة جلها انهيارات, رب العائلة يغادر البيت ويظل سؤال الاطفال اين هو والام تحاول ان تبرر الغياب,وكليو الخادمة وتلك القبلة الاخيرة في دار السينما من حبيبها فيريمين, يتركها للحيرة والجنين الذي في احشائها ليذهب مقاتلا في صفوف القمع, في مشهد لاحق تكون فيه كليو في السرير مع فيريمين, هو عار تماما وبيده عصا مقاتلي الساموراي يقوم بحركات عنيفة ويبدا بالحديث عن حياته القلقة والمضطربة, انه مدين بحياته للفنون القتالية, ترعرع معدما, ماتت امه وهو صغير, انتقل الى منزل عمته في الاحياء الفقيرة,اقرانه يوسعونه ضربا في كل مرة, التقى بالزمرة القاتلة, بدأ يعاقر الخمر والمخدرات, هذا الحرمان ادى الى البحث عن البديل, عن البطولة,العنف بابشع صوره, لذا سنجد كليو حينما تذهب للبحث عنه وتجده يتدرب على القتال في صفوف القمع, يأتي اليها وينهرها بأن لاتعاود الاتصال به, انه مدين للقمع في حياته العنف بديل عن عنف الطفولة. روما فيلم احتفال, هو محاولة للاصغاء الى زمن مضى والنظر اليه بدقة ومحاسبته بهدوء, استكشاف للتسلسل الهرمي الاجتماعي المكسيكي حيث يتداخل الفصل والعرق بشكل ملتبس ومعقد مع الزمن, روما فيلم تلعب فيه الحميمية دورا كبيرا عن نساء كن قد لعبن دوراً مهماً في حياة المخرج كوران(ان 90 % من احداث الفيلم ماخوذ من طفولتي), روما (كولونيا روما)هو حي في مدينة مكسيكو حيث تم تصوير الفيلم هناك ويقع الى الغرب من وسط المدينة التاريخي, نحن بين الشارع واحداثه والبيت وعذاباته, منذ اللحظة الاولى من الفيلم (للقطات على العناوين) والتي تدل على ازاحة ادران الالم, كليو الخادمة تصر على نظافة ممر البيت الرئيسي, تزيح وجع الاحداث, الشارع, البيت الذي سرعان مايهجره رب الاسرة تاركا الحيرة في النفوس, كليو هي نقطة ارتكاز سرد الفيلم والاحداث في ضاحية كولونيا روما وهي ايضا من سكان هنود المكسيك الاصليين (كل احداث الفيلم ومع اعتزاز العائلة بها لكن سنراها ابدا تجلس على الارض وليس فوق كراسي مثلما تفعل العائلة, هذا الشعور الذي مرره لنا المخرج بشكل غير مباشر يؤكد على حس العائلة الطبقي تجاه هنود المكسيك, هذا المكون العائلي الذي ينهار تدريجيا بفقدان الاب) تنتهي من تنظيف الممر وتدخل الى البيت وتغلق الباب ليسود صمت طويل نوعاً ما, لاشىء سوى العصافير تزقزق في الممر, كليو تغني للحبيب فيريمين والذي سيتركها لاحقا, يسير الفيلم في البداية بشكل رتيب, حركة الكاميرا واللقطات الكبيرة توضح هذه الرتابة (السيارة تدخل الى المرآب مثل كل يوم, تحضير طلبات الاب, كليو تهدهد الطفلة صوفي, ايتها الصغيرة الناعسة نامي مع الملائكة, الاب يحتج ويتذمر من قذارة وفضلات الكلب, البيت في نهاية اليوم يسوده الظلام,كليو تطفئ اخر ضوء في البيت وتذهب للنوم) لكنه قلق, هذا القلق يفجره احد الابناء على مائدة الطعام والعائد من المدرسة وبكل عفوية يقول, ان الشاب الذي رمى الماء على السيارة العسكرية احتفالا, نزل العسكري وصوب رصاصة الى راس الشاب وارداه قتيلا, هو ذا انهيار الشارع, ثورة الطلبة والقمع الذي يمارس ضدها, الاب صامت لايتكلم كثيرا دلالة على عدم رغبته في العيش في هذا البيت, مشهد رائع الزوجة تودع الزوج, تحتضنه من قفاه وليس وجها لوجه لتوضح لنا الربكة في العلاقة والهوة الحاصلة بين الزوج والزوجة والبيت كله, يستقر في سيارته الفولكس واكن وينطلق دون عودة ابدا الى البيت, الى اين؟ الى امراة اخرى؟حياة اقل صخبا؟هذا الغياب يخل بموازين البيت, الاولاد يسألون دائما, الام ترتبك حتى في دخول سيارتها الى المرآب, ترتبك الحياة برمتها, في مشهد قارب النهاية يمر المخرج بخيط بسيط من الميلودراما حيث البحر والعائلة ومعهم كليو التي تخاف العوم ينزل الاطفال الى البحر يغوص احدهم ويكاد ان يغرق تغوص كليو خلفه وتقوم بانقاذه تحتضن العائلة بعضها البعض في مشهد يقترب من المليودراما, وهو مايؤكده بوستر الفيلم حتى تأتي النهاية غير المتوقعة حيث كليو تخبر الخادمة الاخرى بان لديها قصصا لم تحكها الى الان تصعد الى السطح لتقوم بنشر الملابس وكان المخرج يود ان يحكي لنا اكثر, كل فريق العمل لم يكن احدا منهم يعرف ماهو الاتي في الفيلم اثناء التصوير اذ لم يعط المخرج ايا منهم السيناريو, كان يفاجئ الجميع اثناء العمل, تم تصوير مشهد الولادة الطويل في المستشفى مرة واحدة فقط. كان الأطباء والممرضات حقيقيين، وليسوا ممثلين، وظفوا ليجعلوا المشهد أكثر واقعية,حاز الفيلم على دب فينيسا في العام الماضي 2018، فازالفيلم بجائزة الكولدن كلوب هذا العام كافضل مخرج وافضل فيلم وهذا يمهد الطريق بالحصول على الاوسكار شخصيا ارشحه فيلماً لنيل الاوسكار.