في آخر حديث قبل رحيله جاسم سيف الدين الولائي: سوق الكتب العربية لايستوعب المنتَج الأدبي!

1٬372

محمد الكحط /

عرفناه شاعراً وصحفياً، قبل أن يفاجئنا بعمل إبداعي جديد، هو خوضه في ترجمة الرواية من اللغة السويدية إلى العربية.
“الشبكة العراقية” أجرت آخر حوار للكاتب والروائي جاسم الولائي قبل رحيله.
باب الترجمة
* ما الذي أغراك لتتجه إلى هذا النوع من الإبداع وأعني به باب الترجمة؟
– الحقيقة ليس في الأمر ثمة إغراء، إن لم يكن الكتاب نفسه هو الأداة والغاية من الإغراء، ليس هو إغراء بقدر ما هو شوق معرفي يُثيره فضول شديد لمعرفة أشياء كثيرة عن أناس آخرين، يعيشون حياة مختلفة عما كنّا نعيشها نحن في مجتمعنا، في جغرافية وطبيعة مختلفة،عن أناس تربطهم علاقات اجتماعية نجهلها، أو نعرف القليل عنها، ولكننا مع الاكتشاف نجدها علاقات طبيعية تحكمها قوانين دقيقة متفق عليها ولا تحتاج في تنفيذها كواقع اجتماعي إلى سلطة تنفيذية هي في طبيعة الحال سلطة غائبة حاضرة. نحتاج إلى معرفة المزيد عن حياتهم في أعمالهم ووظائفهم وآليات إنجازها وبدائل حلولهم لهذه المشاكل وكذلك آلياتهم العديدة في التجريب والإنجاز ونسب النجاح التي تكون في الغالب مرتفعة. كلما ازدادت المعرفة ازداد الشوق والفضول للمزيد، ومع ازدياد الفهم تزداد الأسئلة لتبلغ أنساقاً جديدة: كيف كانوا يعيشون في الماضي؟ كيف كانوا يفكّرون، يتعلمون، يعملون، يتنزهون، يحاربون، كيف كانت تبدو مدنهم وقراهم، ملابسهم ووسائل سفرهم وتنقلهم؟ وتفاصيل كثيرة تتوزع في المجتمع كما يتوزع الدم في الجسد الإنساني من القلب.

* ما المصاعب التي تواجهها في الترجمة، خصوصاً ونحن نعرف أن الترجمة تحتاج إلى إلمام عالٍ بكلتا اللغتين، كيف وفقت في ذلك؟
– الصدفة لعبت دوراً كبيراً في أول كتاب ترجمته وهو رواية (سرّ النار) للروائي السويد المعروف هيننغ مانكل التي طبعتها أولاً (دار المنى) في ستوكهولم. أما الطبعة الثانية فقد ساهمت في طبعها وتوزيعها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم. ووزعت الطبعتان بشكل واسع في أسواق أوروبا والبلاد العربية.

* كيف لعبت سلسلة الصدف في ظهور هذه الرواية؟
– لم أختر أنا بالذات هذا الكتاب لقراءته وترجمته فيما بعد، وإنما اختارته لي ابنتي الوسطى صابرين، بعد أن استعارته من مكتبة مدرستها وقرأته، ثمّ طلبت مني قراءته وترجمته إلى اللغة العربية. قمت بترجمته وبقي النصّ في الحاسب سنوات طوال حتى اكتشفه الشاعر الصديق إبراهيم عبد الملك وكان بدوره قد ترجم العديد من كتب الأطفال والشباب لحساب دار المنى.
لم أسعَ أنا شخصياً لمفاتحة دور النشر لطبعه وتوزيعه، بل قام عبد الملك بنفسه بتقديمه إلى السيدة منى زريقات وفاوضها على طبعه وزكّاني أمامها. فأوقفت عملية ترجمته من اللغة الإنكليزية واعتمدت ترجمتي لأنها عن اللغة السويدية مباشرة وليست عن طريق لغة وسيطة.
لم أخطط بأن هذا الرواية هي أول نصّ لمانكل باللغة العربية وأول تعريف به للقارئ العربي بعد أن سبقت 35 لغة أخرى لغتَنا العربية. ولم أكن أعرف أيضاً أنّ هذه الرواية كانت قد حصدت العديد من الجوائز الأدبية في العديد من معارض الكتب والمؤسسات الثقافية، وقد كان حظ النسخة العربية الفوز بأفضل كتاب في الترجمة والإعداد في المعرض الدولي للكتاب في الشارقة الدورة 19 عام 2010.

مصاعب
* ماهي مصاعب الترجمة والنشر وتوزيع الكتب بشكل عام كما تراها اليوم؟
– السوق اليوم هو أكبر المصاعب، أعني أن عملية التوزيع لا تشجع إلا على ترجمة عدد محدود من الكتب الأدبية وهي أكثر حظاً من الشعر الذي يعاني اليوم من كساد حقيقي وحركة بطيئة. الكتب العربية والمترجمة إلى العربية تطلبها المكتبات العامة وبعض الجامعات والمدارس في السويد وبعض دول أوروبا مع تنافس شديد تفرضه الكتب المنشورة بلغات أخرى. الأفراد يطلبون الكتاب العربي بشكل محدود لغلاء كلفة طبعه ونقله بطريق الشحن أو البريد ما يضاعف ثمنه. والسوق العربية تستوعب القليل، وكذلك فإن عملية الترجمة والفحص والمقابلة اللغوية التصحيح والتوزيع تستغرق وقتاً طويلاً رغم سلامة آلية كلّ تلك الخطوات، ولا روتين في هذه السلسة كلّها، لذلك تتردد دور النشر في إنتاج الكثير من الكتب. أعتقد أن هناك عشرات الكتب المترجمة إلى العربية لم تجد الفرصة للنشر.
أما عن اختيار الكتب الباقية، فالكتاب الأول اختارته ابنتي صابرين كما أشرت. والكتب الباقية اختارتها دار المنى ووضعتها في خطتها السنوية وتعاقدت معي على ترجمتها.
* هل بالإمكان تسليط الضوء على كل عمل قمت بترجمته، وأسباب اختياره؟
– أسباب الاختيار أشرت إليها في جوابي السابق. الكتب التي قمت بترجمتها عديدة. ليس باستطاعتي أن أشير إلى الكتب التي لم ترَ النور بعد، خوف أن يكون زميل آخر قد ترجمها هو أيضاً فيُصدم ويُصاب بخيبة أمل، أو يحدث لي أنا هذا. كما حدث لي مع رواية (الكلب الذي ركض نحو نجمة) لهيننغ مانكل.
إضافة إلى رواية (سرّ النار) ترجمت عددًا من الكتب الأخرى للأطفال والشباب ولأعمار متباينة بين (7 إلى 20 عامًا) وكذلك لمن هم في سن أكبر. منها: أجزاء من سلسلة كتب مارتن ودمارك ورسوم هلينا ويليس الاجتماعية البوليسية للصغار، التي تتحدث عن حل ألغاز بعض السرقات التي تحدث في مدينة هادئة تُدعى فالبي،
لغز الزعفران، لغز المومياء ولغز المدرسة.
وبعد أيام سيصدر الكتاب الرابع لنفس الكاتب والفنانة التشكيلية وهو كتاب لغز كرة القدم.
كتابان علميان من القطع الكبير ليوهنا فون هورن ورسوم يوناس بورمان هما:
تفضل إلى البيت.. هكذا يعمل البيت.
سيارات أنيس للكاتب كارل يوهان دو غيير ورسوم يان ليف.
أرنوب الذي حنّ إلى بيته وهي تروى لأطفال الحضانة. مؤلفتها ليليان إدفال ورسوم الفنانة أنا-كلارا تيدهولم.
وكتب أخرى لا أتذكر مؤلفيها ورساميها لوجودها في المخازن وتوشك مؤسسة محمد بن راشد على توزيعها.
بعد أيام سيصدر كتاب ترجمته لدار المنى بعنوان: دراجة أولّه الجديدة وهو أول كتاب يصدر بالعربية للكاتبة السويدية (أنكا هولم)، ويغيب عن بالي للأسف الفنان الذي صمم غلاف القصة ورسم لوحاتها الداخلية.
* حدثنا عن أول كتاب ترجمته وكذلك آخر كتاب. هل شعرت بتطور وتغيّر في عملك؟
– جاسم: أول كتاب هو (سرّ النار) لهيننغ مانكل. ترجمته بحب وشوق كبيرين. كانت لغتي السويدية بدائية وبسيطة، اعتمدت فيها على قراءة الأساطير وبعض الكتب البسيطة والمنهج المدرسي للأجانب. استغرقت الترجمة ككل زمناً قصيراً، وكتفاصيل ساعات طويلة وصلت أحياناً إلى 12 ساعة متواصلة في اليوم احتاجت قواميس عديدة سويدية- عربية، عربية-سويدية، وقاموس مصور، وقواميس وسيطة بين السويدية والعربية والانكليزية. كنت أشعر بهاجس يقيّد حريتي في التصرّف بالنصّ العربي وخوف كبير من الوقوع في خطأ جسيم يشوه النصّ الأصلي ويحرفه عن خطّه الشاعري. (سرّ النار) رواية رومانسية رقيقة حساسة للغاية مثل لوح مفاتيح آلة البيانو، مثل العطر وزجاج القوارير، تتحدث عن الحرب الأهلية في موزمبيق وضحايا الألغام التي زرعها المستعمرون البلجيك تحت الأرض هناك.
الكتاب قبل الأخير الذي سيظهر في المكتبات بعد أيام هو رواية أنكا هولم (دراجة أولّه الجديدة) وتعتمد على الجانب التربوي في الأسرة والمجتمع السويديين وكيفية التعامل مع المراهقين.
الكتاب الأخير وهو بين يدي الآن هو رواية للكبار لغته عميقة واضحة وليست معقدة، يمكن أن تتحول إلى تحفه نادرة لو تناولها أحد ما أفضل مني ونقلها إلى العربية، نادراً ما أحتاج الآن إلى قاموس في عملية الترجمة، رغم التطور والوفرة الموجودة بها القواميس الآن ورغم انتشارها على مواقع الإنترنت، ويُسر وسرعة البحث عنها واستخدامها. أشعر بأن لا شيء يقلقني ويحدّ من حريتي وأنا أترجم نصاً كلاسيكياً مركّزاً يقارب عمره الـ (120) عاماً ليالمر سودربرغ. أنا رائق وبطيء ومتمهل في عملي هذا. وهذا يجيب على سؤالك الذي يقول: ما هو عملك القادم؟
النصّ الذي بين يدي الآن هو عملي القادم، أضيف بأنّ هذا العمل هو للنشر في الصحافة العربية مع سلسلة مقالات ورؤى نقدية وبعض البيلوغرافيا المرافقة لهذا النص الكلاسيكي. لن يكون لحساب أية دار نشر عربية أو سويدية، وإنما لي وللقارئ اليومي. ربما أصدر الكتاب في المستقبل. المستقبل يعني سنوات، وربما أطلب ذلك في وصيتي ولن أراه كتاباً.
* هل ستفاجئنا بنشاط إبداعي جديد في المستقبل القريب؟
– جاسم: لا أدري!