علي بدر لـ (الشبكة): الرواية العراقية الأكثـر تطوراً والأقرب لنمط السرد في أوروبا
علي السومري /
هو كاتب وروائي ولد في بغداد وكتب فيها واحدة من أشهر رواياته (بابا سارتر)، لينتقل بعدها للعيش في أوروبا، في بلجيكا بالتحديد، نال جوائز عدة، وأصدر العديد من الروايات بينها (شتاء العائلة، الطريق إلى تل المطران، صخب ونساء وكاتب مغمور، حارس التبغ، والكذابون يحصلون على كل شيء)، تُرجم أغلبها إلى لغات أجنبية منها الإنكليزية والهولندية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية، فضلاً عن كتب فلسفية ومسرحيات ودواوين شعرية، إنه الروائي علي بدر، الذي التقيناه في أربيل فكان معه هذا الحوار الذي ابتدأناه بسؤال:
* أستاذ علي أنتَ واحد من أوائل الذين ترجمت كتبهم إلى لغات أجنبية، برأيك، هل ساهمت الترجمات في اتساع رقعة السرد العراقي؟
-طبعاً ..هذا أكيد، قديماً لم يكن هذا الإقبال على السرد العراقي على هذا النحو، أعني كانت دور النشر بشكل عام لديها تصور، وعلى ما أعتقد خلقه الأدباء العرب، وهو عدم وجود أدب خارج مصر ولبنان، لكن الأمر الآن مختلف جداً، بعد أن فوجئوا بالسرد العراقي، اليوم هنالك إقبال كبير على الأدب العراقي. بالنسبة لي ترجمت روايتي (بابا سارتر) الى اللغة الإنكليزية بعد ست سنوات من إصدارها، أما اليوم ففي أربع سنوات ترجمت لي أكثر من خمس روايات إلى اللغة الإنكليزية وغيرها من اللغات مثل الهولندية والاسبانية، أنا أعتقد اليوم أن الأدب العراقي في المقدمة، وعليه إقبال كبير من دور نشر كثيرة.
•أصدرت العديد من الروايات التي لاقت رواجاً محلياً وعربياً وعالمياً، كيف تقيّم الرواية العراقية اليوم؟
-الرواية العراقية رواية متطورة جداً ليس اليوم فقط، بل منذ زمن طويل، كان مستوى السرد في العراق ومستوى الإنتاج عالياً، في السابق كانت الرواية أقل ازدهاراً من القصة القصيرة، لأن العراق كان متفوقاً في القصة القصيرة منذ الخمسينات والستينات حتى أكثر من مصر ولبنان، أما الرواية في العراق فانطلقت انطلاقة جديدة خاصة بعد (الألفين)، أولاً، صار فيها تنوع في الأساليب وفي الرؤى وخلق معادل موضوعي جديد داخل الرواية، قديماً لم يكن مهماً نقل الواقع داخل الرواية، اليوم الرواية العراقية مهتمة كثيراً بقراءة الماضي، والكتابة بطريقة أشبهها بفترة القرن التاسع عشر في روسيا، وعلى ما أظن ستنتج رواية عراقية عظيمة، والتي يسميها الأميركان (The Great American novels)، فهم في كل سنة أو سنتين تصدر عندهم رواية عظيمة، أعتقد أن العراق يكرر تجارب دول كبيرة مثل روسيا وأميركا، وأنا متفائل وأدافع عن الأدب العراقي بحب دون تعصب، ليس لأني عراقي، ولكن لأن الرواية العراقية التي أقرأها اليوم هي رواية متميزة فعلاً، والرواية العراقية وبالأخص في السنوات الأخيرة هي الأكثر تطوراً والأكثر قرباً من نمط السرد في أوروبا.
*نعرف جيداً بأن السرد عموماً اتسع بعد سقوط الديكتاتورية عام 2003، هل أثر هذا على كتـّاب الرواية وموضوعاتهم برأيك؟
-لا شك، الرواية ترتبط دائماً بضعف السلطة، حتى أن (باختين) تكلم عن هذا الأمر، إن الرواية تظهر مع ضعف السلطة، والشعر يكون قوياً في وجود سلطة قوية، لأن الشعر عمل فردي وأناني يرتبط بالذات ومشاعرها، ولأنه غامض، يرتبط بقوة السلطة ويرتبط بالفردية في المجتمعات الشمولية، اليوم ومن وجهة نظري أرى أن كل الجماعات تحاول أن تعبّر عن نفسها بالسرد، الجماعات الإثنية وجماعات أخرى لديها أفكار مختلفة عن النمط السائد في المجتمع، لذلك نلاحظ اتساع رقعة السرد في العراق وأصبحت متنوعة، تنوع في الأساليب والأفكار، لدينا اليوم رواية كردية، ومسيحية، ورواية ريف وأخرى حضرية، ورواية تتحدث عن الديكتاتورية ورواية جنسية، وروايات (Best Saler)، وروايات تدافع عن النظام السابق، هذا التنوع الكبير في السرد أراه عامل صحة يقيناً.
*لنتحدث عن الجوائز، ما الذي تضيفه الجائزة للكاتب والكتاب؟
-الجائزة مهمة جداً، أنا أشبهها دائماً بالعمل البطولي لدى الإغريق، ففكرة الجوائز ظهرت من الأولمبياد الإغريقية، وتعني أنت بطل، ويجب على الناس أن تحافظ على أخلاق كبيرة في إطار التنافس الشريف، الأمانة، الثقة، لذلك أنا أعتقد أن الجائزة هي من حق الكاتب، ومن واجب المؤسسات أن تعطي الجوائز، لكن من الواجب أيضاً أن تحافظ هذه الجوائز على نقائها وعلى صورتها الحقيقية.
*هل انتهت مقولة (العراق بلد الشعر) بعد انتشار الرواية العراقية في العالم العربي وأصبح كتـّابها نجوماً عالميين؟
-الشعر لن ينتهي في العراق، وهو حاضنة لكل الكتـّاب، نحن جميعاً بدأنا شعراء، وأنا أعتقد أن الكاتب الجيد هو الذي يبدأ شاعراً، وذلك لعلاقة الشعر باللغة وبمختبر اللغة نفسها، حساسية الكاتب إزاء الكلمات، وبناء الجملة والفقرة والوصف وغيرها، إجمالاً هو عمل لن ينتهي، ولكن أنا طبعاً أعدّ الرواية العراقية اليوم رواية متميزة. وسيكون مستقبلها مثل مستقبل الرواية في أميركا اللاتينية. ولأقُلْها باختصار، العراق هو بلد الأدب، وبطل الشعر، وبطل الرواية، وبطل القصة القصيرة أيضاً.
*في الآونة الأخيرة اتجه بعض الكتـّاب لتأسيس دور للنشر خاصة بهم، وأنتَ أحدهم، هل مرد هذا خيبتكم ككتـّاب في توزيع نتاجاتكم الأدبية في العالم العربي وغيره؟
-تجربتي مع النشر قديمة، كنت محرراً في دور نشر كثيرة، بالنسبة لي أحب النشر، لا نقول أنها خيبات، لنتجاوز هذا الموضوع الشائك، لكن أعتقد أن عملي في صناعة الكتاب هو بسبب حبي للكتاب، واليوم أعمل محرراً في نفس الدار وهي (ألكا)، وهي دار فرنسية وتصدر بالأدب الفرنسي، ورئيسها هو كرم غطاس، الذي طلبت منه أن أحرر القسم العربي، لأنه لم يكن هناك قسمٌ للغة العربية فيها، ولدي مشروع، وهو طرح أفضل عشرين كتاباً بالنسبة لي في العام، هذا مشروعي الذي أحبه، ومهمتي البحث عن نمط من الكتابات التي أعتقد أنها جميلة وطباعتها للقارئ العربي، وليس أن أكتب له رواية فقط.
*في ختام هذا الحوار، ما جديد علي بدر؟
-أصدرت قصصاً قصيرة بعنوان (حفلة القتلة)، والآن أعمل على روايتي (الزعيم) التي ستصدر في الشهر السابع أو الثامن من هذا العام، وهو مشروع لكتابة أربع روايات عن مراحل سياسية مختلفة، وهي (الوزير) عن حقبة الحكم الملكي، و (الزعيم) عن حقبة الثورة وعبد الكريم قاسم، و(الرئيس) عن حقبة حكم البعث، و(المستشار) عن الحقبة الحالية.