ماذا يجري في طقس العراق؟

1٬364

بشير الأعرجي /

منذ عقود، لم يشهد العراق طقساً مشابهاً لما جرى في شتاء وربيع العام الحالي، بل لنقل إن خارطة الطقس تغيّرت بشكل كبير، ونجمت عنها أجواء “متطرفة” عاصرها العراقيون لأول مرة، وشاهدوا بأمّ أعينهم ظواهر كانوا يتابعونها بذهول في البرامج الوثائقية عن الكوارث الطبيعية، فماذا جرى؟
الأعاصير الستة
المدخل المهم لتغيير الطقس في العراق هي الأعاصير الستة التي تلاعبت بأجواء البلاد، وتحدث عنها رئيس منبئين جويين أقدم في هيئة الأنواء الجوية محمود عبد اللطيف، الذي قال: “بدأ الشتاء مبكراً في شهر تشرين الأول 2018، وهو أمر لم يعتده مناخ العراق، وصادف في منتصف ذلك الشهر ستة أعاصير بشكل غير مألوف، الأمر الذي غيّر خارطة الطقس وشهدنا ما شهدناه من استمرار هطول الأمطار وموجات السيول وارتفاع مناسيب المياه في الأنهار والمسطحات التي غاب عنها الماء لسنين طوال.”
أضاف عبد اللطيف لـ”الشبكة العراقية”: “الغريب أن درجات الحرارة لم تنخفض كثيراً خلال فصل الشتاء، واستمرت أعلى من معدلاتها، لكن مع مرور الوقت ودخول فصل الربيع بقيت تلك الدرجات منخفضة، أي أن شهر نيسان، وهو بوابة الدخول الى الصيف، لم يفتح بابه، واستمرت أجواء الشتاء بدرجات حرارة أقل من معدلاتها الطبيعية، وربما سيكون هذا الربيع هو الأطول.”
حشرات ليست بموعدها
قبل أسابيع، ظهرت أنواع عديدة من الحشرات بكميات هائلة، ومنها الخنافس السوداء وحشرات طائرة أخرى، خصوصاً في محافظتي الأنبار والنجف وبعض المدن الأخرى، وعزا البعض ظهورها الى أسباب عدّة وأغلبها بعيدة عن الواقع، لكن الأستاذ في كلية الزراعة/ جامعة بغداد د. أحمد الزبيدي قال: “المعدلات المرتفعة وغير الطبيعية لدرجات الحرارة في الشتاء وارتفاعها في منتصف شباط تحديداً، دفع الحشرات الى الخروج من مخابئها بحثاً عن الطعام”. وأضاف لـ”الشبكة العراقية”: “ظنّت الحشرات أن الربيع قد أتى مع غياب الأجواء الباردة وارتفاع درجات الحرارة في ذلك الشهر، وهو ما يفسر علمياً ظهور الحشرات بهذه الكثافة، وخصوصاً في المناطق الزراعية وغير المأهولة.”
الصراع على العراق
تفسيرات أخرى علّلت سبب طول فصل الشتاء واستمرار هطول الأمطار في غير موعدها مع ظواهر أخرى شوهدت للمرة الأولى في البلاد، والتفسيرات هذه المرة اعتمدت على خارطة العراق و”ابتلائه” بموقعه الجغرافي.
المنبئ الجوي الأقدم في مطار البصرة الدولي صادق عطية تحدث لـ”الشبكة العراقية” عن تفسيرات لما جرى من أجواء متقلبة في العراق سواء الأمطار الغزيرة أوالفيضانات أوالسيول، وقال: “جغرافياً يقع العراق في منطقة صراع مناخي، إذ تحيطه مناطق للارتفاع والانخفاض الجوي، ويعتمد طقسه على ما يحدث في البحر المتوسط والخليج وبحر العرب والمحيط الأطلسي والهندي وكتل الهواء الحارة والباردة، وكل هذا ينعكس على مناخ العراق.” وأضاف: “المناخ في العراق متطرف بين موسم وآخر، فخلال السنوات الماضية كان الجفاف وقلّة الأمطار، وقد شمل المنطقة بأسرها، لكن خلال العام الحالي لمسنا وفرة في الأمطار بشكل يفوق التوقعات، فمثلاً كان معدل الامطار في السليمانية 800 ملم لغاية نهاية شهر آذار، غير أنه تم تسجيل 1200 ملم للفترة ذاتها، ومعدلات الأمطار ارتفعت في مناطق أخرى، خصوصاً شرق البلاد.” وتابع بالقول “كذلك فإن درجات الحرارة متطرفة أيضاً، وجميعنا لاحظ أنها تسجل نحو 50 درجة نهار الصيف لتنخفض الى نحو 25 درجة ليلاً، وهذا التطرف المناخي يغذيه الموقع الجغرافي للعراق.” وأشار عطية أيضاً الى قضية السيول المتجهة الى البلاد، وقال: “تعدّ أرض العراق منخفضة عن باقي الدول المحيطة بها، لذا فإن السيول تتجه اليها، وهذا هو المعنى الحقيقي لتسمية العراق بوادي الرافدين.”
ثلوج في الربيع وغيوم سوداء
شهدت بعض مناطق كردستان الجبلية هطولاً للثلج بعد موسم انتهائه في العراق، أي في نهاية شهر نيسان، وتزامن ذلك مع خلو أغلب دول أوروبا الباردة من رؤية الثلج في مدنها، كما شهدت البلاد ظواهر جديدة لم يألفها طقسه، ومنها السحب السوداء واحتجاب الشمس لعدة أيام خلف الغيوم الركامية.
رئيس منبئين جويين أقدم محمود عبد اللطيف قال: “من المفترض أن ينتهي أي منخفض جوي على العراق في غضون عشرة أيام، لكنه استمر لنحو شهر، وقد رافقته أمطار غزيرة وغيوم رعدية، لكن الظاهرة المميزة التي شاهدها العراقيون لأول مرة هي الغيوم السوداء التي تسمى (سوبر سل)، وهي سحابة خارقة تغطي مساحات كبيرة في السماء وذات لون أسود مخيف وتحمل مطراً سريع النزول، وتتكون نتيجة اختلاف درجات الحرارة وتيارات الهواء والرطوبة في الجو، وانتشرت في مناطق عديدة من العراق وسببت خوفاً لدى سكان المدن التي مرت من فوقها، هذه الغيوم لم يشاهدها العراقيون إلا قبل أيام.”
الصيف.. كيف سيبدو؟
الخبر السار الذي يحمله الصيف المقبل، هو الخزين الهائل للمياه في الأنهار والسدود والبحيرات بعد موجة الأمطار والسيول التي شهدها العراق منذ شهر تشرين الماضي لغاية الأيام القليلة المنصرمة، إذ ازداد الخزين المائي إلى أكثر من 55 مليار م3 مقارنة بـ 14.3 مليار م3 العام الماضي، أي أربعة أضعاف، كما أن الطاقة الكهربائية المنتجة من السدود تجاوزت 1100 ميكاواط، بحسب ما أعلنته خلية مواجهة السيول، وهو أمر لم يحدث سابقاً ويبشر بصيف مليء بالمياه.
وأكمل محمود عبد اللطيف حديثه عن توقعات درجات الحرارة لطقس الصيف المقبل، وقال: “ليس من السهولة توقع درجات الحرارة خلال هذا الموسم، لكن بصورة عامة ستستمر الرطوبة ويكون الجو خالياً من العواصف الترابية، لأن المطر قام بتثبيت التربة وظهرت على إثره المساحات الخضراء.”
وأيّد المنبئ الجوي صادق عطية فرضية عبد اللطيف، وقال: “أشهر الصيف المقبل لن تكون لاهبة، لأن مزاج الهواء سيتغير بفعل المساحات الخضراء وكميات المياه التي دخلت البلاد، ومع هذا لا يستطيع أي منبئ جوي توقع ما سيحدث خلال الأشهر المقبلة، لأن طقس العراق يحمل المفاجآت دائماً، فمن كان يتوقع أن تمتلئ البحيرات والأنهار بالمياه، وجميعنا كنا في قلق من موجات جفاف ستضرب البلاد.. الأمر متروك بيد الله.”