ليلة الدخلة
حسن العاني /
وقائع الحياة في العراق – ومثله الكثير من بلدان العالم الثالث- تفيد بأن الحديث في قضايا السياسة أياً كانت محاذيره أو مخاطره في بعض الأحيان، أهون مئة مرة من الحديث عن ليلة الزفّة وما يرافقها من شروح وتفصيلات ذات طابع جنسي، مع أن هذا الطابع له سند علمي وشرعي وثقافي وتربوي..
وقد يبدو ذلك غريباً الى حدٍ ما، ولكن الأغرب أن يحدث هذا في الألفية الثالثة، وما بلغته البشرية من تطور وما حققته من اكتشافات وإنجازات واختراعات وصلت الى التلاعب بجينات ابن آدم، في حين كان أجدادنا، سكان البادية والخيمة والصحراء، الذين تحكمهم أعراف الغزو وسلطة القبيلة، أكثر انفتاحاً وتفهماً الى الحد الذي يتحدثون فيه عن قضايا الزواج والفراش والعلاقات الجنسية بعقل ناضج وفهم متطور وحرية مفتوحة. فهذا ملك كندة (الحارث بن عمرو) يخطب ابنة عوف بن محلم الشيباني قبل أكثر من (15) قرناً، حتى إذا تمت الموافقة وزُفت البنت الى زوجها، استدعت الأم ابنتها العروس وألقت على مسامعها وصيّة من أروع ما بلغنا عن التراث، وتكمن أهميتها أن تلك الأم الفاضلة لم تجد حرجاً ولا عيباً في كشف ما يجب أن تكون عليه العلاقة الزوجية (فلا تقع عينُه منكِ على قبيح، ولا يشمُّ منك إلا طيب ريح، والكحل أحسن الحسن، والماء أطيب الطيب المفقود). ولابد أن تلك الوالدة الكريمة (أُمامة بنت الحارث) ما كانت الوحيدة بين نساء عصرها التي تتحدث بأريحية عن متطلبات الحياة الجنسية، فذلك عُرف من أعراف المرحلة قبل مجيء الإسلام. وحين ظهر الدين الحنيف كان المسلمون لا يجدون تلعثماً في اللسان وهم يسألون عن أخص خصوصيات (الفراش)، لأن التعرف على الحياة الجنسية من متممات المعرفة الدينية، ولهم في الرسول الكريم (ص) خير قدوة ومعلم، وهو الذي خاطبهم بأفصح لغة وأوضح معنى (لا ترتموا على نسائكم كالبهائم، بل اجعلوا بينكم وبينهن رسولا.. القبلة).
ليلة الزفّة
بعيداً عن أجواء الفرح الآخذة بالتطور الى حد الهوس والجنون، قريباً من التعبير العلمي، فإنها (ليلة الدخلة) الأكثر أهمية من مفردة (الزفاف)، لأن الدخلة التي يمكن أن تكون واحدة من أحلى ليالي العمر، ويمكن أن تكون ليلة النكد، التي طالما أدت الى مشكلات نفسية مدمرة، ولعل الجهل بأسرارها هو الذي يقف وراء الطلاق أو القتل، بل هو وراء الكثير من حالات العقم وعدم الانجاب بسبب العامل النفسي أو طريقة العلاقة الجنسية.
معظم مؤسساتنا الصحية، العامة والخاصة، كما يذكر الدكتور محمد قاسم تستقبل مئات الحالات (المرضية) الناجمة عن ليلة الدخلة، والمشكلة أن أغلب المراجعات (رجالية أو نسائية) لا تتم إلا بعد تفاقم حالاتهم، وهو الأمر الذي يُصعّب العلاج على الطبيب والمريض معاً. وفيما يبدي الدكتور قاسم استغرابه من هوية المراجعين لأن النسبة العظمى مؤهلة دراسياً (معلم، مدرس، أستاذ، مهندس، محام،… الخ) وأغرب الغرائب أن بينهم أطباء، فإن الدكتور فاضل عبد الكريم يشير الى أن حالات الدخلة المرضية كثيرة ومنوعة، أشهرها (البرود الجنسي) الذي يتعرض له الرجل، أي (القصور أو عدم القدرة على أداء الوظيفة الجنسية بصورتها الطبيعية). أما الشائع عند المرأة فهو التعرض الى الجروح المصحوبة أحياناً بنزف شديد يقتضي نقل العروس الى المستشفى. وعلى العموم، كما ترى الدكتورة (منال..)، فإن جوهر المشكلة يتلخص بالأمية الجنسية التي تضع العريسين في ليلة الدخلة تحت ضغوطات مرهقة من (التردد والتهيّب والتخوف وعدم الثقة)، وهذه المشكلة تزداد تعقيداً –والحديث ما زال للدكتورة منال- في عدم المراجعة السريعة للأطباء الاختصاص..
ان تشكيك العريس برجولته، في حالة تعرضه الى البرود الجنسي، ينعكس مباشرة على وضعه النفسي، وهنا – يكمل الدكتور محمد قاسم كلامه- أودُّ لفت النظر الى أمرين، أولهما أن استمرار التردي في الوضع النفسي يؤدي الى التأثير السلبي المباشر على (الجهاز التناسلي)، لأن الوظيفة التناسلية من الناحية العلمية والطبية هي وظيفة (ذهنية-فكرية-نفسية) قبل أن تكون جسدية، وثانيهما، أن هذا الإحساس إذا ما خفّتْ وطأتُه، وتوفرت للرجل إمكانية إداء مهمته الزوجية، فإنه –بسبب غياب وعيه الجنسي- يتصرف بحيوانية همجية يبغي من ورائها تأكيد (فحولته أو رجولته العالية) وعلى العروس أن تدفع الثمن، وغالباً ما يكون ثمناً مكلفاً من صحتها ووضعها النفسي.
تعتقد الدكتورة منال أن مناهجنا الدراسية ومؤسساتنا التربوية والتعليمية، زيادة على مؤسسة البيت والمجتمع، لم تزوّد الرجل والمرأة بأية خبرة أو معلومة أو ثقافة في هذا المجال، ليس فقط لأنها تضع ما لا يحصى من الخطوط الحمر تحت الثقافة الجنسية، بل لأنها تعاني، هي نفسها، من هذه الأمية، مع ملاحظة بالغة الأهمية، وهي أن مستوى الوعي الجنسي وسلوكيات ليلة الدخلة تبقى متدنية عند المرأة مقارنة بالرجل بحكم الطبيعة المحافظة لمجتمعنا من ناحية، والحياء الذي هو أحد صفات الأنثى من ناحية أخرى، وهو ما ينغص عليها ليلة العمر كما يُقال، التي طالما انتظرتها وعاشت معها أحلاماً وردية!!
ماذا تقول البكارة؟
مازال العرف السائد في الريف وبين الأوساط الشعبية، هو الذي يحكم المجتمع، وأبرز وجوه هذا العرف، كما يقول الطبيب الجراح هاشم عباس، يتمثل في حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على كاهل العريس للانقضاض على عروسه بوحشية، وفضّ بكارتها ورؤية الدم في دقائق معدودات، لأن هذا يدلل على أمرين: أولهما أن العريس (رجل من ظهر رجل)، وثانيهما أن العروس تحمل شهادة (العفّة والشرف)!!
– هذا يعني أن البكارة (شهادة شرف) وعذرية لحاملتها!
* ولكن الكثير من هذه الشهادات مزورة!
– كيف؟
* لأن تركيبة البكارة ليست واحدة، فهناك نوع يدعى بغشاء البكارة المطاطي.. وهناك غشاء خفيف جداً، ويمكن أن يتمزق من دون حدوث أي نزف أو ظهور دماء.
– والحل؟
* المتزوجون الذين يتعاملون مع هذه الحالات بتعقل ويراجعون الأطباء يتم إفهامهم، ولكن المشكلة في الذين تأخذهم عصبية العرف الاجتماعي ويدفعهم الجهل بخصائص التكوين الجسدي للمرأة وجهازها التناسلي، فهم غالباً ما يعمدون الى الطلاق، وغالباً ما تتأزم العلاقة بين أسرتي العريسين، وقد تقتل البنت غسلاً للعار.
تقول الدكتورة منال: من الصعب حصر المخاطر الناتجة عن غياب الثقافة الجنسية، في مقدمتها العقم وعدم الإنجاب، مع أنه أحد الحالات فقط، ذلك لأن الخوف والقلق والحياء وأسلوب الجماع وغيرها، تؤدي الى تعرض الزوجة الى جملة من الأمراض التي قد لا تظهر آنيّاً كالنزف والإسقاط واضطراب الدورة الشهرية وغيرها، هذا غير العديد من الحالات التي يتعرض لها الزوجان بهذا القدر أو ذاك مثل الكآبة والحزن والنفور الجنسي والبغض الدفين.. الخ
مفاهيم عامة
يبدي الدكتور محمد قاسم استغرابه الشديد لأنه لا توجد لدينا، على كثرة وسائل الإعلام، أية فضائية أو جريدة أو مجلة أو إذاعة أو صفحة أو زاوية في مطبوع تعنى بالصحة الجنسية وثقافتها على غرار العناية بالبرامج الصحية الأخرى التي تتعلق بمخاطر التدخين مثلاً أو أهمية الرياضة على الصحة أو.. الخ
* ونحن نتحدث عن غياب الثقافة الجنسية، هل هناك مشكلات حقيقية لأن الرجل (قد) ينتهي من عملية الجماع بسرعة ولا يلتفت الى زوجه؟
– (الاكتمال) لدى الطرفين هو القمة العاطفية للعلاقة الجنسية بين الزوجين، والمعلومات المتوفرة في هذا الجانب تشير الى أن عدم وصول المرأة الى (الذروة) في المجتمعات (الأقل تحفظاً) يؤدي الى انحرافها الأخلاقي في الغالب، أما في المجتمعات (الأكثر تحفظاً) فيقود الى إحساسها باليأس والحزن والاشمئزاز من الفراش.
* ارتبط مصطلح (البرود الجنسي) بالرجل.. هل المرأة خارج هذا التوصيف؟
– الواقع يقول غير ذلك.. وبعيداً عن الخوض في التفاصيل، فإن الأنثى والذكر تجمعهما صفات مشتركة على الصعيدين الجسدي والنفسي، بمعنى أنه ليست هناك تشريحياً فوارق كبيرة أو مهمة بين جهازيهما التناسليين، وليست هناك أية فوارق على المستوى النفسي.
* ما الذي يجعلها تتعرض الى مثل هذه الحالة؟
– أسباب كثيرة من بينها قصور الثقافة الجنسية.. الخوف من الحمل.. الافتقار الى الحنان.. الزيجات غير المتكافئة اجتماعياً أو أسرياً أو اقتصادياً او وظيفياً أو مستوى علمياً أو على صعيد العمر.. ومن هنا ينصح علماء الاجتماع بتوفير حدود معقولة أو مقبولة من التكافؤ حفاظاً على ديمومة الحياة الزوجية، وتجنيب المرأة بصورة خاصة الإحساس باليأس أو التعرض الى الكآبة والنفور من السرير، وكلها عوامل تقود الى البرود..
* والحل؟!
– الأمر يتعلق بمدى تفهم الزوجين لطبيعة المشكلة، وعلى العموم يمكن اللجوء الى بعض العلاجات كالأقراص المهدئة مثلاً أو العلاج النفسي الإسنادي.. ولكن المؤسف أن أغلبهم يلجأ الى السحرة والمشعوذين..
أخطاء شائعة
لا يعدّ حصر البرود الجنسي بالرجل دون المرأة، وحده الخطأ الشائع، فهناك أخطاء شائعة كثيرة تتعلق بليلة الزفة أو الدخلة، منها على سبيل المثال، كما يشرح الدكتور فاضل عبد الكريم وينبه، مسألة الطعام من حيث كمياته وأنواعه، لأن معظم الرجال المتزوجين أخذوا بالرأي الشعبي السائد، ومفاده أن يتناول العريس أكبر كمية من الطعام، ولكن المباحث الطبية أكدت حقيقتين، الأولى: إن العدو المباشر لقدرة الرجل الجنسية هو التهام كثير من الأطعمة، لأن امتلاء البطن يعني زيادة في النعاس والكسل، وكبح الانفعالات العاطفية والتوترات الجنسية، كما أن المخاطر الأعظم لا تتوقف عند “الدخلة” بل تتعداها إلى اضمحلال قدرة الرجل الجنسية بحيث تصبح علّة مستديمة صعبة العلاج.. والثانية: الخطأ الشائع شعبياً حول وجود أكلات معينة باستطاعتها إغناء النشاط الجنسي، وباختصار فإن الطعام المتوازن الذي يحافظ على الصحة العامة هو الأساس، لأن الطاقة الجنسية جزء من هذه الصحة..
هناك خطأ أكثر شيوعاً وأكثر خطراً في الوقت نفسه، يقول الدكتور عبد الكريم، هو المشروبات الكحولية بحجة أنها تُنشط الخيال العاطفي وتبعث المزيد من المتعة والانتشاء وتساعد على تجاوز الارتباك والخجل، وتمدُّ الرجل بالشجاعة والجرأة. وهذه الأعذار مجتمعة لا أساس لها من الصحة على المستوى العلمي والطبي والواقعي، حيث أثبتت الدراسات في هذا المجال أن المشروبات الكحولية، سواء في ليلة الدخلة أم على امتداد الحياة الزوجية تؤدي فعلاً معاكساً، كما تعدُّ من أهم العوامل المباشرة لولادة الضعف الجنسي عند الرجال، هذا غير مخاطرها الكبيرة على صحة الانسان بصورة عامة..
ثمة أمر آخر لا يتنبه له الكثيرون، وهو العلاقة بين (الأمراض والطاقة الجنسية) فكثيراً ما يتعرض العرسان في ليلتهم الى العجز عن أداء وظيفتهم الذكورية، من غير الانتباه الى أن السبب مرتبط بخلل صحي معين، وليس بالضرورة أن يكون العامل النفسي وراء ذلك، فاضطراب الدورة الدموية مثلاً واحد من صور العجز لأن الدم لا يصل بصورة طبيعية الى الجهاز التناسلي، هناك بالطبع أمراض أخرى تولد الشعور بالعجز كارتفاع الضغط أو انخفاضه وكذلك السكّر وأمراض الكلية والكبد والخراجات.. ومن هنا فإن إحساس الرجل بالخيبة والخوف الشديد من أن يكون (مريضاً جنسياً) ليس له ما يسوغه، وعليه الاطمئنان إلى أن مشكلته الحقيقية لا تكمن بالضرورة في المكان الذي يفكر فيه، وعليه منح الطبيب المعالج فرصة اتخاذ القرار بعد إلقاء نظرة على زوايا النفس والجسد، لأن الحالة في العادة بسيطة.. بل أبسط مما يظن.