من رسائل أيام زمان.. (قطمر و بدّوح) يتوّجان المكاتيب بين الناس
باسم عبد الحميد حمودي /
الى زمن قريب، كانت الرسائل البريدية بين الناس ينقلها موزع البريد ذو السدارة والبايسكل الى الدور والمحلات وهو يحملها في حقيبة جلدية حريصاً على إيصالها الى أصحابها.
نشكر موزع البريد
كانت الرسائل البريدية تحمل اسم المرسل وعنوانه واسم المرسل إليه مصحوبة بعبارات تقليدية مثل :
جناب الحاج الأجلّ
سعادة فلان بن فلان
مولانا الوجيه المبجّل فلان
ولابد هنا، وعلى ظرف الرسالة كتابة: نشكر موزع البريد –إضافة الى كلمة (بدّوح) وهو ملاك الرسائل الذي يقوم بحفظها وإيصالها بسلام الى المرسلة اليه.
مهمات أخرى لبدّوح
تحوي الويكبيديا ومراجع العم غوغل اليوم وكتب البحث الخاصة برسائل الأزمنة الخالية تفاصيل كثيرة في اشتغالات الملاك (بدّوح) وخصوصاً في أوراق السحر الأبيض, ويقول الشيخ محمد الروحاني إن كتابة كلمة بدّوح25 مرة على ورقة مخصوصة او ناصعة توثق المحبة بين الزوجين وتعيد المطلقة!
ويعتقد الترهيون أننا أذا غسلنا كف رجلينا بماء صاف صالح للشرب ونحن نردد كلة (بدّوح) أربع مرات فإن محبة الزوجة تعود!
ولا بد من القول هنا –أخي القارئ الكريم – إن هذا الكلام لاينطبق عليك ولا علي: لأننا نحظى بمحبة عظيمة من سيدات بيوتنا..مو تمام؟
قطمر في رسالة قديمة
تأتي كلمة (قطمر) بالعامية البغدادية بمعانٍ شتى منها التأكيد على سواد الشيء او تمامه، ولكني وجدت في رسالة موجهة من تاجر بغدادي الى زميله الكربلائي قوله:
“بمنّه تعالى
نحب بلوغه الى قصبت كربلاء ثم يمضي ويتشرف بمطالع جناب الأغر الأكرم والأفخم الأحشم الحاج محمد المحترم وصوله اليه بالخير والسعادة(قطمر قطمر 3-8624).”
وقطمر –بتعريف المعاجم – هي القشرة الرقيقة البيضاء بين النواة والتمرة, ونعتقد هنا أن (قطمر) تعني للمرسل دقة وصول الرسالة لصيانتها وحفظها مثل القطمر الذي بين التمرة والنواة.
وقد وجدت خلال بحثي هذا أن هناك نوعاً من النرجس في كردستان يسمى قطمر, والقطمر أيضاً نوع من أعشاب البحر!
نص لرسالة قديمة:
تعد لغة الرسائل القديمة بين الناس لغة طريفة في بابها عند مقارنتها بالرسائل الإلكترونية الرسمية اليوم ورسائل الفيسبوك الماسنجرية بين الأصدقاء والمعارف اليوم.
ومن نص ينقله الأستاذ مشكور الأسدي في مقالة له في العدد الاول من مجلة (التراث الشعبي) لعام 1963 عن الرسائل القديمة ينقل التالي من رسالة دوِّنت قبل أكثر من 150 سنة من تاجر بغدادي يدعى محمد علي البير الى تاجر كربلائي هو الحاج محمد الجلبي يقول فيها:
“وبعده فلباعث لتحريره هو انه أول السؤال عن أحوالكم الشريفة واعتدال أوقاتكم المنيفة التي هي غاية القصد والمراد من رب العباد وثانيا فأن تلطفتم عن حال داعيكم بنوع من السؤال فأنا نحمد الله تعالى على كل حال ولكم من الداعين في كل وقت وحين وقد وردنا الى بغداد بالصحة والسلامة من بعد فضل الله تعالى ومن بركات دعاء الاخوان وكثير مشتاقين غاية ونهاية نسئل الله ساعات العلا وانه كريم الرزاق.”
من حال وجه الذي
ويستكمل التاجر البير رسالته بقوله:
“من حال وجه الذي حولناكم على الحاج رسيل البزاز فإن قبضتموه فبها المراد وألى تأخذوه منه وتخبرونا بوصوله من كل لازم.”
وظاهر الأمر
ظاهر الأمر أن هذه الرسالة كتبت لتعلم التاجر الكربلائي بوصول التاجر البغدادي سالماً الى بغداد بعد زيارته الى كربلاء وأن ثمن البضاعة المرسلة لابد أن يقبضه الكربلائي من الحاج رسيل(ونظنه رسول) البزاز.
ورسائل اخرى وأزمنة تالية.
مئات الرسائل الأخرى التي تصل بواسطة الناس المسافرين من مدينة الى اخرى او بواسطة البريد تحمل من الطرائف والمصطلحات الغريبة عن عصرنا هذا ما يجعلها تجسد ثقافة وعصر زمن سابق له لغته وأسلوب حياته وتعاملاته واهتماماته, ولكل زمن رسائله وهمومه وأحلامه ومصطلحاته, وهنا لابد أن نشكر موزع البريد في كل عصر… سواء كان الماسنجر أو البريد الرسمي المدون أو الإلكتروني في زمننا هذا.