رواية (حياة كاملة)للأديب (روبرت زيتالر) تفتقد الكمال

1٬275

سامر أنور الشمالي /

رواية (حياة كاملة) المصنفة ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر الدولية لعام 2016 هي العمل الخامس للأديب (روبرت زيتالر) الذي ولد في النمسا عام 1966 وعاش في ألمانيا وكتب بلغتها.
-1-
تقدم هذه الرواية، التي حظيت بالكثير من الشهرة، سيرة بطلها (أندرياس إيجر) الابن غير الشرعي لامرأة أسلمته قبل قضاء نحبها إلى زوج الأخت الذي استغله كخادم دون أجر في المزرعة، ورغم ذلك كان يعامله بقسوة شديدة. فعندما أسقط دون قصد وعاء الفخار من يده ضربه ضرباً مبرحاً حتى انكسرت إحدى قدميه، ولم يحظ بالعلاج المناسب فظل يعرج طوال حياته: “رغم أن أندرياس إيجر كان يُعتبر شخصا ذا إعاقة، لكنه كان قوياً. كان يستطيع التصدي لمهامه، ويطالب بالقليل، وبالكاد يتكلم، ويتحمل حرارة الشمس في الحقول تماماً مثلما يتحمل البرد القارس في الغابة. كان يقبل أي عمل، وينجزه بأمانة وبلا تذمر. كان يجيد العمل بالمنجل مثلما يجيده بالمذراة، يقلب العشب المقصوص حديثاً، ويحمِّل عربات النقل بروث الحيوانات، ويعتل الحجارة وحزم التبن من الحقول. كان يدب مثل خنفساء فوق الأرض، ويصعد الجبل بين الصخور ملاحقاً الماشية التائهة. كان يعرف في أي اتجاه ينبغي تقطيع كل نوع من أنواع الخشب، كيف يوضع الإسفين، وكيف يبرد المنشار، وكيف تُجلخ البلطة.” ص28.
بعد بلوغ (إيجر) التاسعة والعشرين استأجر، بما جمعه من مال قليل، قطعة أرض رخيصة مهجورة ومليئة بالحجارة، فأصلح من شأنها وبنى فيها بيتاً صغيراً، واستقبل فيه عروسه الخادمة في فندق القرية، وكان الحب الذي جمعه بهذه المرأة يجعله يقوم بأفعال لم يكن يتخيل نفسه قادراً على القيام بها قبل ذلك: “خلال حياته لم يستطع إيجر أن يتذكر أنه حدث وتكلم كثيراً هكذا كما حصل حينها عند الزيارة الأولى لماري لأرضه. كانت الكلمات تتداعى منه هكذا ببساطة، وكان يستمع إليها مذهولاً، كيف تصطف خلف بعضها من تلقاء ذاتها تماماً ليخرج منها معنى، لم يكن يتضح حتى بالنسبة إليه إلا على نحو مفاجئ بعد أن يتلفظ بها” ص35.
أراد (إيجر) الحصول على المال ليوفر لزوجه حياة هانئة، فاقبل على العمل الشاق دون تذمر في شركة بناء التلفريك، وهناك عهد إليه بأعمال خطرة كزراعة الألغام في الصخور لتفجيرها. ولم يكن هذا البائس يشعر بخطورة ما يقوم به، أو ينتابه الخوف، فقد كان مستسلما لقدره، وراضياً بمعيشته البسيطة التي لا تخلو من مسرات قليلة: “قام بحفر حفر في الغرانيت، كان يزرع فيها مسامير تثبيت بطول ساعد من المفترض أن تتحمل لاحقاً سلَّماً معدنياً طويلاً لفنيي الصيانة. بإحساس سري بالفخر أخذ يفكر بالرجال الذين سيتسلقون في وقت ما هذا السلم، غير مدركين أنهم مدينون بحياتهم له وحده ولمهارته.” ص47.
الحياة الهادئة لا توهب للإنسان طوال العمر، ففي ليلة شتوية حدث في الجبال العالية انهيار ضخم، وغمرت الثلوج الثقيلة المنزل الخشبي حيث كانت زوج (إيجر) التي منحته أياماً قليلة من السرور قبل رحيلها المبكر: “تحت طبقة من مسحوق بعمق يصل حتى الركبة. كان الثلج قاسياً كما لو أنه رصف مدخله، تناثرت في كل مكان ألواح السقف الخشبية، والحجارة، والخشب المتكسر، استطاع أن يتعرف على الحلقة الحديدية لبرميل المطر الذي يملكه وقربها مباشرة إحدى فردتي حذائه. على موضع مرتفع قليلاً برزت من الأرض قطعة من المدخنة، تقدم إيجر بضع خطوات إلى حيث خمّن أن المدخل يقع تحته، سقط على ركبتيه وبدأ بحفر الأرض، ظل يحفر حتى أدميت يداه وصار لون الثلج تحته داكناً.” ص64.
لم يعد لدى (إيجر) ما يربطه بالحياة، ولم تكن لديه أية أفكار حول الصراع الناشب في الحرب العالمية الثانية، ورغم ذلك طلب الالتحاق بالجيش الألماني لأنه لم يجد ما يفعله، ورفض بسبب العمر والعرج، ولكن بعد أربع سنوات استدعي إلى الخدمة العسكرية، وأرسل إلى بلاد القوقاز لمحاربة الروس، وهناك وقع في الأسر، وقضى ثماني سنوات بعيدا عن وطنه قبل إطلاق سراحه: “تم جمع الأسرى في الساحة الأمامية للثكنات، حيث توجب عليهم أن يتجردوا من ملابسهم ويكدسوها فوق بعضها في كومة كبيرة تفوح منها رائحة نتنة. صُبَ البنزين فوق الكومة، وأضرمت النار بها، وبينما كان الرجال يحدقون في اللهب، بدا على وجوههم الخوف من إعدام فوري بالرصاص، أو مما هو أسوأ حتى من ذلك. لكن الروس أخذوا يضحكون، ويتحدثون بصخب جميعاً في آن واحد، وعندما أمسك أحدهم أسيراً من كتفه وضمه إليه، وقام مع هذا الشبح العاري النحيل برقصة ثنائية مضحكة حول النار، بدأ يتضح للأغلبية أن هذا الصباح كان صباح خير.” ص89.منحت البلدية (إيجر) حجرة خشبية خلف بناء المدرسة، ولكن التعويض الحكومي الممنوح للعائدين من الحرب غير كاف لمعيشة بسيطة، فعاد الرجل الشقي إلى العمل في الحقول وتنظيف الحظائر،على الرغم من بؤسه واتساخ ملابسه استرعى انتباه معلمة الأولاد لنظافة قلبه الطيب، فزارته في حجرته حيث لا يوجد مقعد صالح للجلوس: “عندما انطلق الجندول بهزة خفيفة وقف إيجر عند إحدى النوافذ. شعر بالمعلمة تقترب منه من الخلف وتنظر فوق كتفيه. فكر كيف أنه لم يغسل سترته منذ سنوات. على الأقل قام الأسبوع الماضي بتعليق سرواله في مياه النبع لنصف ساعة، ثم جففه في النهاية فوق صخرة مشمسة.” ص120.