جيل عراقي جديد ينتج أفلاما تنال الجوائز في العالم
د. كريم شغيدل/
كان العراق من أول الدول التي أنشأت دور عرض سينمائية في عشرينات القرن المنصرم، وفي الأربعينات جرت محاولات خجولة لإنتاج أفلام مشتركة مع شركات عربية وأجنبية، ولعل أول تجربة عراقية كانت فيلم (عليا وعصام) بإخراج الفرنسي أندريه شوتان، وبرغم التعثرات بلغ ما أنتجته السينما العراقية أكثر من (180) فيلماً، وكنا من أوائل المستوردين للأفلام العربية والأجنبية
وأصبح للسينما جمهورها، وبات ارتياد السينما جزءاً من تقاليد العائلة العراقية، وقد شكل بعض الأفلام العالمية المهمة ظاهرة ملفتة للنظر في عدد المشاهدين، وكان دور الساعة التاسعة ليلاً هو المفضل للعوائل، لا سيما ليلة الجمعة كسهرة ممتعة تنتهي عند منتصف الليل، ولقضاء عطلة نهاية الأسبوع، جرت العادة أن تقدم السينمات فيلماً مميزاً يسمى فيلم الساعة الواحدة، يرتاده الشباب بعد تناول الغداء في مطاعم الأكلات السريعة المحيطة بالصالات التي ينتعش المارة بهواء مكيفاتها المنبعث من بواباتها.
في التسعينات وكما هو معروف انحسرت الحياة الثقافية، فلم تعد هناك أفلام مستوردة، ولم تعد هناك صالات مكيفة، ولم تعد هناك عروض للعوائل، بل لم تعد العائلة العراقية معنية بشيء سوى لقمة العيش، وتدريجياً تحولت صالات العرض إلى مخازن للبضائع الاستهلاكية، وأغلقت غالبية دور السينما، وتلاشت شركات استيراد الأفلام، ولم تسنح الفرصة ثانية بعد سقوط النظام لاستعادة الحياة السينمائية، بل إن بعض دور العرض القديمة عد على أيام النظام المباد تراثاً لا يمكن المساس به، فلم تسمح دائرة السياحة آنذاك بتحويل سينما (الزوراء) على سبيل المثال إلى سوق تجاري، لكن الآن قد توقفت تلك القوانين الحامية للتراث الثقافي، فقد بيعت السينما وأخليت المحال التجارية المحيطة بها، وربما سيتم هدمها قريباً، بعد أن قام بشرائها أحد المتنفذين.
فقدت الثقافة الكثير من تقاليدها وبناها التحتية، وكنا نأمل أن تشهد حقبة ما بعد سقوط الدكتاتورية نهوضاً حقيقياً يرتقي بالمفاصل الثقافية الحيوية، لكن لم يعد بمقدورنا تعويض الأجيال عن الكثير من التقاليد الثقافية التي يمكن أن تسهم بالحد من موجات التطرف والعنف وترسيخ قيم الحب والجمال والتسامح، وبرغم انعدام دور العرض وضعف الإمكانات الإنتاجية، إلا أن جيلاً جديداً بدأ يتشكل وقد قدم موجة أفلام حظيت باهتمام بالغ في المهرجانات العربية والدولية ونالت عدة جوائز، وغالبيتها بجهود خاصة وبدعم من جهات أجنبية، بينما أهدرت وزارة الثقافة أموالاً طائلة، كانت تكفي لإنشاء مدينة سينمائية، على أفلام ضعيفة فنياً وفكرياً لم ترقَ لأبسط أسس المعالجة السينمائية.
السينما صناعة تحتاج إلى بنى إنتاجية (استديوهات) متكاملة ومهارات وكفاءات كما تحتاج إلى سوق، وقد آن الأوان للدولة أن تدعم فكرة إنشاء مدينة سينمائية توفر فرص إنتاج لمخرجينا الجدد، ولتكن بطريقة القطاع المختلط، لأن أصحاب رؤوس الأموال ليس بينهم من يجازف بماله من أجل السينما كما فعل بعض تجار أيام زمان.