الحسين (ع) نشيد الحرية الخالد

2٬162

 يوسف المحمداوي /

(موتٌ في عِزٍّ خَيرٌ مِن حَياةٍ في ذُلٍّ) هذه ترنيمة لسان الحق ضد منابر الباطل، وحين يصفه الشاعر محسن أبو الحب ويترجم مشاعر أبي الأحرار يوم الطف قائلاً:
(وبيوم قال لنفسه من بعد ما *** أدّى لها حقّ المعالي: بِيني
أعطيتُ ربي موثقاً لا ينقضي *** إلا بقتلي فاصعدي وذريني
إن كان دينُ محمدٍ لمْ يستقمْ *** إلا بقتلي يا سيوف خذيني)

يالها من تضحية لأجل رفعة مبادئ الدين التي تأسست من أجل الإنسانية والعدل ونبذ الطغيان ورسم ملامح الإنصاف في زمن الجور والبهتان، هاهو سيد شباب أهل الجنّة يدافع ويحمل روحه على راحته من أجل الرسالة السماوية التي جاء بها جدّه، ليجلس على كرسي الخلود بعد استشهاده الذي رسم مع أصحابه لوحة المجد والخلود التي ستبقى بمثابة السيف الذي تخشاه رقاب الفراعنة والجبابرة، وتثلج قلوب الفقراء والمظلومين بوجودها لما سنّته تلك الثورة العظيمة من قوانين تجحد الظلم والظالمين وتنصف المظلومين، ثورة الحسين جسّدت الحرية بأطرها المقدسة، الكرامة، العدل، المساواة، الفكر المتحرر من كل أشكال العبودية والمجون، فلا غلو إن قال فيه الغريب قبل القريب ما يشهد على عظمته وكرامته ومنزلته عند الخالق جلّ جلاله.
نجد الكاتب والأديب الآيرلندي جورج برنارد شو يعبّر عن إجلاله لشخص الإمام الحسين(ع) بالقول: “ما من رجل متنور إلا وعليه الوقوف وقفة إجلال واحترام لذلك الزعيم الفذ حفيد الإسلام، الذي وقف تلك الوقفة الشامخة أمام حفنة من الأقزام الذين روعوا واضطهدوا أبناء شعوبهم”.
ويتزاحم أدباء وفلاسفة الغرب في الكلمات التي تحاول أن تصل لمجد هذا القديس المتعالي على الحياة حيث يقول الشاعر والفيلسوف الألماني غوته: “إن ماساة الحسين هي مأساة للضمير الإنساني كله.. فالحسين جسّد الضمير بدفاعه عن القيم الإنسانية الرفيعة”.
المواطن العراقي صالح حسن جبر قال: واهم من يظن أن الإمام الحسين (ع) يمثل طائفة معينة فقط، لكونه جاء من أجل الإنسانية جمعاء، طالباً ومدافعاً عن كرامة وحرية الإنسان في زمن الجور والاستعباد، ومايبرهن على ذلك تميز ثورته وتفردها بين الثورات التي حدثت في تاريخنا السابق واللاحق، وتسيدها بطون الكتب التاريخية والأدبية الغربية والشرقية ، الإسلامية وغير الإسلامية.
الباحث الانكليزي جون آشر يبين في كتابه (رحلة الى العراق): “إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي”.
في كتابه (نهضة الدول العربية) يقول المستشرق الالماني يوليوس فنهاوز:”بالرغم من القضاء على ثورة الحسين عسكرياً، فإن لاستشهاده معنىً كبيراً في مثاليته”.
المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون موضحاً: “أخذ الحسين على عاتقه مصير الروح الإسلامية، وقتل في سبيل العدل بكربلاء”.
قال المستشرق الألماني ماربين: “قدّم الحسين للعالم درساً في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما، لقد أثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر أن الظلم والجور لادوام لهما، وأن صرح الظلم مهما بان راسخاً وهائلاً في الظاهر إلا أنه لايعدو أن يكون أمام الحق والحقيقة إلا كريشة في مهب الريح”.
الطالب الجامعي محمد علي عيدان بيّن لمجلة “الشبكة العراقية” : إن طقوس وشعائر ذكرى الطف تختلف من بلد الى آخر، والدليل على ذلك ما رأيته في سفرتي الى جمهورية مصر وزيارتي لمقام سيدنا الحسين (ع) في خان الخليلي وأثناء دخولي للصحن وجدت مجموعة من الرجال بالزي المصري اتخذوا ركناً من أركان المقام على شكل حلقة يسمونها (الزوية) يتبادلون فيها أناشيد ذكر الرسول وآل بيته ولاسيما مأثرة الإمام الحسين(ع) وهم يطلقون أصواتهم مع التصفيق : مدد يارسول الله …مدد يا أبا عبدالله، في حين بالجانب الآخر من المقام والمخصص للنساء كانت تعلو الزغايد التي أثارت دهشتي واستغرابي، كما يقول عيدان، مبيناً أن ما أزال دهشته واستغرابه هو صديقه محمود المصري الذي قال له: إن فرحنا بأيام محرم يعود لسببين أولهما هو انتصار الدم على السيف، والثاني هو أن الإمام الحسين (ع) بثورته واستشهاده نال من الله عز وجل مكانة لا ينالها الا الملائكة بعد أن اصبح (سيد شباب أهل الجنة)، وهذا ما يدفعهم للفرح بهذه المناسبة، حسب قول محمود.
الكثير من الأدباء والفلاسفة على مختلف أديانهم ومذاهبهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
ما أكده السيوطي في كتابه “تاريخ الخلفاء”: “يقول بعضهم إن الحسين شهيد الشيعة، وأقول انه شهيد الإنسانية”.
أما ابن خلدون فلا يرى شخصاً آخر غير الحسين (ع) مؤهلاً في تلك الحقبة الزمنية لإقامة العدل وقيادة الثورة ضد الحكم الظالم.
عميد الأدب العربي طه حسين يعتقد: “أنّ امتناع الحسين من البيعة ليزيد لم يكن عناداً أو ركوباً لرأسه، وإنما كان على علم أنّ يزيد سيأخذه بالبيعة أخذاً عنيفاً، فإن بايع غشّ نفسه وخان ضميره وخالف دينه؛ لأنه كان يرى بيعة يزيد إثماً”.
جورج جرداق ــ الشاعر المسيحي قال: “بينما جنّد يزيد الناس لقتل الحسين وإراقة الدماء، كانوا يقولون: كم تدفع لنا من المال؟ أما أنصار الحسين فكانوا يقولون لو أننا نقتل سبعين مرة، فإننا على استعداد لأن نقاتل بين يديك ونقتل مرة أخرى لنصرة الحق”.