
المدير العام د. علي كريم حسين الفتلاوي: مصرف الرافدين من التحوّل البنيوي إلى الريادة المصرفية المستدامة
في زمن تتبدل فيه الوظيفة المصرفية من كونها مجرد وسيط مالي إلى فاعل مركزي في هندسة الاقتصاد الكلي والحوكمة الاجتماعية، ينهض مصرف الرافدين، لا كمجرد مؤسسة مالية عريقة، بل كقاطرة سيادية لإعادة تعريف المشهد المصرفي العراقي عبر تكامل ثلاثي الأبعاد: التحول البنيوي الداخلي، التمكين المجتمعي، والاستشراف التكنولوجي للمستقبل المالي.
هذا ما ذكره المدير العام لمصرف الرافدين، الدكتور علي كريم حسين الفتلاوي. مضيفاً أن المصرف يعمل على:
أولاً: قيادة التحوّل – من مؤسسة إلى منظومة اقتصادية فاعلة
لقد كانت نقطة الانطلاق في هذا التحول إدراكنا بأن القوة الحقيقية للمصرف لا تُقاس بحجم موجوداته أو امتداد فروعه، بل بقدرته على إنتاج القيمة المضافة للمجتمع والاقتصاد الوطني. لذا، لم يكن مشروعنا تحديثًا إداريًا فحسب، بل كان أشبه بإعادة هندسة فلسفية لوظيفة المصرف كأداة لتوليد الثقة، وتحقيق التوازن بين الربحية والاستدامة.
1 – رأس المال البشري كأصل ستراتيجي
تأسيس “اقتصاد المعرفة المصرفي” يبدأ ببناء رأسمال بشري يمتلك كفاءات رقمية، تحليلية، وتكنولوجية. فتم اعتماد نموذج تدريبي متقدم، بالشراكة مع الجامعة الأميركية في بغداد، يعزز مهارات الموظفين في الحوكمة المصرفية، وتحليل المخاطر، والالتزام التنظيمي (Compliance)، والإدارة الستراتيجية للأصول والخصوم (ALM).
2 – النزاهة المالية والامتثال كأدوات للسيادة المصرفية
اعتمدنا أنظمة AML وGoAML، وفعّلنا شراكة مع K2، لنرتقي بقدرتنا على اكتشاف العمليات المالية غير المشروعة، ما جعلنا نموذجًا مصرفيًا متقدمًا بالمنطقة في مجال الامتثال للمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهو ما عزز ثقة المراسلين والمصارف الدولية.
3 – الشمول المالي كرافعة للاستقرار الاقتصادي
انخرط مصرف الرافدين في تكريس مفهوم “الديمقراطية المالية”، من خلال استهداف الشرائح المهمشة مصرفيًا، وربطهم بالنظام المالي الرسمي، عبر أدوات رقمية ذكية مثل بطاقة الادخار، والرواتب الإلكترونية، وتوسيع خدمات الـPOS، ما أسهم في إعادة تدوير السيولة داخل النظام المصرفي وتقليص الاقتصاد النقدي (Cash Economy).
-4 الرقمنة المصرفية – نحو البنية التحتية المالية الذكية
نحن في قلب تحول رقمي يتجاوز أتمتة الخدمات، إلى بناء نظام بيئي مالي رقمي (Digital Financial Ecosystem)، عبر:
* إطلاق أول شبكة صرافات ذكية (Smart ATM).
* تفعيل خدمات الدفع الآلي والتحويل اللحظي.
* تطوير واجهات الاستخدام البنكية الإلكترونية (UI/UX) لتجربة زبائن ذكية وسلسة.
* والأهم: التحضير لإطلاق “الفرع الرقمي” – نموذج مصرفي غير تقليدي، يعمل بدون فروع مادية، ويعتمد على الذكاء الاصطناعي في التفاعل مع الزبائن، ويوفر خدمات شاملة على مدار الساعة من خلال قنوات رقمية متكاملة. هذا المشروع يشكّل انعطافة في التموضع الستراتيجي للمصرف كمؤسسة رقمية على مستوى العراق والمنطقة.
-5 شراكات ستراتيجية دولية
عبر التحالف مع EY وK2 ومؤسسات أخرى، أنشأنا بنية حوكمة مرنة تتماهى مع المعايير الدولية مثل Basel III وIFRS، ما مكّن المصرف من خوض غمار الأسواق الدولية بثقة أكبر وشفافية أعلى.
-6 تحديث بيئة العمل – من البيروقراطية إلى الإنتاجية الذكية
جرى الانتقال إلى مقر إداري متكامل صُمّم لتعزيز الكفاءة التشغيلية، وإعادة تصميم العمليات الداخلية وفق مبدأ Lean Banking، مع اعتماد حلول إدارة الموارد المؤسسية (ERP) الحديثة لتقليل الهدر وتعظيم الكفاءة التشغيلية.
ثانيًا: الرافدين كفاعل اجتماعي – فلسفة الالتزام الأخلاقي في الاقتصاد
لا يمكن لأي مصرف يسعى للريادة أن يتجاهل مسؤوليته الأخلاقية والمجتمعية، فالمصرف الحديث لم يعد محايدًا، بل هو فاعل في تشكيل العدالة الاقتصادية والاجتماعية. لذلك، أطلق مصرف الرافدين مسارًا متوازيًا يرسخ دوره في التنمية المستدامة عبر المحاور التالية:
-1 دعم الاقتصاد الأخضر وتمويل التحول البيئي
باعتباره من أوائل المصارف في العراق التي تبنّت تمويل السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية، قدم المصرف برامج ائتمان بيئية (Green Credit Programs) بشروط مرنة، مدعومة بتوجيهات البنك المركزي، بما يخلق بنية تمويلية مستدامة تُقلل من الانبعاثات الكربونية وتعزز استقلالية الطاقة للمواطنين والشركات.
-2 تمويل ريادة الأعمال والاقتصاد الإنتاجي
أسهم المصرف في تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضمن مبادرة “ريادة”، عبر قروض منخفضة الفائدة ودراسات جدوى متخصصة، ما حفّز سوق العمل، وفعّل قنوات الإنتاج المحلي، وأسّس لنموذج “المصرف كحاضنة ابتكار مالي”.
-3 البحث العلمي وبناء الجيل المصرفي الجديد
أطلق المصرف شراكات مع الجامعات لرعاية المؤتمرات العلمية وتوفير البيانات للباحثين، إضافة إلى برامج تدريب مكثف للخريجين، ما جعل منه مختبرًا عمليًا لبناء الكفاءات المصرفية المستقبلية.
-4 إعادة تأهيل بغداد التاريخية – الاقتصاد الحضري كأداة تنمية
استثمر المصرف في مشاريع ترميم البنية التحتية الثقافية لشارع المتنبي والمناطق التراثية، إيمانًا بأن تنشيط “الاقتصاد الحضري الثقافي” هو جزء من الاستدامة الاقتصادية والمجتمعية في المدن.
الخاتمة: نحو نموذج مصرفي سيادي مستقبلي
مصرف الرافدين لم يعد مجرد مصرف، بل منظومة اقتصادية وبيئية رقمية، تعيد بناء العلاقة بين المال والمجتمع، بين التكنولوجيا والهوية، بين السيادة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.
نحن نؤمن أن المرحلة المقبلة تتطلب:
* إطلاق الفرع الرقمي كمنصة سيادية للتمويل الرقمي الشامل.
* التحول إلى نموذج Open Banking من خلال واجهات برمجية مفتوحة (APIs).
* إنشاء ذراع استثمارية مستقبلية تدعم الاقتصاد الوطني وتعمل على تحفيز الابتكار المالي وتمويل الصناعات الرقمية.
* تطوير مؤشرات أداء بيئية واجتماعية ومالية (ESG KPIs) تجعل من المصرف لاعبًا في قياس ومراقبة الاستدامة.
الرافدين ليس مصرفًا تقليديًا بعد اليوم. بل هو عقل مالي سيادي يعمل على توجيه المستقبل الاقتصادي للعراق.