قانون المرور الجديد بين الرفض والقبول

1٬618

آية منصور /

يبدو أن الوقت قد حان لتغيير طرقنا العشوائية، وترميمها بالقانون والنظام، فبعد سنين عدة، من الجري السريع بين الأزقة والشوارع، بدت واضحة ضرورة التمهل وإعطاء فرصة لشرطي المرور، حتى يكمل يومه، دون شجار، أو تدوين مخالفة مرورية
بتحضيرات استمرت أشهراً طوال، وبعد أن صوّت مجلس النواب في الخامس من أيار، على سن قانون المرور، استطاعت مديرية المرور العامة في العراق، تطبيق قانونها الجديد، رقم ٨ لعام ٢٠١٩ والذي طور قواعد عدة قد تغير الشارع العراقي جذرياً، بدءاً من الأول من أكتوبر.
غرامات دون هوادة!
النقاط التي وردت في قانون المرور، موزعة في خمسين بنداً، تتضمن فقراتها عقوبات مختلفة، منها الحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تزيد على مليون دينار لكل من آذى او سبب مشكلة مستديمة لأحدهم بسبب قيادته الخاطئة، والحبس بمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على مليون دينار لكل من قاد عجلته تحت تأثير الخمور او المخدرات، فضلاً عن عقوبة قد تصل الى السجن لكل من يعتدي على شرطي مرور، وغرامة ٢٠٠ ألف دينار لكل من لم يمتثل لإشارة رجل المرور أو الإشارة الضوئية ومن يقود مركبته بسرعة او عكس الاتجاه او بدون لوحة تسجيل او يضع ستائرَ أو زجاجاً مضللاً.
حملات مكثفة
‎ورغم محاولات “مجلة الشبكة” للتواصل مع عديد من الضباط المعنيين، إلا أننا لم نوفق في التواصل مع أحد سوى (الرائد فادي عماد)، وهو المسؤول الإعلامي لمديرية المرور، الذي استقبلنا وأجابنا بحفاوة وترحاب كبيرين، إذ أكد لمجلتنا، الاستعدادات الكبيرة لتطبيق القانون التي بدأت بعد نشر القانون في جريدة الوقائع العراقية الرسمية، فضلاً عن طبع عدد من الملصقات التوعوية والتعريفية بالقانون في شوارع العاصمة والمدن الأخرى، ويضيف:
– شملت حملتنا ايضاً، تقديم محاضرات توعوية وتثقيفية في جامعات العراق ومدارسه عن أهم المواد التي تناولها القانون، ولكننا قد نواجه بعض العراقيل في تطبيقه بصورة كلية.
تأثيث الطرق
يوضح الرائد فادي هذه العراقيل لنا، التي قد لا يتمكن المرور من تطبيقها بسبب عدم توفرها على أرض الواقع، ومنها كما أكد لنا “أثاث الطرق” وتتضمن العلامات والإشارات المرورية، التي تعد من اختصاص أمانة بغداد، ومجالس المحافظات، الإشارات التي انقطعت بعد ٢٠٠٣ تعاني صعوبات للعودة بشكل كلي، موضحاً:
– أعادت الأمانة بعض الإشارات، في التقاطعات المهمة، ومنها ١٦ إشارة لجانب الكرخ و٢٥ في جانب الرصافة، ولكن بصورة عامة معوقات عملنا التي تعرقله كلياً هي انقطاع الكهرباء أو نقص المواد الاحتياطية الخاصة بالمرور.
عبور الشارع بقانون افتراضي
ومن ضمن بنود القانون الجديد للمرور، هي الغرامة المالية والبالغة ٢٥ ألف دينار عراقي لكل شخص يعبر الشارع من جهة غير مخصصة للعبور والتي يرى الرائد فادي أنها لن تُطبق لعدم توفرها في الشارع العراقي، ويؤكد:
– تعد فقرة عبور المشاة، من طرق خاصة بهم، من أهم الفقرات التي لا نستطيع تطبيقها، إذ نصت المادتان ٢٦ و٢٧ من القانون على محاسبة كل من يعبر الشوارع من غير مناطق العبور، لكن تلك المناطق غير متوفرة في بغداد وقد ناشدنا أمانة بغداد لإعادتها، وإنشاء مجسرات للمشاة في مختلف المناطق، فضلاً عن تثقيف المواطن بهذه القوانين..
هل من منقذ للإشارات؟
ويوضح شرطي المرور (محمد كنعان) أن رجال المرور يعانون بشدة من تنظيم السير، نتيجة تهالك أغلب إشارات المرور، وحتى الصالحة منها لا تعمل على نحو سليم، إذ يضطر أغلبهم إلى الاعتماد على يديه وصافرته بسبب تباطؤ الإشارات في العمل.
ويقول الرائد فادي متحدثاً عن رؤية مديرية المرور العامة:
– قدمت مديريتنا أكثر من مقترح ومنها الإشارة الإلكترونية، التي تستطيع قياس المركبات الموجودة بصورة تلقائية فلا تسبب الزحام، إذ أن عمل الإشارات يسبب اليوم زحاماً فظيعاً في أوقات الدوام، لكثرة المركبات في بغداد، ويضيف: نعتزم نصب نظام “اليد الإلكترونية، الجويستك” وهو نظام يستطيع رجل المرور التحكم عبره بالإشارات يدوياً، فيقلل ذلك من الزحام. يُذكر أن عدد المركبات في بغداد أصبح اكثر من مليون و٩٠٠ ألف عجلة، في حين لا تحتمل مساحة المدينة، وحسب آخر تخطيط عمراني، أكثر من ٢٠٠ إلى ٤٠٠ ألف مركبة كحد أقصى.
أهلاً بالقوانين
ويرى السيد (محمد علوان- سائق أجرة، ٣٣ عاماً) أن هذا القانون سيقلل من تهور عدد ليس بالقليل من سائقي المركبات، وردعهم بقوة بغرامات قد تصل إلى نصف المليون دينار، ويضيف: نحن بطبيعتنا نخشى الغرامات، لأننا لا نحصل على المال بسهولة، خوف السائق من فقدان أمواله بلحظة سريعة، سيجنبه المخالفات كثيراً. ويؤكد علوان (لمجلة الشبكة) أن وضع الشارع العراقي أصبح لا يحتمل لكثرة الخروقات وأهمها ركن العجلات في الشوارع ما يسبب مشكلة إضافية جراء ضيق المكان.
أين الإسناد؟
وكانت مديرية المرور قد باشرت بوضع ستراتيجية خاصة لتطوير المرور، لكن ينقصها الدعم والمساندة، ولا سيما من هيئة الطرق والجسور، فضلاً عن أمانة بغداد، ومجالس المحافظات والذين يقع على عاتقهم جميعاً ترميم الطرق وتأهيلها فضلاً عن نشر العلامات المرورية في الشوارع التي تعاني نقصاً حاداً في العلامات الدالة، والأرضية مثل الإرشادات، اللوائح التحذيرية، وكل ما يخص أثاث الطريق.
قانون قديم في عصر حديث
القانون القديم انتهت صلاحيته، لكونه قانوناً مؤقتاً، وضعته سلطة الاتئلاف عام 2004، فأصبح وضع قوانين جديدة ملحاً وضرورياً، لكي تواكب التطور الذي حصل على مر هذه السنين، إذ كان القديم كثير الهفوات، وغير راصد للمخالفات، ليبدو وكأنه متخلف عما يجري اليوم في الشارع، فعلى سبيل المثال، كان يمنع منعاً باتاً فرض غرامة على مخالفة رصدت في فيديو، أو صورة فوتغرافية، وضابط المرور وحده بحاجة لأربعة أعين، ليرى بالعين المجردة المخالفة ويحرر مخالفة لها، كما لم يكن بالاستطاعة طلب رادار خاص برصد المخالفات، لعدم وجود هذه الفقرة أساساً في القانون القديم، الأمر الذي ألزمهم بسن قانون جديد، يستطيع احتواء الحداثة على الأمد البعيد.
لذا، فإن القانون يحتاج لتعاون من جميع الجهات، على الرغم من وجود التقشف ونقص الأموال والمعدات، ومن أهمها أجهزة قياس نسبة السكر والكحول في الدم، الذي لم يدخل العراق حتى اليوم، رغم تطبيق الفقرات الخاصة بهذا الشأن منذ زمن بعيد في مختلف دول العالم، إذ يعتمد العراق على إرسال الشخص المخمور للمشفى لقياس نسبة سكره، وإذا ما تعدت نسبة الكحول 20% سيحجز مع مركبته، ناهيك عن رادار قياس السرعة الذي لم يتوفر حتى اليوم.
خفِّف السرعة، لو سمحت
إضافة لذلك، فقد نص القانون الجديد على تحديد السرعة في بغداد والطرق الرئيسة، إذ تحددت لطريق قناة الجيش سرعة أقصاها 80 كيلومتراً، فيما اتخذ لطريق سريع محمد القاسم ثلاث سرعات مختلفة أقصاها 100 كيلومتر، و120 كيلومتراً للطرق الخارجية، في حين حُددت للطرق الداخلية والأزقة وشوارع المدارس سرعة 20 كيلومتراً فقط لا غير.
جيد ولكن..
المواطنة (مروة أحمد، ٢٨ عاماً) ترى أن للقانون المروري سلبيات وإيجابيات، إذ أن على المواطن اليوم احترام القانون الذي يطبقه خارج بلاده، لكن في الوقت نفسه على المديرية توفير الشوارع الملائمة والمساحات الكافية لتغطية هذا الكم من العجلات، وتبين قائلة:
– بسبب كثرة الزحام أفضّل أحياناً الذهاب إلى العمل بسيارة أجرة، وكان على أمانة العاصمة والمديرية معرفة التدابير اللازمة قبل انطلاق القانون. ولا تمانع مروة من دفع مبالغ مالية كبيرة اذا ما خرقت القوانين، وهذا هو المعمول به في شتى دول العالم لجعل الشارع أكثر نظاماً، تقول: – سافرت إلى دول عدة فوجدت النظام في الشوارع صارماً والغرامات أكثر بكثير، تخيلي في إحدى الدول هناك غرامة على من يرمي العلكة من السيارة. تخبرنا بذلك فيما تبتسم بحيرة، لتبحث عن سلة قمامة تلقي فيها علكتها.
لماذا تقف في الجانب الأيمن؟
(مجلة الشبكة) أشارت إلى ظاهرة من ظواهر الخلل في الشارع العراقي ألا وهي “وقوف المركبات عند الجانب الأيمن من التقاطعات والطرق”. أكد لنا الرائد فادي عماد أن هذه الحالة المنتشرة بكثرة عند أغلب السائقين، كانت سابقاً، شبه مهملة وغير موجودة في قانون المرور، إذ يكتفي “ضابط المرور” حصراً، بتوجيه السائق، ولم تكن له صلاحية فرض غرامة أو سحب رخصة القيادة، لكن في قانون المرور الجديد، عُدّ هذا التصرف مخالفة يُعاقب مرتكبها بغرامة مالية قدرها 100 ألف دينار عراقي، ويتابع بالقول:
– رصدنا بعد تطبيق القانون الكثير من المخالفات، لكن نحتاج اليوم إلى كثير من الحملات التثقيفية لسائقي المركبات، وذلك باستثمار برامجنا التلفزيونية او الإذاعية لنشر ذلك الوعي المروري.
نظام المشروع الوطني
وبحديثنا عن نظام المشروع الوطني، ومنه نظام تسجيل المركبات ومنح إجازات السوق ومعاملات المواطنين، النظام الذي وصل مراحل متقدمة في الإنجاز، وقريباً سيصل إلى نظام النافذة الواحدة، التي تمنح الفرد العراقي فرصة إنجاز معاملته المرورية بأقل من ساعة واحدة عن طريق الإنترنيت، إذ يملك كل مواطن رمزاً خاصاً به، يحوي معلوماته كافة، ويستطيع بهذا الرمز تقديم أوراقه وإتمام ما يحتاجه وهو في منزله، ويتبقى الجزء الأخير عند قدومه الى المديرية.
قياس السرعة.. في محافظتين فقط.
ويؤكد الرائد فادي مفاتحة مديرية المرور العامة الجهات المعنية، أكثر من مرة، من أجل توفير أدوات رادار قياس السرعة، الذي توفر في محافظتين فقط هما واسط وذي قار، إذ تعاون مجلسا المحافظتين مع شركات رصينة لإنشاء الرادار ونصبه عند مداخل المحافظتين، ويضيف:
– وضعنا إشارات ولافتات تؤكد وجود الرادار من أجل تحصين السائق وتجنيبه المخالفة، وتقليل سرعته، وأؤكد أن هاتين المحافظتين ستسجلان أقل نسبة مخالفات بسبب وجود الرادار، لذا فإن وجوده في باقي المحافظات، ضروري وملح للغاية.
عشر سنوات من العمل
يأمل نظام المشروع الوطني، التطوير المستمر لمواكبة التكنولوجيا المرورية ومن أهمها تسجيل المركبات التي تدخل المدن لأول مرة، لتسهيل دخولها في المرات التالية. هذه التكنولوجيا التي أنجز أكثر من 80% منها، ابتدأت سنة 2010، أي منذ تسع سنوات حتى يومنا هذا، إلا أن نظام المشروع الوطني مر بمراحل مختلفة عرقلت سير إتمامه بطريقة سلمية وسريعة، وإحدى هذه العقبات كانت وما زالت، اللوائح المرورية.
لوائح متأخرة ومركبات تنتظر
جواباً على سؤالنا عن الألواح المرورية، يؤكد لنا الرائد فادي أن صندوق شهداء الثورة، هو المسؤول الأول عن الشركة الألمانية التي تصنع الألواح، بعقد يتجدد كل مدة لعدد معين من المركبات، لكن التأخير الذي يحدث بإطلاق اللوائح يجبر المواطن على التذمر، ما يشكل فجوة بينه وبين المرور.
– نحن اليوم بصدد إنجاز مشروع يرتبط بالمشروع الوطني، وهو استيراد معمل كامل لإنتاج اللوحات المرورية في بغداد، وقمنا بتخصيص أرض جاهزة لهذا المعمل، وباشرنا الوصول الى لمراحل الأخيرة من مرحلة استيراد المعمل، وقتها لن نحتاج إلى التعاقد مع أية شركة، ولن نتأخر في إصدار اللوحات المرورية للمواطن.
مخالفة.. بالصوت والصورة
إضافة إلى هذا كله، وارتباطاً بالمشروع الوطني للمرور، تم اقتراح إنشاء منظومة لرصد المخالفات إلكترونياً، وبطريقة موحدة في جميع محافظات العراق، إذ ترسل المخالفة المصورة والموثقة إلى آرشيف المركبة، برسالة إلى هاتف السائق كذلك، تبلغه بالمخالفة ووقت حدوثها ومكانها، كما يمكن للسائق الحضور وتقديم اعتراض لاسترجاع الفيديو الموثق او الصورة ومشاهدته بنفسه.
دعوة للتخلص من الرشوة
وفيما يخص الرِّشا التي باتت اليوم كبيرة جداً نتيجة لعدم وجود القانون، يخبرنا الشرطي (سليم محمد)، أن اعتماد التكنولوجيا في مديرية المرور سيحد من ظاهرة الرشا بصورة كبيرة، وينهي الفساد بصورة متكاملة تقريباً، كما انتهى الفساد المالي في مواقع إنهاء إجازات السوق بعد أن اصبحت إلكترونية، ويوضح قائلاً:
– نأمل في إنجاز التجارب الأخرى بصورة إلكترونية لكي نحد من ظاهرة الرشا المتكررة لإنهاء المخالفات وغلق ملفاتها.
هل ستطبق جميع القوانين؟
فيما يوضح لنا (س. م، موظف في أمانة بغداد) أن العاصمة تعاني من مشكلة أساسية تصميمية، مقدرة باستيعاب ٢٠٠ ألف عجلة فقط، وبغداد بتصميمها لا تحتمل مليوني سيارة، كما يضيف:
– إضافة إلى سيارات بغداد، هنالك سيارات تأتي من جميع المحافظات لكونها المركز، ولنا أن نتخيل حجم الزخم الذي سيحدث، الذي لم تنتبه له الأمانة والمديرية العامة للمرور، الأمر الذي سيجعل بغداد لا تطاق بسبب الزحام.
الستوتة لا تستحق الطرد
كما يرى أن قانون منع استخدام “التكتك او الستوتات” في الشوارع العامة، قرار غير صائب ومجحف، وعلى المديرية استحداث أرقام خاصة لهم من أجل تمكينهم من النزول إلى الشارع، إذ أن كثيراً من العوائل تعتمد على هذه المركبات البسيطة في كسب أرزاقها، صحيح أن مظهر هذه المركبات أحدث جدلاً واسعاً بين الشارع العراقي لكن عوائل كثيرة تعتاش عليها، وأمر منعها سيشكل أزمة لهذه العوائل التي تعتمد عليها. ويتساءل بعض المواطنين عن تطبيق قانون منع استخدام الزجاج المظلل للمركبات، إذا أنه لن يُطبق على مركبات المسؤولين، بل على المواطنين البسطاء فقط! يقول بحرقة:
– مثلما منعوا الستوتات، عليهم منع تظليل سيارات المسؤولين لأنها أصبحت قانوناً، أمر غير شرعي. لكني غير متفائل بفعل هذا الشيء، القانون يطبق على الفقير فقط.
الدرّاجة.. مركبة قانونية بشرط
وفي قانون المرورعرفت الدراجة النارية على أنها واسطة نقل، ومنها المركبات البسيطة الأخرى كالستوتة والتكتك، وهي واسطة نقل مثلها مثل السيارة من ناحية التسجيل ومنح إجازة سوق والمخالفات والغرامات ومعترف بها، لكن بشروط عديدة، إذ يخبرنا الرائد فادي عن هذه الشروط التي أهمها دخول المركبات بأوراق كمركية سليمة وصريحة، وعلى سائقها مراجعة المديرية خلال 30 يوماً، للحصول على سنوية ورقم خاص بالدراجة، يقول:
– نحن نعامل أنواع المركبات الأخرى معاملة السيارات، وعلى أصحاب هذه الوسائط التعامل أيضاً بصورة جدية مع القوانين التي تفرض على مركباتهم، لكن ما يحصل هو أن معظم هذه الدراجات مخالفة للضوابط بصورة عامة، ومنها طرق دخولها، وهناك شبهات فساد كبيرة تحوم حولها لكون أغلب هذه المركبات هي دون الموديل المسموح بإدخاله إلى البلاد.