تظاهراتُ حقوقٍ شعارها السلام

1٬801

إياد عطية الخالدي /

الاحتجاجات التي شهدها العراق منذ مطلع شهر تشرين الفائت أحدثت انعطافة مهمة في تاريخ العراق السياسي، ورسمت خارطة جديدة لعراق لايشبه ماقبل عراق تشرين. وبينما صنع المتظاهرون السلميون صوراً رائعة ألهبت مشاعر الشعب وقواه الحيّة قبل أن تبارك المرجعية تظاهراتهم وتدعو الحكومة وأجهزة الأمن إلى حمايتهم، فإن جهاتٍ وأفراداً حاولوا تشويهها وتخريبها وحرفها عن أهدافها وإخراجها عن سلميتها ومظهرها الحضاري بهدف سحب التأييد الذي حظيت به على المستويين الوطني والشعبي.
المرجعية تحذر
وفيما أظهرت المرجعية الدينية دعماً واضحاً، انحاز لمطالب المتظاهرين العادلة، فإنها حذرت من مخرِّبين يحاولون إخراج هذه التظاهرات عن سلميتها، وفي آخر خطبة (حتى كتابة هذا الملف) كانت الناصرية حاضرة في خطبة المرجعية بعد المأساة التي أريقت فيها دماء المئات من المتظاهرين في تلك المدينة المضحِّية.
وقال السيد أحمد الصافي ممثّل المرجع الدينية: “تتابع المرجعية الدينية العليا ببالغ الأسى والأسف ‌أنباء الاصطدامات الأخيرة في عدد من المدن، ولا سيما الناصرية الجريحة والنجف الأشرف، وما جرى خلال ذلك من إراقة الكثير من الدماء الغالية والتعرض للعديد من الممتلكات بالحرق والتخريب. ”
وأضاف أن “المرجعية الدينية إذ تترحم على الشهداء الكرام وتواسي ذويهم وتدعو لهم بالصبر والسلوان وللجرحى بالشفاء العاجل تؤكد مرة أخرى على حرمة الاعتداء على المتظاهرين السلميين ومنعهم من ممارسة حقهم في المطالبة بالإصلاح، كما تؤكد على رعاية حرمة الأموال العامة والخاصة، وضرورة أن لا تترك عرضة لاعتداءات المندسين وأضرابهم، وعلى المتظاهرين السلميين أن يميّزوا صفوفهم عن غير السلميين ويتعاونوا في طرد المخربين ـ أياً كانوا ـ ولا يسمحوا لهم باستغلال التظاهرات السلمية للإضرار بممتلكات المواطنين والاعتداء على أصحابها”.
وأشار إلى أنه “بالنظر إلى الظروف العصيبة التي يمر بها البلد، وما بدا من عجز واضح في تعامل الجهات المعنية مع مستجدات الشهرين الأخيرين بما يحفظ الحقوق ويحقن الدماء، فإن مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة مدعوّ إلى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي انزلاقه إلى دوامة العنف والفوضى والخراب، كما أنه مدعوّ إلى الإسراع في إقرار حزمة التشريعات الانتخابية بما يكون مرضياً للشعب تمهيداً لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبِّر نتائجها بصدق عن إرادة الشعب العراقي، فإن التسويف والمماطلة في سلوك هذا المسار ـ الذي هو المدخل المناسب لتجاوز الأزمة الراهنة بطريقة سلمية وحضارية تحت سقف الدستور ـ سيكلف البلاد ثمناً باهظاً وسيندم عليه الجميع”.
وتابع أن “الأعداء وأدواتهم يخططون لتحقيق أهدافهم الخبيثة من نشر الفوضى والخراب والانجرار إلى الاقتتال الداخلي ومن ثَمّ اعادة البلد الى عصر الدكتاتورية المقيتة، فلا بد من أن يتعاون الجميع لتفويت الفرصة عليهم في ذلك”.

حرائق
من جانب آخر، قال مدير عام الدفاع المدني، اللواء كاظم بوهان، إن نحو 300 حريق اندلعت منذ انطلاق التظاهرات في ممتلكات تعود إلى الحكومة أو الأفراد، وفيما أشار إلى أن من قاموا بهذه الحرائق هم “ثلّة مشاغبين”، شدد على أن المقارنة جائرة بين من تسببوا بهذه الحرائق والمتظاهرين.

اعتداء على الموظفين
وأثار تعرض بعض منتسبي مستشفى الصدر التعليمي في محافظة النجف إلى اعتداءات من قبل عناصر تحمل السكاكين هاجموا الملاكات الطبية وأوقعوا عدة جرحى بينهم، في ظاهرة تعد الأولى منذ بداية الاحتجاجات في 1 من تشرين الأول ولحد الآن، فيما لم يعرف من تسبب بهذا الحادث.
وقال رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية قتيبة الجبوري، في بيان له، إنه “بكل أسف تم توثيق حالات اعتداء من قبل مجهولين على الكوادر الطبية في مستشفى الصدر في النجف بالإضافة إلى توثيق حالات أخرى في بقية المحافظات التي تشهد تظاهرات”.
مضيفاً “إننا إذ ندين هذه السلوكيات الإجرامية التي لاتمت بصلة لأخلاق العراقيين، نحذر هؤلاء المنفلتين من أن من يحاول المساس بالكوادر الطبية بأي شكل من الأشكال سنلاحقه قضائياً لينال جزاءه العادل وفق القانون “.
وطالب الجبوري خلال البيان حكومة تصريف الأعمال “بتوفير الحماية اللازمة للكوادر الطبية والصحية وكذلك حماية المؤسسات الصحية من العبث والتخريب لأنها تقدم خدمات إنسانية وتؤدي دورها المهني في معالجة المصابين والمرضى في هذه المحافظات”.
كما وحمّل الحكومة والأجهزة الأمنية “المسؤولية عن أي تهديد أو خرق أمني قد تتعرض له المستشفيات في المحافظات كافة “.

العشائر تعلن البراءة وتحمي المؤسسات
فيما أعلنت عشائر ذي قار، بعد حوادث حرق عدة لمؤسسات أمنية، عن دعمها للقوات الأمنية وإدارة سجن الناصرية المركزي لحماية السجن.
وأعرب وزير العدل فاروق أمين الشواني، في بيان لمكتبه، عن شكره وتقديره لـ “عشائر ذي قار لوقفتها البطولية المشرفة لدعمها ومساندتها إدارة سجن الناصرية المركزي والقوات الأمنية في تأمين حمايته دعماً للأمن المجتمعي”.
وأكد الوزير أن “العشائر العراقية الأصيلة أثبتت عبر التأريخ بمواقفها الوطنية عمق تلاحمها وتمسكها بتراب الوطن الغالي وسعيها لإنفاذ أحكام القضاء بحق النزلاء المحكومين ممن تسببوا بانتهاك القانون وحرمة الدم العراقي”.
بدوره، قال مدير سجن الناصرية المركزي، حسين ابنية، إن “شيوخ عشائر محافظة ذي قار وأبناءها توافدوا إلى سجن الناصرية المركزي وأعلنوا بمواقفهم وهتافاتهم دعمهم ومساندتهم للأجهزة الأمنية وإدارة السجن”، مشيراً إلى أن “أحد الهتافات تضمن مقولة: (الطارش كل لداعش ما ننطيكم سجن الحوت)”.
وكانت عشائر في ذ ي قار والنجف قد تدخلت لحماية مؤسسات الدولة وإبعاد المخربين والمندسين من التظاهرات ومنع أية مواجهات مع الأجهزة الأمنية.
وقد نجحت تلك المحاولات في تهدئة الأوضاع ووضع المظاهرات على سكَّتها السلمية بهدف تحقيق تطلعات المتظاهرين وتضحياتهم الجسام.

السنك والخلاني
وشكا تجار الشورجة والسنك والخلاني، التي تمثل شريان التجارة العراقية، من ازدياد نسة الحراق في الأسابيع الأخيرة، وقال حسام شاكر، الذي كان منهمكاً في إفراغ محله من البضائع ونقلها لجهة آمنة، إن “الحرائق كبدت التجار خسائرَ كبيرة وأرغمتهم على إغلاق محالهم ونقل بضائعهم بعد أن التهمت الحرائق في الأسبوعين الأخيرين عشرات العمارات والمخازن والمحال التجارية، فقد شهدت مناطق الخلاني والسنك والرشيد أكثر من 30 حريقاً خلال أسبوع واحد”.
وقال “إن تلك المناطق التي تمثل الشريان التجاري الكبير في العراق وطبيعتها من حيث المخزونات الهائلة فيها وتنوعها وقدم البناء أدت إلى اتساع الحرائق وعدم السيطرة عليها وحولت مئات العاملين إلى عاطلين عن العمل”.
وأشار المواطن محمود النجار إلى “أن مجموعات قليلة هي التي تزحف إلى الشورجة والرشيد لتمارس الحرق والتخريب ومواجهة القوات الأمنية التي تحاول حماية المؤسسات الحكومية، ولاسيما البنك المركزي والمصارف والعمارات والمحال التجارية، وهم من يطلقون قنابل المولوتوف ويحاولون تأزيم الموقف وإشعال الحرائق، وهذا الأمر مثّل خطراً كبيراً على الكثير من العمارات التجارية والمخازن وجميعها على الإطلاق هي أموال خاصة لمواطنين ذهبت هباء منثوراً”.

المنافذ الحدودية والمنشآت النفطية
وأدى اتساع رقعة الاحتجاجات إلى تعطيل وقطع الطرق في جنوب العراق، ولاسيما في البصرة، فقد جرى غلق منفذ سفوان البري الرابط بين دولة الكويت ومحافظة البصرة، وتعطل العمل لأيام متواصلة في ميناء أم قصر.
وجرى قطع طرق رئيسة مؤدية إلى موانئ وخور الزبير (صناعي) وأبو فلوس (مخصص لاستقبال البضائع العامة)، ومعمل الأسمدة ومرفأ الغاز السائل ومحطة الكهرباء الغازية.
وفي محافظة ميسان (شرق) تم قطع طرقاً مؤدية إلى الحقول النفطية، وإلى المنفذ الحدودي البري بين العراق وإيران.
وأخذت في الأيام الأخيرة منحىً جديداً عبر قطع الطرق الرئيسة المؤدية إلى عدد من حقول النفط والموانئ والمنافذ البرية.
وتقدر جهات حكومية أن استمرار إغلاق منشآت الطاقة والمنافذ والموانئ، يتسبب في خسائر مالية تقدر بالمليارات.
يقول محمد عدنان التميمي، وهو أستاذ في كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد، إن “الحكومة حاولت على مدى الأسابيع الماضية إبعاد التظاهرات عن حقول ومصافي النفط والمنافذ الحدودية، لكن بوصولهم إليها يمكن اعتبار أن رقعة التظاهرات توسعت وبنفس الوقت صار الضغط أكبر على الحكومة”.
يتابع التميمي أن العراق قد يتعرض إلى خسائر معنوية أكثر من المادية، فالجيش تحرك لفتح الطرق بالقوة، وحتى إن نجح، فإن الأثر الذي سيتركه في نفوس الشركات الغربية العاملة أو تلك التي تخطط للدخول في فرص استثمارية بالجنوب سيجعلها تتردد، وهو الحال نفسه بالنسبة لشركات غربية تستثمر في مجال الطاقة والإسكان.
فيما يوضح الخبير الاقتصادي خالد العضاض أن “تهديد المصالح النفطية وقطع الطرق عن موانئ العراق سوف يتسبب بخسائر كبيرة تتجاوز المليارات، ويؤخر وصول البضائع، وهذا وغيره يرفع الأسعار التي يدفع ثمنها المواطنون كافة والفقراء خاصة، ويعطل توفير فرص العمل ونمو الاقتصاد.

أجندات مشبوهة
من جهتها، اتهمت الصحفية زينب العطار أميركا وبعض دول المنطقة باستغلال التظاهرات العفوية السلمية ووظّفت خلاياها النائمة في الداخل والخارج لتنفذ تلك النظرية المشبوهة.. وبانت على السطح تلك الصفحات الصفراء المسمومة التي تعد بدقة وعناية من خارج الحدود فأخذت تدسّ السمّ بالعسل من خلال منشورات تثير سخط الشباب وتحرّض على العنف وتأجيج الأمور وتنقل حقائق لا تمتّ للحقيقة بشيء وتحرّض على القتل والحرق.
وأوضحت أن الشعب العراقي اليوم بات واعياً بما يكفي ليعرف هذه الغايات وأن الغالبية من أبناء الشعب، وحتى المتظاهرين أنفسهم، لم ينجرّوا لتلك الفتنة والحمد لله وذاك لأسباب..أولها انَّ الشباب هذه المرة كانوا أكثر وعياً وتفهماً لما يريدون، فهدفهم الأساس هو تعديل الدستور وإصلاح العملية السياسة، ولم تعد الطائفية من أهدافهم وأولوياتهم.