عوامل اجتماعية وأخرى نفسية وراء الكوابيس

1٬121

 غيداء البياتي  /

تتحدث سارة، ذات الأربعة عشر عاماً، كثيراً في نومها ليلاً حسب ما تقول والدتها، فهي قلقة أغلب ساعات النهار ولاسيما خلال أيام الدراسة وتضيف: “أن سارة في طبيعتها كثيرة الحرص على تأدية واجباتها سواء أكانت فنية أم بيتية أم مدرسية، فبمجرد أن يكلفها أحد ما بإنجاز عمل معين لا يهدأ لها بال حتى تنتهي من إنجازه، فهي تشعر براحة وسعادة كبيرتين في كل مرة تنجز فيها عملاً معيناً،لكنها في أيام الدراسة تكون أكثر قلقاً، لاسيما وهي في مرحلة الثالث المتوسط “البكالوريا”.
بكاء خلال النوم
أم سارة تقول: “إنها تتحدث في نومها عن مواد الدراسة، وقد تبكي أحياناً وهي نائمة، ذات يوم كان لديها امتحان في مادة الرياضيات وسمعتها خلال نومها تحل أحد التمارين الرياضية فترفع يدها وتكتب في الهواء تارة وتلهج بأرقام مختلفة تارة أخرى، وعندما تستيقظ تكون متوترة ومنزعجة حتى عودتها من المدرسة”.
كثيرة هي حالات الفزع والخوف والقلق التي تنعكس على أحلام فئات عمرية مختلفة من الشباب والمراهقين والأطفال خلال نومهم فتتحول إلى كوابيس تجعلهم يشعرون بالخوف والقلق من المستقبل.
أحلام مفزعة
د.طالب مهدي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام جعفر الصادق، قال: “إن الكوابيس تنتاب بصور معينة كافة الفئات العمرية سواء أكانوا أطفالاً أم شيوخاً أم شباناً ومراهقين ومن كلا الجنسين، هذه الأحلام المفزعة تأتي في المنام لأسباب عدة، منها المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يواجهها الإنسان في حياته العملية والعلمية والاجتماعية، كذلك بسبب عدم تنظيم أوقات النوم، وهنالك سبب مهم هو نوعية الطعام الذي يتناوله الشخص قبل نومه، ولاسيما إذا كان في ساعات متأخرة من الليل، فحركة الأمعاء والهضم تسبب بعض الإزعاجات تفرز على شكل صور لتجعل الانسان يستيقظ ليحرك أمعاءه أو يشرب الماء ليساعده على تصريف الطعام غير المهضوم.
ويضيف: “أن تشويش الوضع الاجتماعي العام له تأثير على نفسية الأفراد، فمثلاً ما يمر به العراق الآن من فوضى وانعدام الاستقرار في الحياة اليومية، فقد يرى الجميع الموت والقتل والظلم، وإطلاق العيارات النارية والعويل والصراخ والدماء كلها أمور تنعكس على ثقافة ونفسية الإنسان فتتراءى له عند المنام على شكل كوابيس تشوش الثقافة النفسية للفرد نفسه والتي غالباً ما تكون انفعالية ومستفزة سواء في اليقظة أو في المنام وأحياناً يفسرها الإنسان في نومه فتأتي على شكل كوابيس”.
رياض الأطفال
أما عن كيفية تجنب الأحلام المزعجة، فقد اقترح د. طالب على وزارة التربية أن تجعل الثقافة النفسية برنامجاً لمادة علمية تدرس في المدارس منذ المراحل الدراسية الأولى للأطفال، أي أن مادة علم النفس يجب أن تدرس في رياض الأطفال حسب عقول الصغار، إذ تكون بتدريب عملي عن طريق اللهو واللعب لتجعل منه إنساناً قادراً على تنظيم حياته وعلاقاته، ما ينعكس على انفعالاته عند النوم فيحلم بأحلام جيدة، كما أن التنظيم هو أساس الحياة السليمة، فعلى الأسرة الواحدة أن تنظم عملها وعلاقاتها وسياستها، وذلك بإعطاء وقت كاف للراحة، وهذا ما أمر به ديننا الإسلامي في قول الرسول “ص” “ولجسدك عليك حق” وهذا معناه أن ليس من حقك أن تتخم الجسد بالطعام حتى تعجز عن القيام، وليس من حقك ان تكسل الجسد بالقعود عن الحركة أو بالنوم بحجة الراحة”.
التلفاز والإنترنيت
المختصة في علم النفس التربوي يسرى رضا أوضحت : “أن للإنترنيت أثراً كبيراً في تخزين ذاكرة الأفراد كونه مفتوحاً ومتداولاً لدى جميع الفئات العمرية، إذ لا توجد حدود معينة تمنعهم من مشاهدة مقاطع لأفلام تحتوي على العنف مثل القتل والضرب المبرح والتعذيب وغيرها، ما يؤثر سلباً على نفسية الأفراد، وبالتالي فإنه يُخزن في اللا شعور وينفذ عن طريق الأحلام في الذاكرة فيشاهد الأشخاص الكوابيس المرعبة، فالإنسان لايظهر ردة فعل مباشرة على ما يشاهد فيخزن ما يراه نهاراً وتلقائياً تترجم ليلاً على شكل أحلام مخيفة عند النوم نتيجة ما خزنه الشخص في ذاكرته من مشاهد، وأن هنالك أنواعاً للذاكرة داخل دماغ الإنسان منها الطويلة المدى والقصيرة التي غالباً ما تخزن أحداث ومشاهد اليوم، فتظهر في الأحلام”.
التوعية الأسرية
هنالك عدة وسائل وقائية تجعل الأشخاص يتجنبون الكوابيس أثناء النوم، على ما تقول رضا، منها التوعية من جانب الأسرة وبالأخص الطفل إذ يكون تحت سيطرة الوالدين فعليهما متابعة ما يشاهدة الصغار على التلفاز أو الإنترنيت وإبعادهم عن مشاهدة الأفلام المرعبة وبعض المقاطع العنيفة، لأن الطفل يستمر في تذكر الأجواء المرعبة التي رآها فينام بقلق وخوف ويحلم بكوابيس، ولأنه يتمتع بذاكرة قوية قادرة على تسجيل تفاصيل الحلم بدقة فإنه يؤثر سلباً على نفسيته، لذا يجب على الوالدين إحاطة أولادهم بالحنان والعطف، أما بالنسبة للمراهقين فإن للأسرة دوراً كبيراً أيضاً في جعل الأولاد ينعمون بأحلام سعيدة خلال النوم عن طريق إعطائهم طاقة إيجابية وأملاً بغد أفضل من خلال التحدث إليهم عن مستقبل مشرق وحياة جميلة خاصة قبل أن يخلدوا للنوم”.