مغامرات رجالية فاشلة في المطبخ.. وشماتة نسائية صامتة

1٬831

#خليك_بالبيت

آمنة عبد النبي /

مناكفات وديّة طاحنة، ومنافسات كسر عظم لطيفة تعيشها العائلة العراقية المحجورة في كل أرجاء العالم تجنباً لوباء كورونا، طرفها الأول النسوة المتهمات بتحويل الرز إلى عجينة سيّاح..! وطرفها الآخر الشيف بوراك العراقي الذي صارت نسخهُ تتصدر صفحات السوشيال ميديا، صاحب العضلات المفتولة والزوج المستجد على اقتحام المطبخ للفوزِ ببطولة دور “ربّ البيت”.

مدوّنات وعضلات
خصّص لأصدقائهِ المحجورين حالياً داخل المطابخ ما يشبه الخط الساخن، إذ عنونَ صفحته الفيسبوكية الطريفة بهاشتاك #كل_يوم_معلومة، بدأها بنصائح “قلي الكبّة” وكيفية حمايتها من التفكك داخل مقلاة الطهي التي يتحول قاعها السابح بالزيت إلى بحيرة فحميّة!
(عباس الحسناوي)، أول مدون فيسبوكيّ طريف لمغامرات الرجال في المطبخ، تحدث لنا بابتسامة: كنت أنوي إبقاء الصفحة مغلقة، لكن الظرف حتّم عليّ الاستمرار بالتحديث لأنّ مهارات الرجال المساكين حالياً بالطبخ تشبه العضلات البالونية، فاليوتيوب هو المنقذ، لكن بصراحة أم البيت عندي لا تقصر في منحِ خبرتها سواء في إعداد أكلات المطبخ إذا ما طلبت مشورتها، أم على مستوى التنظيف بشكلٍ عام، لها نفس طيبة ودائمة التشجيع، وأعتقد أن الحجر المنزليّ بالنسبة لي لم يجعلني أشعر باختلاف كبير عن دوري الطبيعي، لأنني بصراحة كنت عنصراً فعالاً في مساعدتها بالشؤون المنزلية، وفي ما يخص الارتياح النفسي لوجودي المستمر، أعتقد بأنها سعادة غامرة للجميع، وفي الوقت ذاته هي تحمل شعوراً تآزرياً تجاه حريتنا المقيدة بأربع جدران لا تجاهي فقط.
د.وفاء ضياء، جاءنا رأيها من مدينة الضباب لندن، فهي ترى أن الرجل يعشق النقنقة كعينيه، ويتتبع بإلحاح أموراً منزليّة لا يفقه فيها شيئاً، تقول ضاحكة: أريحونا من حجره، أما ارتياح بعض النساء لوجوده الدائم فهو ليس أكثر من تأمين حركته وتصرفاته الدونجوانيّة! واقعيتها بالجواب كانت مسبوقة بابتسامتها المعهودة :
– نسخ الشيف بوراك تتصدر الصفحات الفيسبوكية، يا إلهي ماذا يحدث! إنها تعود للرجل الشرقي الذي بطبيعتهِ إذا بقي في البيت باختيارهِ، هو عامل سلبي وغير فعال، فكيف الحال إذا ما أُجبر على البقاء، لذلك تجدين مهاراتهِ بالطبخ مجرد تدخلات عبثيّة وعرض عضلات يريد بها المنافسة، أما حجر المرأة في العراق فأمر غير مستغرب، لأنها أساساً لا يمكنها الخروج بدون إذنه أصلاً وقيوده، وحتى هنا في الغرب العائلات المغتربة تجدينها تعيش النظام نفسه.

محميّات خاصة
“نساؤنا اللواتي يحوِّلن الرز إلى عجينة سيّاح، ينتظرن الزلّة على الرجل المغامر بدخول المطبخ لمجرد أن يثبتن له أنهن “منال العالم”، لذلك أنا أراقب بصمت”!
هذا ما بدأ به ضرغام جواد، العراقي المستجد على دخول المطبخ، حديثه، إذ يعدّ رهان الفوز في مطبخ الحجر عملية كسر عظم. مكملاً حديثه بحماس لطيف: الغريب بتلك العزلة أنه حتى الرجل الغربي صار يتعمد تصوير نفسه لإثبات الجدارة وبمقاطع فيديو، علماً بأنه يناصف المرأة هناك بكلِ جهد، لذلك اقترح على معاشر الرجال أن يسندوا بعضهم تجنباً لسخرية الشيف الشامت. وفيما يخص حجر المرأة العراقية بكورونا وبدونها، ذلك لأنها تقع عليها مسؤوليات البيت وهي متأقلمة بحسب طبيعة المجتمع وتربيتها، لذلك لم يشكل لها فارقاً، وبرأيي أن المرأة التي يستهلك عمل زوجها وقتاً طويلاً من اليوم أو أنه لا يحب المكوث في البيت كثيراً، فستواجه صعوبة عكس المتعودة على وجوده باستمرار..
لو جئنا إلى الرجل بالمفهوم العراقي من وجهة نظر نسويّة متحررة، نجده نتاج التربية الأنانية التي تقسم على أساسها الأدوار في البيت بطريقة ظالمة، لذلك يمكن أن نعدّ العزل تقييداً لحريته، في حين أن المرأة نشأت مُشبعة بعبارة “مكانك البيت”!
رويدا كمال، الصوت المقبل من كندا موطن أشجار القيقب، تقول: مع الفايروس التالي سأطالب الحكومات بتجهيز محميّات خاصة لعزل الرجال، الكركبة الشاملة التي تتركها العاصفة هو حال المطبخ اذا كُلّف الرجل بطهو الغداء، لذلك اكتفي بتكليفه بوجبة الفطور الصباحي، لأنها وجبة خفيفة ولا تستوجب قلب المطبخ رأساً على عقب، وحتى في التنظيف لا يمكن الاعتماد على الرجال بالتفاصيل الدقيقة كالتلميع مثلاً، وإنمّا لابأس من استخدامهم المكنسة الكهربائية أو غسل الصحون، حالة العزل تشمل العائلة غير أنّ دور المرأة هنا سيكون أكبر، وأعقد من ناحية امتصاص غضب أولادها ومللهم، وكذلك مراعاة الضغط النفسيّ المحرك لتصرفات الزوج. بالمحصلة جميعنا سنخرج من تلك الأزمة بقناعات وأحكام جديدة.

حقوق وأسرى
لم يعطنا أيه وصفة تعلمها سواء في سلق البيض أو قليِه مع شرائح الطماطم، مغتراً بالقول “أكتفي بإعطائك تلك الوصفة دليلاً على المهارة، كي لا أحرج الشيف بوراك بمهاراتي!”
محمد الدوسري، الصوت المحجور داخل تركيا، بثَّ شكواه لكل معاشر الرجال بطريقة الاستغاثة المحببّة: نحنُ أسرى، ويجب أن تراعي النساء فينا كل اتفاقيات حقوق الإنسان، يا إلهي يجب أن تتذكرن أننا مخلوقات طيبة كانت تخدم نفسها بنفسها، وكم كنا نساعدكنّ في أوقات الفراغ، وقفتنا المشرفة أمام الطباخ بلا ناصر ولا معين، سيدوِّنها التاريخ الكوروني، ولتتذكرن أننا كنا طوال اليوم خارج المنزل، وهذا ما يجب ألا تستهنّ به، مثلما نحنُ الرجال نُقدّر نمط حياة المرأة بالبقاء داخل البيت والصبر على تذمرنّا.
باسم مردان، صاحب الاحتجاج القادم من النرويج بلاد الثلج، يقول: إن ما أراه هو أنماط سلوكيّة صحيحة، أتمنى أن تبقى حتى بعد أن يغادرنا فايروس كورونا، لكن الحياة ليست كلها تعود لأزواج لطيفين متعاونين أمام شاشات السوشيال ميديا!
الحقيقة التي ربمّا تنطبق على كل دول العالم هي أن الظروف التي نمر بها هي ظروف تساعد على ازدياد حالات العنف الأسري بكل أنواعه، الشائع منها هو العنف ضد المرأة والطفل، والأقل شيوعاً منها، ولا سيما في مجتمعاتنا الشرقية، هو العنف ضد الرجل، لأنّ المتنفس الوحيد لمئات الألوف من النساء هناك هو خروج سجّانيهم من البيت للعمل، هذا الوقت المُقتطع هو متعتهن وحريتهنّ الوحيدة، علماً بأن هذا الضغط النفسي الهائل على الرجال والنساء والسكن في بيوت صغيرة وضيقة يحرم أفراد العائلة من أية خصوصية ويفرض عليهم احتكاكاً مباشراً على مدار الساعة.

النسخة الألكترونية من العدد 357

“أون لآين -2-”