هواجس الإنسان بين الفألِ والتطيُّر

571

#خليك_بالبيت

باسم عبد الحميد حمودي /

تعايش الإنسان منذ مئات السنين, بل قل الآلاف، وسط مجموعة متوارثة من المعتقدات الاجتماعية التي لاعلاقة لها بالأديان مباشرة، بل بتطور البيئة الاجتماعية وقبولها للسكون أو التغيير.
مجتمع السكون ومجتمع التغيير
والمجتمع السكوني – كما يطلق عليه علماء الاجتماع – هو المجتمع المحافظ على عاداته وتقاليده وأحلامه وأفكاره, ومن الصعوبة كسر هذه المسلَّمات وتغييرها.
ومجتمع التغيير هو المجتمع الذي يتقبل التجديد ويدعم التجارب الاجتماعية الجديدة في الملبس والمأكل وأصول التحرك الاجتماعي.
وإذا كان العالم اليوم يتقارب مع بعضه بفعل وجود أجهزة الاتصال المتطورة, وحصول الفرد المتعلِّم_ببساطة على جهاز اتصال يتيح له الاطلاع على ما يريد من أخبار وتطورات في المجتمعات الأخرى, فإن توصيف (السكون) لم يعد ملائماً للمجتمعات التي تمتلك وسائل الإعلام الحديثة, ولم يعد العالم مجتمعاً سكونياً تماماً.
عالمان
إننا نتحدث هنا عن المجتمعات المتقاربة بوجه عام, ولا أقول المجتمعات الحضارية المتشابهة, فالبيئات الغربية عموماً بيئات قابلة للتجديد وتقبُّل (الصرعات) الحديثة, والمجتمعات الشرقية- عدا القطاعات المتأثرة بالنمط الفكري الغربي – لاتزال تعاني صعوبة التجديد العارمة محاولة الحفاظ على قيمها الأساسية.
إننا هنا ينبغي أن نفصل بين هذين المجتمعين المتحضرين- ولكل واحد منهما شروطه البيئية والحضارية- وبين العالم الآخر..عالم البغمي والأيركوانتان المناليزي, ومجتمع القوارب القريب من جزيرة تسمانيا, ومجتمع الزولو الإفريقي المغلق, إضافة إلى المجتمعات الدينية الصغيرة في عموم القارات.. وغيرها. إنهما عالمان متباعدان، لكنهما يمتلكان شروط حيواتهما ومعتقداتهما وأفكارهما، ومنها ما يتعلق بالتفاؤل والتطيُّر.
حساب الأولاد
مثلما تخشى المرأة الريفية عندنا من احتساب عدد أولادها من قِبل الغير والتدقيق في الأعمار وسنوات الولادة، فإن قبيلتي (سولوكي وبانجالي) المتواجدتين في أعالي نهر الكونغو تخافان سؤالاً مثل هذا, فإذا سأل أحدهم (هناك) الفرد عن عدد الأولاد أجابه ببساطة: لست أدري!
لكن بعض الرجال والنساء في الكثير من تخوم العالم يتباهون بذكر الأسماء والأعداد والمهن لكل ولد.
وقد حرص النبي يعقوب على دخول أولاده الأحد عشر إلى مصر من أبواب متفرقة وهم يريدون الوصول إلى (يوسف ) أخيهم وعزيز مصر أيام القحط ذات السنوات السبع، كما يقول الذكر الحكيم، خشية الحسد.
حساب الحاصل وحساب كيس النقود
وكان من عادة فلاحينا ذوي البساتين ألا يحسبوا عدد أشجارهم المثمرة ونخيلهم خوفاً من حسد أنفسهم والآخرين لها, كما كان من عادة الكسَبة في بغداد قديماً، وفي سواها من المدن العراقية، ألا يحسبوا كيس نقودهم عند العودة إلى الدار إلاّ للضرورة ولا يسمحون لغيرهم بفعل ذلك.
اقرب لا ترد الفال
هذا العنوان الصغير(اقرب لا ترد الفال) مطلع أغنية، وهو مثل معروف, يقوله من جلس لتناول طعامه وزاره ضيف على غير موعد فيطلب منه مشاركته طعامه مقدراً فأله الحسن.
اللهم لا خير إلا خيرك
قديماً كانت العرب تسافر فرادى وجماعات, والمسافر يردد:
اللهم لا خير إلا خيرك
ولا طير إلا طيرك
ولا إله غيرك
وهم بهذا الدعاء الجميل يأملون الخير في هذه الرحلة, وينشدون حركة الطير الذي يتحرك في السماء لحظة التحرك, فإذا تحرك من اليمين كان ذلك السعد والخير, وإذا تحرك الطير من اليسار أبطل المسافر رحلته خوفاً.. وكل ذلك محض خرافة لا تستند إلى واقع.
عرضة أرنب
وكان المسافر بالسيارة أو على راحلة أخرى، في مدن وريف الجنوب العراقي, إذا ما صادف أثناء بدء سفرته أن قفز أمامه أرنب قال لنفسه (هذه عرضة أرنب) وقفل عائداً مشائماً, أما قفز غزال في طريقه فهو يسرُّ كثيراً ويدرك نجاح الرحلة.
واليوم، وقد قل عدد الأرانب في الطريق الريفي, وغاب الغزال أيضاً، فقد صار السفر لا يحتاج لتعطيل, لكن البعض من الشيوخ والكهول أمثالي يستخدم المسبحة لعمل الاستخارة قبل السفر.
ولكي لا أثقل عليكم وأبعدكم عن هذه الاستخارة، لن أذكر تفاصيلها على صعيد الفأل والتطيُّر وأدعوكم للقول عند السفر(توكلت على الله) وينتهي الأمر.
الماء والسفر
ومن مناقب السفر أن امرأة البيت، أو واحدة من بناتها، ترمي كمية من الماء في عتبة الدار خلف المسافر أو المغادر بعيداً.. استجلاباً للخير ودفعاً للشرور، مثل شر كورونا اللعين ومن أتى به إلى هذا العالم المتعَب… والعافية وياكم.

النسخة الألكترونية من العدد 363

“أون لآين -6-”