العراق.. كل هؤلاء
د. علي الشلاه شاعر بابلي /
أتيح لي أن أطلع على عدد من الكتب والروايات العراقية والمصرية التي صدرت خلال العامين الماضيين بفضل الوقت الذي أتاحته كورونا وتبعاتها، فوجدت أسئلة الهوية ذاتها تطرح في البلدين، وقد تتسع في موضوعة هنا فتتناول الدين كمعطى مؤسس في الهوية مثلاً، وتتسع في موضوعة أخرى هناك فتكون الموضوعة المذهبية هي المعطى النازف الأكثر حضوراً، لكن الارتباك ذاته يسود رؤى الكاتبات والكتاب.
من نحن؟
ولعل دول المنطقة ذات البعد الحضاري الموغل في القدم جميعاً تتساءل، وقد يتصارع بعضها على أسئلة الماضي، فهل العراق آشوري سومري، وهل مصر فرعونية، وما علاقة المسيحيين فيهما، وهل الآشوريون والسومريون والفراعنة هم أصل المسيحيين؟
والحقيقة أن لا أحد يستطيع ادعاء ذلك، لأن المسيحية تالية لحضارات المنطقة القديمة بثلاثة آلاف عام، أو ما يقاربها صعوداً أو نزولاً، وهم مثلهم مثل المسلمين الذين جاءوا بعدهم بسبعة قرون تقريباً وتوطنوا في المنطقة وأنشأوا دولهم وقبلها دولتهم الإمبراطورية بعاصمتها بغداد.. عاصمة الدنيا التي جمعت حضارات العالم القديم وفلسفاته وعلومه شرقاً، وشرقاً مع قليل من الغرب .
ولذا فإن سؤال الأقدمية والتأسيس متحول بتحول الأقوام والدول التي توالت، وإن الهوية الوطنية لدولنا ينبغي أن تستوعب هؤلاء جميعاً دون تفضيل ولا اضطهاد، فقد ولَّت الدولة العثمانية التي توجب على المسيحيين أن يتَنَحّوا إلى اليسار إذا ما صادفهم مسلم في الطريق، وإلا سيعلو عليهم الصراخ (أشمل) أو ترجّل، إذا كانوا راكبين.
إن الهوية الوطنية وطنية، وذلك يعني أن لا استثناء لأحد من وطنيتها ولا تخوين يبنى على الدين والمذهب والعنصر..
ولعل وجود المختلف الأقل عددياً مهم جداً لأنه يمنع الغالبية من الجموح والتطرف من شعورها بالوحدانية والتفوق .
العراق ومصر وسوريا ليسوا طوائف بل أوطان، والوطن باق وإن توارت سيماؤه أحياناً.