بين العِشرة والعَشرة.. الشارع العراقي بين مؤيد ومعارض لمبادرة مصرف الرشيد

1٬390

رجاء الشجيري /

بدءاً نقول إن ظاهرة التفكك الأسري عالمية، لكن الذي يهمنا هو الحالة في العراق، ففي الوقت الذي بدأنا نلمس فيه ظاهرة العنف والتفكك الأسري المبكي، تطل علينا ما وصفه البعض بـ(كوميديا) مبادرة مصرف الرشيد وسلفة العشرة ملايين للذي يتزوج مرة ثانية..
وإن كنّا هنا في الجانب الأخف الساخر من ردود الأفعال في الشارع العراقي ومواقع التواصل الاجتماعي، إذ تعب المواطن من الألم والمرارة والحزن، ليحوّل كل هذه المعاناة إلى مساحة مرح ونقد ساخر.. ملف مجلة “الشبكة” لهذا العدد عن آراء شخصيات وفئات مختلفة بشأن هذه المبادرة وما يقوله القانونيون، فضلا عن بيانات وزارة التخطيط بشأن نسبة الذكور إلى الاناث والمنظمات ذات الاختصاص، والمحصلة أنَّ الشارع العراقي يبدو بين مؤيد ومعارض للمبادرة.

من اقترح الفكرة رجل أم امرأة!؟
الإعلامية والشاعرة آمنة عبد العزيز وصفت المبادرة بالمزايدة، “رغم أنّي لا استوعب هذا المزاد الذي يفتتح بعشرة ملايين دينار والمزايدة على المرأة ووضعها في خانة الزوجة الثانية (الضرة) لتكون طعماً لعلاقة مصلحية مادية بحتة!
نعم العشرة ملايين التي بادر بها مصرف الرشيد كسلفة زواج للمرة الثانية تعلن فتح جبهات قتال! نعم جبهات قتال وسقوط ضحايا و(خراب بيوت)! فبدل من الفكرة الجهنمية التي تشجّع على الزواج بامرأة ثانية كان الأجدر أن تكون السلفة لتحسين الوضع المادي لأسر تحتاج لترميم نفسها أو تكون سلفة لشباب عاطلين عن العمل لفتح مشاريع من الممكن أن تسهم في بناء عائلة لا هدمها! وهنا اتساءل، من أين جاءت الفكرة؟ العشرة ملايين في حسابات المصرف هي حسابات رقمية مادية وفي حسابات المستفيدين منها كذلك”، وأضافت “كامرأة لا أجد في هذه العشرة ملايين إلا لعبة تحطيم الأسعار والمزايدة على المرأة التي لن يفوتها القطار بل ستكون ضحية دهس مع سبق الإصرار، ولو كان الأمر بيدي لمنحت عشرة ملايين للمرأة وهي تختار بإرادتها أن تتزوج برجل يلائم تطلعاتها ولا تتزوّج برجل متزوج بأخرى (يخرّب حياتها)، أن تختار حياتها برجل أو دونه. وأخيراً أسأل: من اقترح فكرة السلفة التزويجية أم العشرة ملايين؟ امرأة أم رجل؟ إذا كانت امرأة فهذه قضية بيّتت في غفلة حلم للحصول على رجل مؤقت لا دائم (لأنّ الطلاق سيكون حتمياً)، واذا كانت الفكرة لرجل فهذا الرجل المنقذ المؤقت للعنوسة !الحمد لله رب العالمين زوجي عمره 73 ولهذا اطمأن قلبي..”
حذر من المرور أمام الرشيد
الدكتور ستار عواد وهو أستاذ جامعي يعلّق أيضا: “ونحن نعيش أخباراً شبه يومية عن وجود حالات عنف أسري تصل للجريمة يأتي خبر مصرف الرشيد الخاص بمنح سلف للمتزوجين للمرة الثانية، وبطبيعة الحال أخذ العراقيون هذه القصة للتندر والضحك وربما اشتدت حالات الحذر لا سيما من الرجال الذين يفكّرون بالإقدام على الزواج الثاني. وهذا الخبر مكّن المرأة قوةً ومبرراً للعنف الحاصل هذه الايام ضد الازواج. حتى أخذ الناس بصياغة النكات والصور التي تعبّر عن الحذر من الزوجات، أو الخوف من المرور أمام فروع مصرف الرشيد، ميزة الشعب العراقي دائماً أنّه يحوّل المأساة إلى ملهاة وضحك ويعبّر عن امتعاضه ورفضه بالسخرية والكوميديا وهو نوع من أنواع الاعتراض، لا سيما مع وجود منصات التواصل التي سمحت لكل الناس بالتعبير عن رأيهم ووجهات نظرهم.”
هل هي ليست نكتة؟
بينما المدرسة عينة حمزة بدأت رأيها بتساؤل وهو هل هذه المبادرة معقولة؟ وأضافت “شخصيا وبصراحة اعتقدها حتى الآن (نكتة)، لأنَّها وضمن الظروف التي نمرّ بها لا يمكن أن تكون الا كذلك.”
الشاعر جاسم الخفاجي بدأ ساخراً بقوله: “في الوقت الذي يفكّر به البعض بأن يطلّق زوجته بسبب ضغوطات الحياة اليومية والفوضى التي نعيشها، هناك من يخرج علينا لنا بقفشات سوداء”. وأشار إلى (قفشة) مصرف الرشيد بقفشة وقال: إنّ “هناك من سيطرح مبادرته وهي أن يعطي للمصرف العشرة ملايين ويأخذون (العندي وتخلصوني من قفشاتكم”!
وأشارت الشاعرة حميدة العسكري إلى نقطة مهمة قائلة: إنّ “هناك زوجات لا سيما بعمر العشرينات يمارسن ضد أزواجهن عنفا كارثيا مع سلاطة لسان عجيبة، لذلك هؤلاء الرجال هم من سيدفعون الملايين للتخلص منهن.. ثم لنفرض أنّه تزوّج ثانية وأخذ السلفة فهنّ من سيتقاسمنها بينهما وسيخرج هو فارغ اليدين.”
وقال محمد أبو هاجر، سائق سيارة أجرة: ” كنت أبحث عن رزقي في الشارع عندما سمعت الخبر وعند العودة للبيت وجدت “جبار” وهي الصفة التي أطلقها على زوجتي واقفة بالباب وبيدها (كرك) ولكنّي سرعان ما تداركت الموقف وذكّرتها بأنّ القرض للموظفين حصرا وأنّي لست بموظف لأنجو والحمد لله.”
بينما أكد عامل البناء نصر سعود أنّه ليس متزوجا ولا ينوي الزواج بسلف ولا غيرها، ولكنّه أبدى قلقه الشديد على خاله الذي حدّثه قبل دقائق عن نيته بإبلاغ زوجته الاولى بهذا الموضوع وهو للآن مفقود وموبايله مغلق!
ورحبت الدكتورة هند زهير بالمبادرة وقالت: “هذا رزق، وما بها العشرة ملايين؟ لا بأس أريد أن أكمل بها واجهة بيتي والله وحده يعلم ماذا سيحدث بعدها”..
الحياة السعيدة
اذا كان الرجل سعيداً مع زوجته واولاده ويعيشون حياة هادئة هانئة حتى وان كانت “على قد الحال” فلا اعتقد انه سوف يفرط بهذه الحياة حتى وان كانت “السلفة” مئة مليون وليس عشرة ملايين، هذا رأي ابو احمد وشاطرته ام احمد الرأي، ويزيد ابو احمد: اما اذا كان الرجل ليس سعيداً مع اسرته عموما وليس فقط مع زوجته فانه سوف يتزوج بثانية وثالثة ورابعة هرباً وليس بطراً ومن دون “عشرة الرشيد” حتى لو كان يقاسي شظف العيش.
ويكمل ابو احمد: لم نسمع اعتراضاً على تعدد الزوجات الان او سابقاً وسيبقى الى ما شاء الله والضجة التي صاحبت “مبادرة” مصرف الرشيد باعتقادي هي في طريقة طرحها فالمصرف ليس لديه دائرة اعلامية مهنية تقوم بدراسة المبادرة وعرضها بطريقة يتقبلها المجتمع دون “التشكيك” بنوايا المصرف ودوافعه وتحفظ كرامة المرأة كنصف المجتمع الثاني و”الحلو”، وكان الاجدى بمسؤولي مصرف الرشيد (ولأن تحسين حياة المرأة) هدفه طرح “المبادرة” على الارامل والمطلقات الراغبات بأنشاء مشروع خاص بهن لإعالة انفسن واولادهن او الراغبات بالزواج وتكوين عائلة والاستمتاع باهم عاطفة عند المرأة وهي عاطفة الامومة دون “زج” الرجل بـ”مبادرتهم”، وبذلك يتضح قصدهم من مشروعهم اولاً ويكفون رأس الرجل من ادوات المطبخ ثانياً.
المشكلة
الناشطة النسوية عواطف رشيد التي تتمتّع بعلاقات مع العديد من منظمات المجتمع المدني التي تعمل بمجال الأسرة، قالت: “اذا بحثنا عن أسباب المشاكل المجتمعية سنجد أن ما تسمّى بظاهرة العنوسة هي الأقل تأثيرا.” وأضافت أنَّها خلال عملها مع الزوجات خاصة؛ اكتشفت أن أهم الاسباب هي الوضع المادي وأحيانا حتى إن كان الزوج موظفاً، فليس الجميع يملكون بيتا، فالإيجار يقصم ظهر الدخل الشهري حتى لو كانت الزوجة موظفة أيضا والسبب الآخر هو عدم الإحساس بالأمان حتى إن كان الوضع الأمني في تحسّن، فالقلق الذي يسكن الجميع يؤدي إلى ضغط نفسي الذي يتطوّر إلى مشاكل يومية، حادة أحيانا وهناك سبب مهم آخر وهو النسبة الكبيرة للزيادة السكانية غير المنطقية قياسا إلى ظروف العراق ومصاعب الحياة اليومية وطبعا لم تنس الإشارة إلى المخدرات وتأثيراتها السلبية العديدة، سواء على صعيد الأسرة أو المجتمع.
وأضافت “استنادا إلى دراسات وأبحاث علمية فإن ١١٪ من الأسر العراقية تعيلها امرأة، هذه قضية لا بدّ من العمل على مواجهتها أيضا.” وفي رأيها كناشطة نسوية سبق لها أن عملت على أبحاث عديدة للمنظمات العراقية والدولية، فإنّ المطلوب من الجهات المختصة تقليل نسبة الفقر وتصغير الفجوة بين شرائح المجتمع والاهتمام بالجانبين التربوي والصحي وتطبيق القوانين الخاصة والعمل على تمرير قانون الحد من العنف الأسري والضرب بيد من حديد على مهرّبي المخدرات وإرسال إشارات صريحة وضرورية لتحسين الوضع الأمني وأن نأخذ كل جهة لها علاقة بالاسرة إن كانت حكومية أو منظمات مجتمع مدني وضع الأسرة في العراق على محمل الجد عمليا وليس تصريحات وورش عمل وندوات فقط وطبعا العمل على تحديد النسل مهم جدّا. واختتمت بالقول: “يجب إعطاء التنمية الاقتصادية – الاجتماعية أولوية على برامج الدولة.”
نافذة قانونية
بعد عملية الاستهجان والسخرية من قرض مصرف الرشيد التي انتشرت، جاء رد مصرف الرشيد غامضا مموّها نوعا ما دون تحديد دقيق، إذ بيّنت المتحدثة باسمه، آمال الشويلي “ليس لدينا حقّ قانوني كمصرف بمنع أو تشجيع الزواج الثاني، وننظر للجانب الانساني والاجتماعي لهذه الشريحة، ضمن الحدود القانونية، هذه السلفة للرجال والنساء مخصّصة لأولئك الذين لديهم ظروف خاصة تضطرهم للزواج مرة أخرى” وهذا ما جاء في بيان مجلس إدارة المصرف الذي وافق على إضافة تعديل إلى تعليمات تنفيذ القرار لاحقا، تضمّنت شمول الراغبين بالزواج للمرة الثانية بالسلفة، وللظروف الخاصّة (وفاة أو طلاق أو ظرف آخر) على أن لا يكون أفاد من هذه السلفة سابقا في زواجه الأول. هذا الظرف الآخر ما هو؟.. الحقيقة الرد والبيان ليس فيه أي توضيح حاسم..
القانوني طارق صبّار حسن كانت له وجهة نظر تشجّع هذه المبادرة وقال: مع أن الجميع كان مع جانبها السلبي والضجّة بشأنها الا أنَّني أشجّعها في حالة الموظفين والموظفات المطلقين أو الأرامل.. إذ ستوفّر لهم فرصة للزواج مرة أخرى وتسهم في بنائهم وليس تهديمهم.. ما الضرر في هذا الجانب للطرفين؟
وهذا ما أكدته خنساء محمد الشمري، دكتوراه فلسفة في القانون العام من كلية الحقوق جامعة النهرين، وقالت: تعدّ المبادرة التي أطلقها مصرف الرشيد في إطار منح سلف الزواج بصرف النظر عن أي شروط خطوة مهمة لمواجهة العديد من المشاكل المجتمعية التي ظهرت للساحة في الآونة الأخيرة ومنها تزايد حالات الطلاق بالإضافة إلى الأعداد المتزايدة من الوفيات بسبب ظروف جائحة كورونا.. هو أمر سيجعل الزواج الثاني أمرا ميسورا لشريحة كبيرة من الشباب الموظفين الذين مروا بتجارب مريرة ومنهكة ماديا على صعيد الزواج الأول بسبب الطلاق وآثاره النفسية أو بسبب وفاة الزوجة الأولى، وأضافت: ومما لا يفوتنا القول بأن الشارع العراقي قد تلقف المبادرة بين مؤيد ومعارض، إذ يفسّرها البعض بأنَّها خطوة مشجعة لظاهرة تعدد الزوجات وتبسيطا وتسهيلا لأعباء وتكاليف الزواج الثاني، بيد أنّنا يجب أن نفكّر مليا بالآثار الإيجابية لهذه المبادرة ودورها في الحد من ظواهر سلبية قد تعصف بفئة الشباب غير القادر على بدء حياة جديدة بعد تجربة الزواج الأول وعلى الصعيدين المادي والمعنوي.
بينما كانت القانونية تقى محمد بالضدّ تماما من هذه المبادرة: لست مع هذه المبادرة لأنَّها ببساطة تشجّع على ظاهرة عنف جديدة تجاه النساء والأسرة، والزواج الثاني هنا أراه عنفا اجتماعيا ونفسيا ضمن ظرفنا الحالي، فهو قرار غير مدروس وتضيف: نحن في الوقت الذي نطالب بتشريع ودعم قوانين تحمي من ظاهرة العنف الأسري المنتشر ضد النساء والأسرة تأتينا هذه المبادرة غير الموفقة…
وأخيرا، نسبة الذكور
أشار إحصاء ١٩٧٧ الذي تعدّه الأمم المتحدة أفضل إحصاء علمي وفني في العراق إلى أنّ نسبة الذكور في العراق أعلى من الإناث، ويبدو أنَّ هذه النسبة استمرت الأعلى وإن أحيانا، برقم أصغر.. وفي إعلان للجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط، في أواخر سنة ٢٠١٨، أشار إلى أنّ عدد سكان العراق تجاوز الـ 38 مليون نسمة وأن “نسبة الذكور 51% من مجموع السكان، ونسبة الاناث 49 % “.