المدارس الأساسية حل سحري للتربية المستدامة
علي غني /
قادتني المصادفة إلى زيارة إحدى المدارس الأساسية في بغداد، فوجدت فيها نظاماً تربوياً لم أصدق كيف غفل عنه التربويون، ولم يجرِ إعمامه على مدارس العراق كافة، وهو المطبق منذ سنوات الثمانينيات. فالنظام في هذه المدارس يبدأ من الصف الأول الابتدائي إلى الصف التاسع (الثالث المتوسط)، أي أن دوام التلاميذ والطلبة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة يكون في بناية واحدة..
أتعجب لماذا نتعب أنفسنا في (دوخة) القبول والبحث عن مدرسة متوسطة لأبنائنا، ولدينا (المدارس الأساسية) ونحن نعلم أن اغلب المناطق، ولاسيما في الريف تخلو من المدارس (المتوسطة)، ولماذا غابت هذه الفكرة عن الوزارة؟!
تجربة فريدة
مديرة مدرسة (الزهراوي الأساسية) التابعة للمديرية العامة لتربية الكرخ الثانية، أحلام أموري السلطاني، هي المديرة التي قصدتها لقبول إحدى التلميذات في الصف الأول الابتدائي، لكن الدهشة عقدت لساني عندما أخبرتني عن أن المتقدمين للقبول في الصف الأول في مدرستها تجاوز الـ (٢٠٠) تلميذة، لذا اضطررت لأن أسألها: ولماذا مدرستك بالذات، على الرغم من وجود مدرستين مجاورتين لها؟ فأجابتني بكلام مسند بواقع علمي: نظام المدارس الأساسية هو نظام عالمي، يشمل المراحل كافة، أي من الأول الابتدائي إلى الصف التاسع (وهو ما نسميه الثالث المتوسط)، أي أن الطفل يعيش في المستوى الدراسي نفسه، أي أنه يعيش في بيئة مدرسية مستقرة من الصف الأول إلى الصف التاسع من دون أن يحتاج إلى البحث عن متوسطة وبيئة تربوية جديدة يُضطر للتكيف عليها.
وتابعت: لدينا ملاك تدريسي من أصحاب الخبرة، سواء أكان هذا في المرحلة الابتدائية أم في المتوسطة، كما أن البناية الواحدة تتيح لإدارة المدرسة استغلال جميع الفعاليات التربوية بنحو أمثل، وتبقى المدرسة نظيفة لعدم وجود مدرسة مزدوجة معها.
تضيف السلطاني: بودي أن أقترح على وزارة التربية أن تضع خطة تطويرية خاصة لمثل هذه المدارس (الأساسية) والتأكيد على لجان الأبنية المدرسية الخاصة في الوزارة، ولاسيما التي تتعاقد على بناء المدارس مع الشركات العالمية أو المحلية، أن يحظى البناء الجديد (للمدارس الأساسية) بتصاميم جديدة.
شعور بالأمان
مديرة مدرسة (عراق الصمود الأساسية)، نهلة منسي فرج، أيدت هذا الكلام بشدة، وأضافت: أُسست مدرستنا في عام ١٩٨٧، وهي من المدارس الأساسية القديمة، وميزة التعليم هنا في تمكين المعلمة من أن تدرّس جميع المراحل، وهذا يعني أن مدارسنا تخلو من الشاغر، كما أن شخصية التلميذة تُصقل أثناء السنوات التسع، لذلك نحن نعد تلميذات وطالبات يملكن معلومات وحلولاً لمشاكلهن الشخصية والتربوية.
وأردفت: إن مدارسنا لا تقبل التلاميذ أو الطلبة من المدارس الأخرى، كما أن تلميذاتنا يشعرن بالأمان لوجود أخواتهنّ في المدرسة نفسها، فهذا يوفر الاطمئنان لأولياء الأمور.
لكن الست نهلة أشرت بعض العيوب التي يمكن معالجتها في هذه التجربة، فقد أجرت دراسة على هذا النوع من التعليم؛ منها النقص الكبير في المعلومات عن تجربة التعليم الأساسي، كما نعاني من عدم فهم بعض موظفات التربية لهذا التعليم، ولاسيما في مجال جداول الحصص، فهم يطالبوننا بجدولين (الابتدائي والمتوسط) في حين أننا مدرسة واحدة، كذلك قلة الدورات الخاصة بالتعليم الأساسي، وعدم الاطلاع على التقنيات الجديدة المستخدمة فيه.
لكنها عادت للحديث لتقترح علينا إمكانية فتح مثل هذه المدارس في الريف، ولاسيما مدارس البنين، لأن أغلب المدارس في هذا التعليم للبنات.
تعليم متكامل
زينة نجم، وابتسام عواد، معلمتان جامعيتان من مدرسة (عراق الصمود الأساسية)، تحدثت زينة قائلة: توجد في المدرسة أقسام مهنية لتعليم الطالبات فنون النجارة والصناعة، ففي هذه المدارس يمكن للطالبات أن يمتلكن مهارات تنمي عندهن الجانب المهني، ليتمكنّ مستقبلاً من استخدام هذه المهارات في البيت أو حتى في العمل الحر، كما أنها تحتوي على مختبرات متقدمة وقاعات للنشاطات الثقافية والفنية، وهذه الميزات لا تتوافر في أغلب المدارس الابتدائية والمتوسطة (التي تعتمد على النظام المنفرد أو المزدوج).
وأضافت ابتسام معلومات مهمة عن النظام في التعليم الأساسي، فهنا يمكن للمرحلة الابتدائية أن تشترك والمرحلة المتوسطة في الفعاليات التربوية والعلمية، فالمختبرات مشتركة للمرحلتين، كما يحافظ الطالب على مستواه العلمي لأنه ينعم بملاك تربوي مستقر.
تُردف: إن الطالب هنا لن تداهمه أعراض المراهقة مبكراً، لأن المرحلة الابتدائية عالقة في ذهنه، ولن يتغير عليه الجو المدرسي.
تميز في الأداء
معاون المدير العام للإشراف التربوي في وزارة التربية، الأستاذ حسين هندي حسين، كان من المؤيدين لإعمام تجربة هذه المدارس، إذ يصفها بأنها: من أهم المدارس التي أنتجت العديد من الطلبة ضمن مخرجات الوزارة، وبمستويات جيدة، كما تعد هذه المدارس سوق العمل الرئيس لمخرجات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لكليات التربية الأساسية في العراق، إذ يُعيّن الخريجون كافة في هذه المدارس، كما أنها تعمل بنظام خاص بها ومعتمد محلياً وعالمياً يتضمن الوصول إلى الصف التاسع (الثالث المتوسط)، وهي موجودة في جميع المديريات العامة للتربية وللجنسين.
يضيف هندي: لقد أثبتت هذه المدارس تميز أدائها، فضلاً عن كونها إحدى القنوات التي أسهمت في سد العجز الحاصل في التخصصات للمدرسين في المناطق الريفية والبعيدة التي لا يمكن إنشاء أبنية مدرسية فيها في الوقت الحاضر، كما أسهمت هذه المدارس بنحو خاص في دعم المدارس الأهلية، لأنها أتاحت للمستثمرين أن يستثمروا في التعليم من المرحلة الابتدائية إلى مراحل متقدمة.
في الختام أشار هندي إلى أن الوزارة وضعت خطة مستقبلية لتطوير هذه التجربة وتعزيزها بإدخال الهيئات التعليمية والتدريسية في دورات متقدمة لتحديث معلوماتهم بكل ما هو جديد في هذه المدارس، وقد بينت التجارب أن هذه المدارس تحتل المركز الثالث (من المستويات الأربعة) على وفق معايير الجودة التي اعتمدتها وزارة التربية.