بعد تلاشيه من أغلب المدارس فرع الفنون يعود بقوة من بوابة إعدادية المنصور للبنين

1٬399

ثريا جواد – آية منصور- تصوير: كرم الاعسم /

تجربة جديدة وجميلة طُبِّقت العام الماضي في بغداد وهي استحداث فرع للفنون في المدارس الاعدادية إضافة للفرعين الأدبي والعلمي بفرعيه (الاحيائي والتطبيقي) وتم اختيار إعدادية المنصور للبنين في جانب الكرخ لتطبيق هذه التجربة البناءة والفريدة من نوعها.
تأريخ عريق
يقول الاستاذ قصي عبد القادر عبد اللطيف الزبيدي مدير المدرسة: اختيار مدرسة إعدادية المنصور للبنين لم يكن اعتباطاً، فهي من المدارس العريقة ولها مكانة اجتماعية متميزة في البلد، تأسَّست في العام 1967 وكانت حينها مدرسة أهلية ومن ثم تحوّلت إلى حكومية، ومنذ أن تسلمتها في العام 2013 نعمل معا وكل الهيئة التدريسية على توفير كل ما يحتاجه الطالب وهذه المدرسة خرّجت الكثير من الشخصيات المهمة التي ساهمت في بناء البلد منذ تأسيسها ولحد الآن.
– استحداث فرع الفنون في العام الماضي 2020/2021 حقق نجاحاً باهراً وفاق كل التوقعات وذلك بسبب المتابعة الحثيثة من قبل الكادر التدريسي ووزارة التربية متمثلة بالسيد فلاح القيسي/ وكيل وزير ومدير عام تربية الكرخ الاولى واهتمامهم بهذا الفرع الجديد وتوفير كل الكوادر الفنية المختصة.
– يقبل الطالب المتقدم لفرع الفنون بعد تخرجه من الدراسة المتوسطة وفق شروط القبول المعمول به والالتزام بالزي الموحد والواجبات والتحضير والفعاليات الفنية ونحن بصدد الاستعداد لمهرجان كبير وفعاليات أخرى لتقديم إنجازاته في القريب العاجل وأضاف الزبيدي: تصدرت مدرستنا (إعدادية المنصور للبنين) بمعدلاتها العالية في المجموعات الطبية في العام 2018/ 2019 نحو 147 طالباً وهذا رقم لا يستهان به، أي قبل الحجر الصحي ووباء كورونا الذي اجتاح العالم.
– يقبل الطالب بعد تخرجه من فرع الفنون في مدرستنا في كل الكليات الادبية ومنها كلية الفنون الجميلة والتربية الرياضية والكلية العسكرية والاعلام والعلوم السياسية والتربية الرياضية والاداب وغيرها.
استحداث تجريبي
استحداث فرع الفنون في إعدادية المنصور للبنين هو (تجريبي) وفيما لو نجح سيعمم في كل المدارس، هذا ما ذكرته الست ضفاف عبد الجبار مسؤولة الفرع خريجة كلية الفنون الجميلة/ قسم التربية الفنية، إذ قالت: فرع الفنون هو تجربة جديدة طبِّقت في العام الماضي ومدة الدراسة فيه ثلاث سنوات بعد التخرج من الدراسة المتوسطة ويدرس الطالب فيه أربعة دروس أساسية وهي اللغة العربية والانجليزية والرياضيات والتربية الاسلامية، بالإضافة إلى دروس الفنون وتضم التربية الفنية والجمالية والخط العربي والزخرفة وتاريخ حضارة والتربية الفنية وكلّها في الصف الرابع الاعدادي وتضاف اليها دروس التحليل والنقد وعناصر فن وتاريخ الفن الإسلامي إضافة إلى الرياضة في الصف الخامس الاعدادي وجميع مناهج الفنون هي جديدة وكتبت في العام الماضي.
وأضافت عبد الجبار: الدراسة في فرع الفنون هي دروس أساسية وليست اختصاصاً واحداً، أي (فنون عام) وهو مشابه تقريباً للفرع الأدبي وفي امتحانات البكالوريا هناك أسئلة خاصّة به وضعت من قبل لجنة خاصّة معنية بالفنون.
شروط التقديم
تشكّلت لجنة للاختبارات والمقابلات للطلاب مؤلّفة مني ود.إحسان دعدوش المشرف على الفرع والاستاذ احمد صباح/ اختصاص تشكيلي نحت وجميعنا باختصاصات مختلفة الواحد عن الآخر، وكانت أسئلتنا متنوعة ما بين الالوان والفنون والمسرح والبداية كانت بقلم الرصاص (ظل وضوء) وكيفية التعامل معه لأنَّه الأساس ومن ثم يبدأ الطالب بالتعلم والتطور واستخدام التلوين لأنَّه من غير المعقول أن أطلب من الطالب المتخرج حديثاً من الدراسة المتوسطة أن يرسم لي موديلاً على سبيل المثال، لهذا كانت الاختبارات مبسطة جدّاً وهدفنا بالأساس هو تطوير إمكانيات الطلاب والأخذ بيدهم.
الكرخ والرصافة
استحدث فرع واحد للفنون في مدارس البنات والبنين في جانبي الكرخ والرصافة، ففي الكرخ الاولى 2 والثانية 2 والثالثة 2 أي أصبح موجوداً تقريباً في كل مديرية باستثناء المحافظات وفي العام الماضي كان العديد من الطلاب يجهلون وجود فرع للفنون في المدارس الاعدادية، لهذا عملت الكثير من الاعلانات (ممولة) والدعايات وفي السوشيال ميديا وكانت النتائج إيجابية ومفرحة وفي العام الماضي كان عدد الطلاب لا يتجاوز 29 ولكنه وصل إلى 140 من مجموع 250 طالباً في هذه السنة وتم تقسيمهم من 8 إلى 10 شعب ويحتوي الصف الواحد من 12-15 طالباً وتوزيعهم حسب الايام والدوام ليوم واحد في الاسبوع وتكملة بقية الاسبوع (اونلاين) بسبب أجواء كورونا وضرورة التباعد الاجتماعي ومن الجدير بالذكر أن فرع الفنون يختلف تماماً عن معهد الفنون الجميلة التي تكون الدراسة فيه لمدة خمس سنوات.
مناهج جديدة
السؤال هو كيف يتم تعامل الطلاب مع المناهج الجديدة؟
أشارت الست ضفاف: كان درس التربية الفنية في السابق مهملاً وغير مهم وعدّ درساً غير أساسي ولكن اختلف الأمر الآن فهناك مناهج ومحاضرات وقنوات في التليغرام لغرض تلخيصها، وتصوير الفيديوات لتسهيلها على الطلبة باستثناء تاريخ الفن الاسلامي، وفي مدرستنا توجد قاعتان على وشك الانتهاء منها وتصليحها؛ واحدة للموسيقى والثانية للرسم وجميعها بجهود فردية من قبل بعض الطلاب الذين ساهموا بشكل كبير في اتمام هذه القاعات بالتعاون مع المدرسين، لتكون جاهزة للرسم على جدرانها بالإضافة إلى وجود مسرح كبير يسع لنحو 350 متفرجاً.
التصوير والموسيقى
هناك العديد من الافكار البناءة لتطوير فرع الفنون ومنها اقتراحي إلى وزارة التربية بإدخال مادتي التصوير والموسيقى، فالكثير من الطلاب لمست فيهم حبهم وموهبتهم في التصوير وإبداعهم فيه إضافة إلى الموسيقى (غذاء الروح) وبالفعل المدرسة لديها مدرس معني بالموسيقى من معهد الفنون الجميلة للعزف على آلة البيانو التي تشبه إلى حد كبير آلة الاورك وهو من الدروس العملية التي ليس فيها منهج وليس إلزامياً، أي نظري.
مهرجان سنوي
كما ذكرت سابقاً فرع الفنون افتتح في العام الماضي وفي النية إقامة مهرجان سنوي للاحتفال بأول دفعة من الطلاب الموهوبين في المدرسة التي هي عبارة عن لوحة جميلة تغازل جدرانها الألوان التي تبث روح الأمل والتفاؤل.
التدريس أصبح غير روتيني
بينما يؤكد المحاضر المجاني، وأستاذ الفنون ضياء عقيل أنَّ تدريسه السابق في المدارس الاعتيادية، كان روتينيا وليس ضمن اختصاصه، وذلك لكونها لا تدعم الفنون، ولا تحترم هذا الدرس المهم جداً، إذ يخبرنا قائلا: -كنت أشعر بالاحباط، حينما يتم زج درس الفنية في الحصص الاخيرة، ثم مطالبتي بأخذ حصتي الوحيدة من قبل أساتذة المناهج الأخرى، كما كان لالغاء مادة الفنية في عهد كورونا والتعليم الالكتروني أثر حزين في نفسي، حتى حضرت إلى هنا فشعرت بقيمة هذا الدرس.
النشاطات لا تتوقف
وكان لاستدعاء السيدة ضفاف، للأستاذ عقيل، وتقديمه درس الفنية، سببا كبيرا لتحفيزه، ومحاولته صنع العديد من الفعاليات والنشاطات للطلبة بشكل مستمر رغم أنَّي استطيع الدوام ليومين فقط في الاسبوع، الا أني أحضر وبشكل يومي، وحتى السبت، من أجل التحضير لصفوف الطلبة، لكوني أقوم بتدريس جميع المراحل.
فعاليات العطلة
وفي حديثه، عن أهم الأنشطة التي يقدمها الاستاذ عقيل مع طلابه، يخبرنا متحدثا:
-صنعت لهم فعالية اختيارية، كل يوم سبت، وهي فعالية عملية تساعدهم أكثر في حب موادهم، كما أقوم بتدريسهم المسرح، ولدينا عمل مسرحي من تقديم الطلبة وإعدادي، كما وتمكّنا من صنع فيلمين من تمثيل الطلبة عرضا في مواقع التواصل الاجتماعي ولاقى استحسان واشادة الكثير من المشاهدين بما تصنع إعدادية الفنون، كما ونعمل اليوم على إعداد ورش تدريبية لفرز كلّ ذي موهبة باختصاص يفيده.
شعر ومسرح وحب
ومن النشاطات الاخرى التي يعملها الاستاذ ضياء مع طلبته، هي محاضرات لإلقاء الشعر والقصائد، والتمرين على الالقاء، وتعليم الكتابة، إذ وبحسب رؤية الاستاذ ضياء، أنَّ الطلبة قد يكونون غير متوفقين في دراستهم النظرية، لكن ميولهم الفنية وحرصهم الفني، سينقذهم بالتأكيد لأنَّ الغاية الأساسية هي استخراج خلاصة فنية من الطلبة الموهوبين.
آفاق
ويروي لنا الاستاذ ضياء، الذي يحضر بشكل يومي حتى في العطل الرسمية، وعلى حسابه الخاص، شعوره الكبير بقيمة درسه، وبقيمته كفنان، إذ توسَّعت آفاقه الفنية حتى أنَّه أصبح لا يفكّر بتثبيته كمدرس يطمح لتوثيق خدمته، أكثر من حماسه المستمر لتعليم الطلبة الفن النبيل، فيكمل قائلا:
-قبل دخولي إعدادية الفنون، كنت أقوم بتدريس الطلبة بشكل عشوائي، من دون منهج، جل ما أقدّمه لهم، هو رسم الشمس والنخلة، لكنني اليوم أقدّم الرتبية الجمالية، لثلاث مراحل، وبدروس يملكها الذوق الفني.
130 فناناً بالفطرة
ويدّرس الاستاذ ضياء أكثر من 130 طالباً، وهم كما يؤكد، بغالبية موهوبة بالفطرة، ومحبين لعملهم ولدراستهم كثيرا، وأملك اليوم فنانين مهيئين لدخول مجال الفن بفروعه، وهذا أمر رائع، إذ كان الفن محصورا بمعهد الفنون الجميلة، او أكاديمية الفنون، وهذا الشيء، يجبر أحيانا العوائل على فرض الإعدادية لأولادها، بوصفها “تابو” لا يمكن تركه، فيحرمهم متعة اكتشاف مواهبهم.
ومن الفروع التي من المقرر استحداثها، هو فرع الموسيقى، إذ يتمّ التعاون على إدخال الآلات، وتدريب الطلبة على الموسيقى، التي بالتأكيد، ستضيف للمعهد، بهجة ورونقا مدهشا كما يقول ضياء.
عشق الفن
الطالب عبد الحليم، الذي يحضر بشكل مستمر، من قضاء أبو غريب، من أجل حلمه بدراسة الفن، يؤكد: كان يتمنّى وبشدّة دراسة الفنون بأي شكل من الأشكال، فقرّر من أجل إرضاء والده الذي يريد له أن يصبح محاميا، دخول الإعدادية ومن ثم دخول أكاديمية الفنون الجميلة، حتى صادفه منشور في الفيسبوك، يحث الطلبة على التقديم لإعدادية الفنون، كان الموضوع في بادئ الامر صعبا على والدي، رغم معرفته الشديدة بحبي للرسم والخط، ولقدرتي الممتازة على الرسم بجميع أنواع الألوان، لكن تشجيع أمي التي تريدني أن أصبح فنانا، جعل والدي يوافق على مضض، حتى شاهد حماسي وكم الحب الذي اتلقاه فأصبح فخورا بي وسعيدا!
ويمارس عبد الحليم مهنة الرسم والخط، ويطمح كذلك لدراسة آلة الكمان عند استحداث فرع الموسيقى، ويطمح لدخول أكاديمية الفنون بعد تخرجه.