ميريل ستريب استعادة ألق الماضي
مقداد عبد الرضا /
لماذا ظلت وستظل تتلكأ الدراما المحلية؟ من هو المسؤول عن هذا التراجع العجيب؟ نحن قلنا وسنظل نقول, إن تاريخ هذه البلاد، قريباً كان أم بعيداً، يحمل في طياته الكثير من التعرجات والمنبسطات التي تؤكد حضوره الواضح عربيا. من هو السؤول عن هذا التلكؤ؟ الإنتاج ؟ الفلوس والخوف عليها من البعثرة؟ عدم القدرة على التوزيع؟ عدم الرغبة في استقبال العمل المحلي عربياً؟ عدم احترام البعض من أهل الأيادي الطولى في تاريخ هذه البلاد؟ هذه ألغاز بحق وتحتاج الى فك.
تعتبر ميرل ستريب واحدة من اكثر المتربعات على عرش جوائز الأوسكار, لقد تعدت العشرين ترشيحا فازت بثلاثة منها, واحد عن دور مساعد واثنان بالدور الرئيس, تليها الممثلة الكبيرة كاثرين هيبورن التي ترشحت 12 مرة وفازت بأربعة كلها (دور رئيس), ثم تأتي بيتي ديفز التي ترشحت لثماني مرات وفازت باثنتين.
بعد أن انتهت ميرل ستريب من تجسيد دورها في فيلم (جوليا) مع المخرج فريد زنمان و(منهاتن) مع المخرج وودي ألن, تم ترشيحها للعمل في واحد من اهم الافلام التي صورت الحرب وبشاعتها, (صائد الغزلان) 1978 للمخرج مايكل كيمينو. يعتبر هذا الفيلم رداً على فيلم كبولا (القيامة الآن). صائد الغزلان حكاية ثلاث شباب اصلهم من اوروبا الشرقية يعملون في معمل للحديد, تاخذهم الحرب في فيتنام الى أتون الموت والنهايات المريرة, القصة كان قد كتبها الالماني (اريد ماريا ريمارك) عام 1936 تحت عنوان (ثلاثة رفاق), ترجمت وطبعت كثيرا الى اللغة العربية, هذا الفيلم وضع ميرل ستريب على بوابة النجاح وأهّلها لان تعود الى المسرح الذي تخرجت منه إذ قدمت في العام 1975 مسرحية Trelawny of the wells وبعدها بعام واحد اى في العام 1976 قدمت مسرحية,27 wagon full of cotton ثم اشتركت في مسرحية تحمل عنوان (اليس). هذا الحضور الطاغي جعل من المخرج الإنكليزي كارل رايز يتخلى في البحث عن ممثلة تجيد اللكنة الانكليزية حينما جاءته ستريب وأقنعته بأنها تجيد التحدث باللكنة الإنكليزية فكان دورها الرائع في فيلم (امراة الضابط الفرنسي) في العام 1981 الذي رشحها لجائزة اوسكار افضل ممثلة دور رئيس، لكن الجائزة ذهبت الى الممثلة كاثرين هيبورن لتفوز وللمرة الثالثة بالجائزة عن دورها في فيلم (البحيرة الذهبية). في فيلم (زوجة الضابط الفرنسي) هناك مشهد الافتتاح: البحر ورذاذه المتطاير وعباءة الزوجة المحلقة وهي تسير باتجاه البحر, مشهد رائع , لو اننا ابدلنا المخرج رايز بمخرج عربي في هذا المشهد المصمم بدقة وعناية فائقة فهل سيعطي نفس الاحساس ونفس الجو الذي اعطاه رايز ؟ اشك, لنلقِ نظرة على عدد المرات التي رشحت فيها ميرل ستريب الى جوائز الاوسكار: رشحت ستريب لجائزة الأوسكار لأدوارها الأخرى في امرأة الملازم الفرنسي (1981)، وسيلكوود (1983)، والخروج من إفريقيا (1985)، وأيرون ويد (1987)، وملائكة الشر (1988)، وبطاقات بريدية من على الحافة (1990)، وجسور مقاطعة ماديسون (1995)، وشيء واحد صحيح (1998)، وموسيقى القلب (1999)، والتكيف (2002)، والشيطان يرتدي برادا (2006)، وشك (2008)، وجولي وجوليا (2009)، وأغسطس: مقاطعة أوساج (2013)، وفي الغابة (2014)، وفلورنس فوستر جينكينز (2016)، والبريد (2017).
بعد ان انتهت من اداء دورها في فيلم زوجة الضابط الفرنسي, كان المخرج (الان جي باكولا) يبحث عن من يؤدي واحدا من اصعب الادوار في فيلمه الرائع (اختيار صوفي) 1972, هذا البحث هداه الى ممثلة بولونية تعاقد معها للقيام بالدور الذي يحتاج الى امرأة بلكنة انكليزية, لكن ما إن سمعت ستريب بهذا الخبر حتى هرعت متوسلة بالمخرج باكولا ان يمنحها الدور، وفعلا تم لها ما ارادت واستطاعت ستريب ان تؤدي واحدا من اصعب ادوارها لتفوز بجائزة الاوسكار عن الفيلم, هذا الفيلم اكد مقدرتها على انها تستطيع ان تتكلم بلكنات عدة, بعض العثرات صادفت حياتها لانها اشتركت مع ممثلين افذاذ منهم (روبرت دنيرو، وجاك نيكلسن) ظنا منها ان هذه المشاركة ستضعها في الدرجة الاعلى من السلم, لكن ظنها خاب وجاءت الافلام مثل حرقة في القلب و(ايرنويد والوقوع في الحب) مخيبة لها وللشباك, ثم جاء (صرخة في الظلام) 1989 وقدمت فيه دورا مهما, زوجة تقدم للمحكمة متهمة بقتل ولدها.
توالت افلامها بعد ذلك وحققت الكثير من النجاح وترشيحات الأوسكار وجوائز اخرى, لاننسى دورها في فيلم (جسر مدينة كاونتي) الذي شاركها البطولة فيه (كلنت ايستوود) الذي وقف حائرا ماذا بإمكانه ان يفعل او يعطي ازاء هذا الألق والاداء الكبير. في العام 2020 اشتركت في فيلم (نساء صغيرات) اعقبته بمسلسل تلفزيوني (صوت) يحمل عنوان (رؤوس تتدحرج) ثم في فيلم (حفل موسيقي).
والان تعمل في انتاج فيلم يحمل عنوان (دع الجميع يتكلم) بطولة ليوناردو دي كابريو وجنفر لورانس إخراج آدم مكاي. لعل ميرل ستريب استطاعت ان تعيد لنا ذلك الالق الذي سجل حضورا لافتا إبان فترة الأربعينيات والخمسينيات وحتى فترة الستينيات: نجمات هالوود اللواتي أحببناهن.