زيد الشهيد (ع).. مزارٌ وسيرة عطرة وكرامات

1٬244

عامر جليل ابراهيم – تصوير: حسين طالب /

يقع مزار زيد الشهيد في ناحية الكفل في منطقة سمّيت تيمناً باسمه، ويبعد مسافة (7) كم عن مفترق طريق الكفل – الكوفة.
جرت إعادة بناء المزار وتوسعته حديثاً، ويتكوّن من قبة كبيرة ومئذنتين شامختين، ويدخل الزائر للحرم من بابين ذهبيين وقد زيّن الحرم من الداخل بالمرايا ذات الاشكال الهندسية والنقوش والكتابات القرآنية على القاشاني والعين كار الملون.
“مجلة الشبكة العراقية” كانت في المزار في خطة للتعريف بأماكن المراقد والمزارات الدينية والاثرية والسياحية في العراق والتقت سماحة السيد علاء داخل آل يحيى الموسوي الأمين الخاص لمزار زيد الشهيد.
اسمه ونسبه
يقول سماحة السيد علاء الموسوي الأمين الخاص للمزار: هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، أبو الحسين الهاشمي العلوي المدني أخو أبي جعفر محمد الباقر، وعبد الله، وعمر، وعلي، وحسين عليهم السلام أجمعين، روى عن أبيه زين العابدين (ع)، وعن أخيه الباقر أيضاً، وكان يلقب بـ (زيد الأزياد) في إشارة إلى أنه مقدمٌ على كل من سمّي بهذا الاسم من جهة أعماله الصالحة وغاياته الشريفة التي استحق بها المدح والإطراء.
ولادته ونشأته
تختلف المصادر التاريخية بشأن ولادة الشهيد زيد بن علي (ع) بالمدينة، فابن عساكر يرى أنها كانت سنة 78هـ، ونقل المحقّق ناجي حسن عن المحلى: أنها كانت سنة 80هـ، وذهب السيد المقرم إلى أن ولادته كانت سنة 66هـ أو 67هـ، معتمداً في اختيار ذلك على حديث شراء المختار لأمه، إذ إنَّ المختار قتل سنة 67هـ، وأما الرضوي فقد انتهى به التحقيق إلى أنها كانت سنة 79هـ، اعتماداً على ما اتفقت عليه أكثر النصوص، من أنه قتل سنة إحدى وعشرين ومئة وله من العمر اثنتان وأربعون سنة، وهذا هو الأقرب.
نشأ زيد بن علي في حاضرة العلم، مدينة الرسول (ص)، حيث الصحابة والتابعون، وبدأ الدراسة على يد أبيه الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) وأخيه الإمام الباقر محمد بن علي (ع)، فدرس القرآن الكريم حتى فاق أقرانه وتعلّم القرآن وأوفى فهمه، ودرس الفقه والحديث حتى اشتهر بالعالم والفقيه.
ثورة كبرى
قاد الشهيد زيد عليه السلام ثورة كبرى ضد حكم هشام بن عبد الملك الأموي ووالي العراق يوسف بن عمر الثقفي، وألحق بالجيش الأموي أفدح الخسائر، استشهد إثر إصابته بسهم في جبينه، وصلبه الأمويون وأحرقوا جسده الطاهر.
ويسرد السيد الموسوي قصة زيد الشهيد مبينا أن النبي (ص) قد ذكر زيد الشهيد عندما وضع يده على كتف الإمام الحسين (ع) وقال: يا حسين سيخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطى رقاب الناس هو وأصحابه يوم القيامة.
تربّى زيد في أحضان أبيه زين العابدين عليه السلام، ونهج نهج أجداده في العلم والمعرفة والشجاعة، وقد نقل لنا كثيراً من الروايات والأحاديث؛ أشهرها الصحيفة السجادية التي بين أيدينا، كذلك كان له تفسير ويسمّى تفسير الغريب وكانت له قراءات خاصة للقرآن وله آثار كثيرة فهو عالم من علماء آل محمد.
كان زيد شجاعاً صاحب سيف وثورة وصفها المؤرخون بأنها امتداد لثورة الإمام الحسين (ع)، فقد جاء زيد الشهيد من المدينة المنورة الى الكوفة وحين وصل اجتمع حوله الناس وكان هنالك موعد للثورة المباركة الا أن والي الكوفة آنذاك أخذ يخطط لوأد هذه الثورة واغتيال زيد.
عجّل زيد بالثورة عن الموعد المحدّد وأصيب بسهم في جبهته وكان معه ولده يحيى وجملة من الأصحاب، فنقلوه الى بيت أحد الموالين وجاؤوا له بطبيب قال لهم إن انتزعت هذا السهم ستفارق روحك جسدك فقال الموت أهون لي مما أنا فيه، لذلك حال أن انتُزع السهم فارقت روحه الطاهرة جسده المبارك.
خاف الجميع على الجسد الطاهر من عبث طغاة ذلك العصر واحتاروا في دفنه، فقال بعضهم نربطه بالحديد ونرميه بالماء وبعضهم قال نتركه بين القتلى وبعضهم قال نقطع الساقية الفلانية ونحفر له وندفنه داخل الساقية، فكانوا على هذا الرأي وحفروا له قبراً داخل الساقية وأجري عليه الماء، لكن الحكم الاموي بدأ يفتش عن جسد زيد حتى وصل الى الجسد المبارك وأخرجه، حمل الجسد الى قصر الإمارة وفصلوا الرأس عن الجسد وبعثوا به الى الشام ومن الشام الى المدينة ووضعوا الرأس المبارك عند قبر النبي (ص) وبعد ذلك بعثوا به من المدينة المنورة الى مصر، وعندما وصل الرأس الى مصر سرقه بعض الموالين ودفنوه هناك وما زال رأس زيد في مصر وله مزار اسمه (الرأس الشريف)، أما الجسد المبارك فقد صلبوه منكوس الأرجل في الكناسة وهي باب من أبواب الكوفة آنذاك، بعد أن جردوه من ثيابه، وبقي الجسد الطاهر مصلوباً مدة من الزمن مختلفاً عليها، فهنالك رواية تقول إنها سنتان وأخرى تقول أربع سنوات ورواية تقول ست سنوات ولكن الرواية الأشهر أنها أربع سنوات، وطوال مدة صلبه كانت تظهر له الكرامات؛ فما نظر له أحد شامتاً الا أصيب بالعمى، كانت العنكبوت تأتي وتغطي العورتين، وبقي على هذه الحال حتى قام ولده يحيى بثورة وهنا أنزلوا الجسد المبارك وأحرقوه وجمعوه بالقوارير ورموه بنهر الفرات.
تفاصيل المزار
مساحة المزار هي 10000 متر يتسع المزار لأكثر من 4000 زائر أو أكثر، وللمزار أربعة أبواب موزعة على أضلاعه الأربعة، تؤدي جميعاً الى صحن كبير يحيط بالحضرة الشريفة، وللصحن أواوين مبنية على طول أضلاع المزار على الطراز الاسلامي.
يتوسط الصحن الشريف المزار ببناء فخم مهيب تعلوه قبة كبيرة ارتفاعها 30 متراً وترتفع على جنبيه مئذنتان كبيرتان، يستطيع الزائر الدخول الى الصحن الشريف من بابين ذهبيين كبيرين، وفي داخله يوجد شباك الضريح المصنوع من الذهب والفضة الخالصين، وزيّن الصحن الشريف من الداخل بالمرايا والآيات القرآنية المكتوبة على القاشاني وفرشت الأرضيات بالسجاد الفاخر.
مراحل العمارة
المهندس حيدر عبد المحسن عباس شرح لنا مراحل بناء المزار وتوسعته قائلاً: مرّ المزار بمراحل عدة؛ الأولى التي كان فيها المزار فيها عبارة عن غرفة صغيرة مسقفة بجذوع النخل لا تتجاوز أبعادها بضعة أمتار مربعة تعلوها قبة إسلامية صغيرة بيضاء اللون، مبنية بالفرشي ومغطاة بالجص، وإلى جانبها رواق للزائرين، وتحاط الغرفة بسياج طوله 20 متراً وعرضه 20 متراً وارتفاعه متر ونصف المتر، وقد بقي على هذه الحال حتى ستينيات القرن الماضي.
ويضيف السيد عباس: في المرحلة الثانية أعيد بناء المزار الشريف في مطلع الستينيات من القرن الماضي من قبل المتبرعين الذين أقروا خطة لبناء المزار؛ تشمل توسعة الصحن والحرم، كما زوّد المزار بالكهرباء وشيّدت طارمة للصحن المكون من أربع باحات وقد استمر بناء الباحات حتى مطلع السبعينيات، تبعها بناء الحضرة التي تعلوها قبة كبيرة مغلّفة بالكاشي الكربلائي، وكانت مساحة الصحن 2500 متر مربع تقريباً وارتفاعه أربعة أمتار.
ويمضي عباس بالقول: المرحلة الثالثة بُدئ بها عام 1996م وفيها هدم البناء السابق كلياً وأعاد المتبرعون بناءه بشكل هندسي حديث، وقد تم البناء على مراحل؛ بناء الحضرة بما فيها القبة التي يبلغ ارتفاعها قرابة 30 متراً، مغلّفة بالكاشي الكربلائي وتحتوي على اثني عشر شباكاً من الداخل، وأبعاد الحضرة 900 متر مربع، مغلّفة بالعين كار، أما المنارتان فيبلغ ارتفاعهما قرابة 33 متراً وقطر الواحدة منهما متران ونصف المتر، ويشتمل الضريح على صندوق من الخشب الصاج؛ مساحته تسعة أمتار مربعة وارتفاعه متران ونصف المتر، مزخرف بالزخارف والخطوط الإسلامية وآيات من الذكر الحكيم ويحيط به من الخارج شباك فضي فخم متوّج بالذهب، وقد صنع على يد أمهر الحرفيين العراقيين في مدينة النجف الأشرف. وفي سنة 2002م أُبدل الشباك الموجود حالياً الذي بلغت كلفته في حينها 350 مليون دينار عراقي، تبرّع بها محبو أهل البيت عليهم السلام، أما أبعاد الصحن الشريف فطوله مئة متر وعرضه مثلها وارتفاعه ستة أمتار، اي مساحة المزار الكلية نحو 10،000 متر مربع وفي عام 2007م تولى ديوان الوقف الشيعي رصف الصحن الشريف بالرخام وبعدها بدأت الحملة الكبرى والأخيرة وما زالت مستمرة.
أنشطة المزار
عن أنشطة المزار يقول سماحة السيد الموسوي: للمزار أنشطة عدة على مدار السنة وفيها يشهد مناسبات عدة؛ منها إحياء شهر رمضان للختمات القرآنية والمجالس والمحاضرات، ويشهد المقام مهرجان حليف القرآن الدولي الذي يقام سنويا لتسليط الضوء على شخصية زيد الشهيد ويحضره كثير من العلماء والمثقفين وتقدم فيه بحوث ودراسات إسلامية وعلمية، كما تقام دورات قرآنية وفقهية ومسابقات ومحاضرات ناهيك عن إحياء المناسبات الدينية.