الفنان خالد جبر ورحلة (المرّ والسم)
أسماء عزيز – تصوير: حسين طالب /
ارتبط اسمه بعالم الطفولة واحلام صغار الأمس وشباب اليوم، الذين كانوا يرون الحياة عبر فرشاته التي كانت تخط ألوان السماء الصافية والطبيعة الخضراء واللوحات الزاهية التي كانت عالماً آخر من البهجة للجميع.
خالد جبر ومرسمه الصغير الذي مثّل عالماً بمذاق خاص لكثيرين، منذ أن بدأ معهم أبجديات الرسم، صَحِبَنا في رحلة الى ذكريات الماضي وحكاياته، إذ قص علينا بدايته مع موهبته الفنية حين كان عمره لا يتجاوز ست سنوات وهو يتخذ من الأحجار وبقايا البطاريات أدوات للوحته ليخط رسومه على قارعة الطريق، إلا أنه فضّل أن يبدأ الحوار من علاقته بالزعيم عبد الكريم قاسم، فقال:
بدأت معرفتي بالزعيم عندما كنت في الدراسة الابتدائية في مدرسة (التفاني) بمدينة الحرية، وكنت من عشاق الزعيم وكانت المدرسة كل يوم خميس تقيم معرضاً للوحاتي التي كانت لبطلي الذي ابحث عن صوره في الصحف لأرسمها، حينها اقترح عليّ مدير المدرسة أن أجمعها وأذهب بها إليه، وبعد أخذ الموافقة مر شهر من الانتظار حتى حان موعد اللقاء في يوم من عام ١٩٦٢، فجاء مرافق الزعيم العقيد (وصفي طاهر) ليصحبني إليه، وعندما وصلت فوجئت بالمكان الذي كان يتخذه الزعيم مقراً له، لما يتسم به من بساطة، وكان عبارة عن (غرفة) متواضعة جداً، رحب بي وأخذ يقلب لوحاتي واحدة بعد أخرى، وكان سعيداً ويشيد بجمالية ما يراه، ثم سألني كيف تعلمت أن ترسمني، فأجبته من صورك على شاشة التلفاز والصحف (لأنني أحبك)، ابتسم ثم وضع يده في جيبه واخرج ديناراً وأعطاني إياه لشراء الألوان واللوحات، وأهداني صورته التي فرحت بها كثيراً وما زلت أحتفظ بها حتى يومنا هذا، لقد كنت فرحاً برؤيته.
المعلم الذي قبّل يد الزعيم انقلب علي…
صباح يوم الجمعة 8/شباط /14 رمضان عام 1963 كنت على الهواء مباشر في التلفزيون ودخلت مجموعة مسلحة بزي عسكري وكانوا يصرخون بصوت عال (فاروق اقطع البث) دون أن نعلم ماذا حدث ومن هؤلاء، كنت في التاسعة من عمري وكان منظراً مخيفاً، وكنت حينها ضيفاً في برنامج أعلّم مجموعة من الأطفال الرسم، حتى علمنا بحصول الانقلاب، والغريب أن المعلم الذي قبّل يد الزعيم انقلب عليّ وطالبني بالصورة التي أهداني إياها الزعيم، وأخبرته أنني أضعتها، ثم حاربتني إدارة المدرسة ورسّبتني ونُقلتُ إلى مدرسة أخرى، ثم اضطررنا إلى مغادرة مدينة الحرية بسبب المشاكل التي تعرضنا لها.
* حدثنا عن موقف تعرضت له بسبب الرسم؟
-كنت أجلس في مقهى، وكالعادة كانت معي عدة الرسم وكان يجلس أمامي رجل كبير، وبدأت أرسمه حتى انتهيت من رسمه، ثم إنه وقف بجانبي وأخذ مني اللوحة وبقي ينظر إليها، فتوقعت أنه سيكافأني لكنه مزقها ورماها.
* أين تحتفظ بأرشيفك؟
-لم أحتفظ بأي ارشيف بسبب والدي الذي لم يكن يحب الرسم.
* متى احترفت الرسم؟
-قبل دخولي معهد الفنون الجميلة سنة 1979.
* هل ترى الرسم موهبة أم هو تعلم وتدريب؟
-هو موهبة لكنه يحتاج الى تعلم ومعرفة عملية، وإلا يبقى الرسام فطرياً ولا يصل الى نتيجة.
* من أين أتتك فكرة الدخول الى الإذاعة والتلفزيون وتقديم برنامج للأطفال؟
-كنت صحفياً وأجري حوارات مع الفنانين في أغلب الصحف العراقية، وفي أحد الأيام ذهبت لأجري لقاءً مع رئيس قسم برامج الأطفال (طارق الحمداني)، وأثناء اللقاء الذي نشرته في الصحيفة طرحت أسئلة عدة من بينها سؤال عن البرامج في الإذاعة والتلفزيون، ثم اقترحت عليه حينها أن يكون هناك برنامج خاص بالأطفال وتعليمهم الرسم وأنا من يعده ويقدمه، وقد أحب الفكرة واتفقنا على موعد للتحدث عن تفاصيل البرنامج بشكل أوسع، ومن المفارقات التي حدثت في الحلقة الأولى أنها أنجزت دون مونتاج على مدى 35 دقيقة وجرى تغيير ثلاثة مخرجين حتى اكتملت.
* كنتم وكامل الدباغ ومؤيد البدري وخالد جبر مميزين في التلفزيون.. كيف كانت علاقتكم؟
-تربطني بالراحلين الكبيرين علاقة جيدة وكنا زملاء مهنة، وكان الراحل كامل الدباغ يقول لي دائماً: لا يستقر القِدر الا على ثلاث (العلم للجميع) و(الرياضة في أسبوع) و(المرسم الصغير)، وعلى مدى 36 عاماً استمر البرنامج ولم يتوقف الى يومنا هذا مع أن هنالك من حاولوا أن يطيحوا به لكنهم فشلوا.
* مسيرة 36 عاماً ماذا تضمنت؟
-اختزلت هذه السنوات بكتاب من جزئين عنوانه (المر..سم وسنوات الحنظل)، تكلمت في الجزء الأول عن كل ما مررت به من معاناة منذ دخولي الإذاعة والتلفزيون سنة 1985 الى 2003 ويحمل هذا الجزء أسراراً ومفاجآت لا تصدق.