سعيد أبو علي الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية : ليس كلُّ نظام انتخابي يفضي إلى الديمقراطية

2٬170

 سرمد عباس الحسيني – تصوير: كرم الأعسم /

يمر العراق حالياً بحراك سياسي مهم، تمثّل بإجراء الانتخابات النيابية قبل أيام عدة.
وتأتي أهمية هذه الانتخابات في أنها قد جاءت بعد مخاضات وتقلبات سياسية محلية ودولية أثرت كل منها على الأخرى بطريقة ما.
ولأجل متابعة ومراقبة سير هذه العملية الانتخابية الملبية لطموح الناخب والمواطن العراقي، يتبعها تقييم وأداء، فقد وجهت الحكومة العراقية دعوات رسمية إلى جهات ذات علاقة بالشأن الانتخابي، تباينت ما بين جهات دولية رسمية أو غير رسمية، تمتع بعضها بالخبرة المتراكمة في مجمل العمل الديمقراطي، وتقييم البعض الآخر لسير العملية الانتخابية ورفع توصياتها كمنهاج عمل يمكن تعميمه.
من هنا جاءت دعوة بعثة جامعة الدول العربية برئاسة الأمين العام المساعد للجامعة العربية السيد (سعيد أبو علي)، الذي كان لنا معه هذا الحوار الذي ناقش الشأن الانتخابي وانعكاسه على محيطه العربي:

• قبل شروعنا في الحوار معكم.. هل هذه زيارتكم الأولى للعراق؟ وماذا تعني لك بغداد؟
– (أخذ لحظة تأمل.. كأنه استرجع مقطعاً من شريط مضى) ثم استدرك :-
هذه ليست زيارتي الأولى للعراق، بل يعود الأمر إلى عام 1973 باحثاً عن فرصة تحقيق حلم طالما حلمت به، وهو فرصة الالتحاق بالجامعات العراقية لرصيد سمعتها، وذلك بعد اكمالي لدراستي التوجيهية (الإعدادية)، إذ سبقني زملاء للدراسة في بغداد، ولعل أهم ما ارتبط بتفاصيل حول الموضوع هو السياسي الفلسطيني المعروف (عزام الأحمد) الذي درس في بغداد وكان رئيساً لاتحاد الطلبة، الذي وعدني بالمساعدة التي لم أحظَ بها، لأنه لم يكن موجوداً في بغداد ساعة وصولي في فترة التقديم للدراسة .. لذا لم تفلح محاولاتي الفردية في التسجيل للدراسة، ما اضطرني إلى التسجيل والدراسة في جامعة تونسية.. وظلت حسرتي على الدراسة في بغداد حينها قائمة (يجيب باسماً).
وعدت مرة ثانية إلى بغداد في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت حينها الحرب مندلعة بين العراق، الذي كان في أوج قدرته على كل المستويات، وإيران وليدة ثورتها الإسلامية حينها، ورغم كوني لا أؤمن بنظرية المؤامرة إلا أن نتائج الحرب التي دمرت البلدين الجارين المسلمين والإقليميين، تدفع باتجاه الاعتقاد المفترض.

قواسم مشتركة
• في زيارتكم الحالية إلى بغداد كرئيس لبعثة الجامعة العربية لمراقبة الانتخابات العراقية الحالية، كيف تنظر الجامعة العربية للنظام الديمقراطي في عراق اليوم بعيداً عن نتائجها؟
– أنظر إلى هذا السؤال على مستويين من الإجابة، لكي نستطيع أن نتحدث باسم الجامعة العربية، ينبغي أولاً إدراك طبيعة الدور الذي تؤديه الجامعة العربية، التي هي في نهاية المطاف انعكاس منطقي لقرار جمعي من الدول الأعضاء، وهذا يعني أن القواسم المشتركة بينهم (الأعضاء) ليست لها نفس القناعات والرؤى، ولكي نعبر عن حقيقة المواقف علينا أن نبحث في القواسم المشتركة .. بمعنى أدق.. هناك رؤى ومواقف متعددة لفهم الديمقراطية ومعنى الانتخابات المرتبط باختلاف النظم السياسية المتعددة بتعدد الدول العربية، فنحن هنا نتحدث عن الديمقراطية والشورى، في نفس الوقت الذي نتحدث فيه عن إصلاح وتطوير وتحديث في المشاركة السياسية، وأجد أن كلاً منها يتناسب مع قناعاته وطبيعة حكمه، أي إن تقييم التجربة وتوسيع نطاق المشاركة الديمقراطية قد لا يمر بالضرورة عبر الصندوق .. الذي من الممكن أن تكون له قنوات ووسائل أخرى.

• مثل ماذا؟
– مثل.. أن ليس كل نظام انتخابي يفضي إلى الديمقراطية.. إذ أن هناك اختلافاً حتى في فهم الديمقراطية!!

• اختلاف.. وفهم.. ؟! بين من ومن ؟! .. من شعب إلى شعب أم في أساس تفسيرها؟
– لا .. من دولة إلى دولة ..
دعني أكون أكثر وضوحاً معك.. جامعة الدول العربية، ومن ضمن أولوياتها، معنية بدعم العراق والحفاظ على قدراته ودعم وحدته وسيادته واستقراره وإدامة زخم انتصاره على الإرهاب، وبالتالي فإن استثمار موارده على الوجه الأكمل ينعكس على المنطقة في عمومها وليس عليه فقط. ومن مسلمات الموقف العربي عدم التدخل في شؤونه الداخلية واحترام سيادته وأن يعبر الشعب العراقي عن إرادته بصورة حرة ونزيهة في تعزيز مساره الديمقراطي.

• هل أفهم أن رئاستكم لبعثة الجامعة العربية لمراقبة الانتخابات هي لإضفاء (المشروعية العربية) على الانتخابات العراقية؟ أم أنها تأكيد من الحكومة العراقية على شفافية العملية الديمقراطية من خلال توجيه الدعوات للجهات ذات العلاقة في مراقبة الانتخابات؟
– أصل زيارة البعثة الاستجابة لدعوة الحكومة العراقية.. إذ لا يمكن لأحد ان يلزم العراق في أن يوجه الدعوة له أو لغيره، وهذا يؤكد أن الجهات الرسمية العراقية واثقة من سلامة إجراءاتها الانتخابية والديمقراطية، وهو الأمر الذي دفعها لتوجيه الدعوات إلينا وإلى جهات دولية رسمية ومنظمات مجتمعية.
أما في ما يتعلق بسؤالك حول (إضفائنا) مشروعية ما على سير العملية الانتخابية.. فيمكنني القول لك مؤكداً إننا، كجامعة للدول العربية، لا يمكننا أن نفرض على أية دولة عضو فيها، تريد إجراء انتخابات ما، أن نأتي لمراقبتها.. ومن ثم (مباركتها).
ليست هذه هي القصة..
أكرر تأكيداً.. أن هذه الدعوات للزيارة والمراقبة ومتابعة سير العملية الانتخابية تأتي تأكيداً على ثقة السلطات العراقية بتدابيرها الانتخابية لضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها، وبالتالي إجراؤها وتوفير ظروف نجاحها.. وهذا شرط مسبق ينبغي توفيره.. وقد تَوَفر. ونحن نعرف، كما الآخرون، أن هذه الانتخابات هي استجابة للرأي العام العراقي في التعبير الديمقراطي عن الرأي، التي سبقتها تظاهرات رأي أفضت إلى قناعات وحصيلة سياسية قد تكون مغايرة عمّا سبقها من انتخابات.
إذاً.. فأساس وجودنا ترجمة ومتابعة لتطبيق قرارات الجامعة في تبني ستراتيجية التطوير والتحليل التي أقرت في قمة تونس، والتي تعني أن هناك أرضية قانونية مستمدة من قمم سابقة. وأؤكد مرة أخرى.. لسنا من يمنح الشرعية لأية انتخابات إذ إن الشرعية مستمدة من قناعات الشعب العراقي ومن مؤسساته الدستورية.

الجامعة العربية
• بعد المتابعة والمراقبة سيكون هناك تقييم وتوصيات، هل سيرفع هذا التقييم إلى أمانة جامعة الدول العربية من خلالكم .. أم ماذا؟ وهل يمكن لهذة التوصيات أن تكون منهاج عمل ديمقراطي يمكن الركون إليه في حال تعميم نتائج التجربة عربياً؟
– نحن نتابع صيرورة العملية الانتخابية في مختلف مراحلها القانونية والسياسية والإعلامية، ولاسيما أن الإعلام في العراق له دور كبير في الرقابة، وهنا دعني أقول لك: إن للعراق تجربة ديمقراطية حديثة غير مسبوقة من ناحية توفير السبل الكفيلة بإنجاح التجربة، أو من خلال توفير مستلزماتها اللوجستية المتباينة ما بين توفير الشكل الإجرائي للعملية الانتخابية، أو البطاقة الذكية الخاصة بعملية التصويت، أو المنهجية العلمية التقنية بنظمها الحديثة من خلال جهات متابعة مختصة، وهذا الأمر يحسب لمفوضية الانتخابات وللحكومة العراقية التي دعمت هذه الإجراءات على مستوى التفاصيل أعلاه، أو حتى من خلال توجيه الدعوات إلى الجهات ذات العلاقة بالزيارة والمراقبة ورفع التوصيات بعد تأشير أي خلل أو تجاوز في النظام القانوني الضامن لسير العملية الانتخابية.
وبعد صدور النتائج.. سيصدر بيان أولي عن الانطباعات المباشرة على سير العملية أعلاه، ومن ثم إرسال النتائج إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية كتقرير مبني على أسس مهنية عالية قام بها طاقم من الخبراء في مجال الانتخابات.
أنا أعتقد هنا، وبشكل شخصي، أن هذا النجاح الديمقراطي، بغض النظر عن نتائجه المبنية على قناعات الشعب العراقي في اختيار من يمثله، هو نجاح لكل الدول العربية، وكلما نجح الخيار الديمقراطي وتعزز في العراق، كلما كان هذا النموذج يمثل تطلعاً واقعياً وحقيقياً للمواطن العربي.

• بمناسبة الحديث عن جامعة الدول العربية ودورها في (لمِّ شمل أبنائها) بما يتناسب وطبيعة دورها الذي تأسست من أجله، متى يمكن لها أن تصل إلى ما وصلت إليه عقب تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية؟
– دعني أخبرك رأيي بصراحة..
نحن نعوّل على ما هو أكبر من حقيقة دورها وقدراتها.. وحتى اختصاصها، لكن علينا أن نفهم في ذات الوقت أنها منظمة دول .. يعني .. حصيلة مواقفها، وبالتالي كلما كانت الإرادات المشتركة قوية، كلما قوي دور( الجامعة)، التي ستمثل حينها الصوت المعبِّر عن الكل.. وكلما تشتت الجمع، كلما ضعفت (الجامعة) وقلَّت فاعليتها.

• هل أفهم من ثنايا كلامكم أن الجامعة العربية.. ضعيفة.. أو تمر بحالة ضعف؟
– (انتفض بود).. لا.. بل بأحسن حالاتها.. لكن طموحنا مازال كبيراً.
• دعني أصوغ السؤال بطريقة أكثر دبلوماسية.. هل يتطلب ميثاق الجامعة العربية إعادة نظر.. أم إعادة نظر في المخرجات ونتائجها العربية؟
– بالضبط.. نحن نتحدث هنا تقريباً عن ثمانين عاماً مضت من عمر الجامعة العربية، وهذا الأمر يحتاج إلى مراجعة وتطوير في ميثاقها – قوانينها – آلياتها، بما يستجيب ويتلاءم مع واقع جديد نشأ من شأنه أن يتناول العلاقات العربية – العربية بمنظور وبمقاربات مستمدة من خلاصة التجارب التي مرت بالمنطقة وبالدول العربية، والتي ما عادت تتشابه مخرجاتها مع مخرجات مرحلة تأسيس جامعة الدول العربية منتصف الأربعينيات. هذه الأمور وسواها ربما لا يدركها المواطن العربي البسيط، الذي مازال ينظر إلى دور الجامعة العربية، الآن، ذات نظرته السابقة تجاهها في فترات المدِّ القومي.
وهذا أمر غير منطقي.. كون المنطقة العربية بالخصوص قد مرت بمخاضات سياسية مفصلية انعكست بطريقة لا يمكن أن نبالغ إذا ما وصفناها بـ (الحادة)، ولم تكن الجامعة العربية بعيدة عن هذه المخاضات بانعكاساتها المذكورة، ما انعكس على مواقفها تجاه الأعضاء ما بين الفاعلية العالية أو الفاعلية المأمولة النتائج العالية تجاه القضية الفلسطينية مثلاً، او باتجاه ما يحدث في سوريا وليبيا وغيرها.

الهوية القُطرية
• على ذكر القضية الفلسطينية وما تمر به سوريا وليبيا، كأمثلة، ما الذي دفع العرب كأنظمة سياسية إلى الركون للعامل الخارجي وتدخله، بعيداً عن الوفاق العربي في حل قضاياها؟ وهل يعود هذا الأمر إلى اختلاف الرؤى (المتطرفة) لدى البعض.. أم ماذا؟
– منذ تأسيس الجامعة العربية منتصف الأربعينيات، كانت لكل دولة عربية سياستها ومصالحها الخاصة، لكنها في ذات الوقت كانت متفقة على قضايا الأمة الأساسية، ودعني أقول لك.. إن طموحنا كان يكمن في النظر إلى جامعة الدول العربية كمرحلة انتقالية ما بين فكرة ميثاق تأسيسها، وما يمكن لها أن تجمعنا بما يتناسب وحلمي الشخصي كعربي تواق للجمع والوحدة.

• هذا عندما كنت مواطناً عربياً.. لا سياسياً عربياً؟
– نعم.. (يجيبني مبتسماً)..
لن تصدق إذا ما قلت لك إن هدفنا اليوم حماية الدولة القُطرية.

• .. الدولة القُطرية.. ؟! على أي أساس؟!
– على أساس أن الدولة الوطنية بمعناها الجامع في العشر سنوات الأخيرة بات هذا المعنى مهدداً.

• جوابك سبق سؤالي الذي مازال يدور في مضمار رأسي.. وهو كيف يمكن للجامعة العربية أن تمارس دورها في الحفاظ على الهوية القُطرية على الرغم من أن هذا ليس همّ المواطن العربي (المفترض أنها تمثله)، الذي ما زال يعيش نشوة الستينيات والسبعينيات ومدهما القومي؟
– نحن مضطرون للتعامل مع ما ذكرت كأولوية معتمدة على مخاضات المنطقة السياسية كما أوردتها لك.
تفاؤل
• أطلت عليكم في لقائي هذا وآمل ان يتسع صدركم الرحب لي بآخر سؤال في حواري معكم، الذي لن أبتعد فيه عن (القُطرية) بسؤالي:
الركون إلى القطرية، ألا يفسد القضية الفلسطينية.. وهج مركزيتها وعدالة قضيتها؟
– (ينظر إلى سقف صالة قصر الضيافة الخاص بكبار الشخصيات السياسية ، متأملاً لوهلة).. ثم يجيب:-
في رأيي.. أن القضية الفلسطينية كانت، وما زالت، قضية العرب بكونها قضيتهم المركزية.. وستستمر مركزية عبر رسوخها في الوجدان العربي قبل كل شيء.
وإذا ما ركنّا، على سبيل الافتراض.. جدلاً.. بأن (إسرائيل) تمكنت، بطريقة او بأخرى، من الاستيلاء على كامل تراب فلسطين .. وتمكنت من تصفية القضية الفلسطينية.. فهل يعني ذلك أن الصراع المرتبط بتلك القضية سوف ينتهي..؟
بالطبع لا.. جازماً.

• جوابك دفعني مضطراً لاستنباط سؤال:
ذكرتَ لي في بداية حديثنا أنك لا تؤمن بنظرية المؤامرة.. ألا تعتقد أنك متفائل بنسبة عالية تجاه مستقبل المنطقة.. رغم إيماني الشخصي.. التي ما زلنا ندفع ثمن نتائجها عربياً؟
– دعني أختم حواري معك بتأكيدي على تفاؤل مطلق تجاه مستقبل منطقتنا العربية اعتماداً على معطيات زيارتنا لمراقبة الانتخابات النيابية العراقية 2021 .
واسألك.. ودعني استعير منك دور المحاور اللبق كوني كنت صحفياً ناجحاً في شبابي.. ألا تعتقد أن إجراء تلك التجربة الديمقراطية في العراق، وبغض النظر عمّا ستفضي إليه من نتائج محترمة في كل الأحوال.. مسألة تفاؤلية؟
ألا تعتقد أن الوعي السياسي الذي امتلكه العراقيون، ولاسيما شبابه.. مسألة تفاؤلية؟
ألا تعتقد أن رفعنا لتوصيات تقييم هذه الزيارة والمراقبة الشفافة للعملية الانتخابية إلى أمانة الجامعة العربية، التي يمكن عدّها تجربة ناجحة بآلياتها وسلاسة إجراءاتها.. يمكن دراستها وتعميمها مستقبلاً.. هو مسألة تفاؤلية؟
والشعب العربي من محيطه إلى خليجه لايختلف عن الشعب العراقي التواق إلى حرية الرأي والتعبير والاختيار بدون الركون إلى العنف أو الجنوح عن قضايانا العربية.
وبسؤالي الأخير لك بلا انتظار إجابة.. ألا تتفق معي في تفاؤلي تجاه مستقبلنا ومستقبل منطقتنا؟ (يسألني باسماً)؟
في ختام الحوار شكرت سعادة السفير(سعيد أبو علي) الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية ورئيس بعثتها لمراقبة الانتخابات العراقية 2021 .. على سعة صدرة وكرمه في اقتطاع جزء مهم من وقت جدول أعماله المزدحم.
ولملمت أوراقي مودعاً إياه على أمل لقاء مقبل في تجربة ديمقراطية عربية معتمدة على توصياتهم المرفوعة إلى أمانة جامعة الدول العربية المستلهمة من تجربتنا الديمقراطية.. وعلى تفاؤله الشخصي تجاه مستقبلنا العربي..
ولا أدري هل توافقونه التفاؤل.. أم لا ..؟
الأمر متروك لكم .. كما تركتم أمركم في صناديق الاقتراع .