الأدب يوقظ نزعتنا الإنسانية من سباتها الشاعرة والمترجمة مريم العطار
حوار : علي السومري – تصوير : بلال الحسناوي /
هي شاعرة ومترجمة عراقية، ولدت في إيران عام 1987، بعد تهجير عائلتها في زمن النظام البائد، وعادت إلى وطنها بُعيد سقوط الديكتاتورية. تكتب الشعر باللغتين العربية والفارسية وتترجم عنهما، عضو في اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين، تُرجمت مجموعة من قصائدها إلى اللغات الإنكليزية والسويدية والألمانية والفارسية والهندية.
شاركت في العديد من المهرجانات الشعرية داخل العراق وخارجه، منها مهرجان (نينتي) العالمي في أربيل العام 2014، وتم توثيق هذه المشاركة في فيلم قصير من إخراج (ياسمين فضة) في بريطانيا، كما شاركت في ورش للترجمة الحديثة ومهرجانات شعرية في السويد بدعوة من اتحاد الأدباء السويدي عام 2015، وطبعت قصائدها المترجمة إلى اللغة السويدية في كتاب عائد للاتحاد.
أصدرت مجموعتين شعريتين، الأولى بعنوان (وأد) التي حصلت على جائزة العنقاء الذهبية العربية لأفضل كتاب عام 2013، والثانية بعنوان (شتائم مجانية). قامت بترجمة كتب عدة من الفارسية إلى العربية، بينها (أنطولوجيا الشعر الفارسي الحديث)، و(الأعمال الشعرية الكاملة للشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد)، ورواية (مرة أخرى المدينة التي أحب) للكاتب الإيراني نادر إبراهيمي، و(أنطولوجيا الشعر الأفغاني الحديث)، و(مختارات شعرية من الشاعر الإيراني حسين بناهي) وهو قيد الطبع، كما شاركت في كتاب بعنوان (جناحا قلبي المثقل) باللغتين الألمانية والعربية Die Flug elmeiness chweren Herzens 2017
وهو كتاب يضم قصائد شاعرات عربيات من القرن الخامس الميلادي وحتى اليوم، أعده خالد المعالي وهريبرت بكر.
*ما الشعر بالنسبة لكِ؟
ـ الشِّعر، من وجهة نظري، هو حالة تجلٍّ، لحظة انخطاف، شيء يسبقنا دائماً بخطوات، نحاول أن نصطاده من خلال اللغة، لأنه ببساطة فضاء حر، لا يَحِدُّهُ الزّمان ولا المكان، يمكن أن يسجن جسدي في حدود معينة، لكنني في الشعر واحدة حتّى وإن تجزأتُ. لا يمكن في هذا الفضاء المراوغة، أو حتى التوقف، لذلك أنا مع الحداثة في الشعر، لأن الوجود في حركة دائمة وعلى الشاعر أن يدفع القارئ، بالأخص الذي تميل فطرته في العادة إلى التأخير في التصديق، يدفعه إلى التغيير والحركة والتطور والنمو، وقطع الصلة مع الماضي، عندما يشكل هذا الماضي عائقاً أمام تطور الشعر، الشعر هو خطاب شخصي، يمكن أن أتركه للآخرين كي يتعرفوا من خلاله على ذاتي دون أيّة مجاملات.
شخصياً، أعتقد أن الشعر يجب أن يكون موقفاً أو سلوكاً أو نمط عيش، تماماً مثلما حدث مع (شوبان) حين كانوا يطلقون عليه شاعر البيانو، يمكن أن تكون شاعراً في الحياة، فمهمة الشعر صقل الذات وتشذيبها لأنه حقيقي، اعتراف بلا عقاب، مرنٌ يستوعب كلّ التأويلات، ولا يمكن تقليد الشعر، كما أنه لا يمكن جلبه بالطرق العلمية، وإن حدث ذلك لا يمكن أن يسمى شعراً، الشعر حقيقة يكتمها الآخرون.
*كيف ترين الشعرية العراقية اليوم؟ وهل أثرت مواقع التواصل الاجتماعي على قيمة ما ينشر فيه؟
– بصراحة، أنا لا أنظر إلى الشعر من هذه الزاوية، شعرية عراقية وأخرى غير عراقية، الشّعر هو الشّعر، وقد تجاوز هذه الثنائية -الزمان والمكان- كما أشرت إلى ذلك في السؤال الأول، لكن جغرافياً، في اعتقادي، ما يزال العراق أرضاً خصبة لكلّ أنواع الشعر، فهو لم يستنفد موارده الشّعرية رغم كل التحولات الحادة التي مرّت على تاريخه، لو حصل أن قفزنا على الزمن ونظرنا إلى ما بعد عشرين سنة -على سبيل المثال- كيف يمكن أن نرى ملامح الشّعر قبل هذه العشرين سنة، وماذا كانت موضوعاته بالتحديد في ظلّ هذه المجانية في الشّعر، وإتاحته لكلّ ذي عاطفة جياشة؟
في النهاية الشّعر ليس عواطف صبيانية، وإنما هو موقف من الوجود برمّته، زد على ذلك إمكانيته على أن يكون وثيقة تاريخية شاهدة على عصرٍ بالكامل، هذا ما نلتمسه -على سبيل المثال- لدى كبار الشعراء الأولين أمثال هوميروس. أما فيما يخص مواقع التواصل الاجتماعي، فهي أتاحت لنا أن نكتب بحرية أكثر مما سبق، باعتبار أن هذه المواقع لا تخضع للرقابة، كما أنّها تظهر بعض عيوب الشاعر أو الكاتب وأمّيته من خلال ما ينشر ومن خلال ردوده، أضف إلى ذلك أنها أرغمتنا على الحضور، وسحبتنا من عزلتنا كي نكون متاحين للجميع، ويمكن لهذا أن يكون عيباً بقدر ما هو أمر جيد.
*يقال إن السرد في العراق انتقل من منافسة الشعر إلى إزاحته في السنوات الماضية، هل تتفقين مع هذا الطرح؟
ـ ربّما يعود ذلك لأنّ الشعر لم يعد يلبي احتياجات القارئ الفنية، ولهذا أسبابه أيضاً، منها أن اللغة المتعالية المستخدمة في الشعر، والغلو المفرط في البلاغة، جعلا القارئ ينفر من هذه اللغة التي لا تنسجم مع لغة عصره، وصار الشعر حكراً على فئة من النّاس يطلقون عليهم (النخبة). في رأيي، الشعر الحديث ينبغي أن يشّق طريقه كي يتواصل مع القرّاء وليستعيد بريقه من جديد، هذا إن آمنّا بأن اللغة هي أيضاً خاضعة للتجديد ولكل متغيرات العصر. ليس عيباً أن يدخل الشعر إلى السينما أو الرواية، لكن يبقى الشعر مفصولاً عن السرد، وتظلّ لكلّ منهما خصائصه وآلياته التي تختلف عن الآخر.
*لكِ رأي تقولين فيه ما مفاده إن الكتابة ثأر، ثأر ممن؟
ـ في الحقيقة، هي ليست ثأراً من أحد بعينه، وإنما هي ثأر لأننا عاجزون، الكتابة ليست مسدساً، لكنّها تمتلك من القوة ما تطيح بإمبراطوريات! ثأر عن عجزنا أن نكون، في الوقت الذي كان ينبغي أن نكون، الكتابة ثأر ضد السدود التي شيدها الإنسان ليمنع دفق الحياة واستمراريتها، تقول فرجينيا وولف: “كم مرّة استخدم الناس القلم أو الفرشاة لأنهم لم يستطيعوا ضغط الزناد،” هكذا أشعر عندما أكون شاهدة على معاناة الآخرين, في مكوثهم تحت وطأة التعذيب أو الظلم المستمر، هنا لابد من أن أستخدم قلمي كما لو أنه سيف أو مسدس، الشاعر يدفع ثمناً كبيراً حين يجد نفسه مختلفاً عن الآخرين، دفع الثمن هو أيضاً ثأر من الذات.
*هل أنتِ مع تجنيس الأدب إلى أدب نسوي وأدب رجالي؟
ـ أنا مع الأدب الإنساني، بصرف النظر عن جنس كاتبه ومؤلفه، سواء أكان ذكراً أم أنثى. ما يهمنا في الأدب هو أن يكون إنسانياً، وهذه هي واحدة من وظائف الأدب، إيقاظ نزعتنا الإنسانية من سباتها. أحبُّ أن أخمن من هو الشاعر بعد قراءة القصيدة، فلكلّ شاعرٍ بالتالي أسلوبه في الكتابة، وهذا الأسلوب هو بحد ذاته بطاقة تعريفية لكلّ شاعر، أعتقد أن هذا الأمر لا يأتي بقولبة الأدب أو تصنيفه كأدب رجالي أو نسوي، جميل أن يعرف المرء ذاته ويقدمُ هذه الذات من خلال اللغة، إن كانت امرأة تترك بصماتها الأنثوية والرجل كذلك، كما أنني ضد دس النسوية أو الذكورية في النص الشعري، لأن هذا الفضاء برأيي يجب أن يكون خالصاً ونقياً تماماً مثل نهرٍ جارٍ، مثل مرآةٍ، يعكس حقيقتنا.
*لنتحدث عن الترجمة، ما محدداتك في اختيار ما تترجمين، هل هي الموضوعة، اسم الكاتب، أم حاجة المكتبة العراقية إليها؟
ـ لأنني أترجم بالتحديد من الأدب الفارسي، وضعت في عين الاعتبار -منذ تجربتي الأولى- تقديم الأدب المعاصر الحديث، كذلك أترجمُ النّص القابل للترجمة، أي النّص الذي لا يفقد جودته بعدما أنقله للعربية، وأيضاً أحبُّ الابتعاد عما كتب في الماضي، الماضي السحيق الموغل في القدم، لذلك بدأت مع مؤسسي الشعر المعاصر، أسماء يمكن أن تكون مجهولة بالنسبة لكثير من القرّاء الناطقين بالفارسية، لكنها أسماء تظلّ مهمة في المشهد الأدبي المعاصر عند النقاد وتاريخ الأدب الفارسي. صبورة أتأنى في النشر لأنني أود أن أقدم أثراً بجودة أدبية متينة، ولا أهتم كثيراً بما يدور في سوق الكتب.
*توزعت حياتكِ بين دولتين: إيران التي هُجّرت عائلتك إليها في زمن النظام البائد، والعراق موطن أجدادك الذي عدتِ إليه بعد اغتراب طويل، أين تسكن روحكِ اليوم؟
ـ رغم أنّني لم أولد على هذه الأرض، لكن ثمّة ما يجعلني أشعر بأنّي أنتمي لها بالكامل، أحبُّ هذه الأرض وساكنيها ومدنها رغم ما ألحقت بها الحروب من ضرر، كما أنّني أحبّ لغتي العربية، وأريد أن أكتب أفضل ما لديّ بهذه اللغة التي تسحرني مع ما فيها من مصاعب ومطبات عديدة.
يلاحظ مؤخراً ابتعادكِ عن المهرجانات الشعرية وفعالياتها، هل للترجمة وعزلتها دخل في ذلك؟
مهرجانات مثل هذه تؤثر بشكلٍ إيجابي على الذائقة الأدبية، هذا ما لا ينكره أحد، لكنّي بعدما ابتعدتُ -من غير قصدٍ- عن الوسط الثقافي، ولجأتُ إلى عزلتي، وجدتُ أنّها – العزلة – تمنحني السكينة التي أحتاجها، سواء في الكتابة أم الترجمة.
*ما جديدكِ، في الشعر أو الترجمة؟
ـ لدي مجموعة شعرية ثالثة ستصدر قريباً بعنوان (أكلوا رمانة كتفيها)، وقد ترجمتها إلى اللغة الفارسية بالتعاون مع الشاعر الإيراني محمد علي سبحاني، وفي الترجمة لدي (إسماعيل)، وهي قصيدة طويلة للكاتب الإيراني رضا براهني، كما ترجمت أيضاً الأعمال الشعرية الكاملة لأحمد شاملو مع مقدمة ومقالات عن الشعر، ولدي كتاب نقدي آخر قيد الترجمة.