تعويضات!!
حسن العاني /
فبعد أشهر قلائل على الاحتلال، بدأ الضمير الشعبي يتململ ويصحو من صدمة قاسية جرحتْ كبرياءه الوطني اسمها (الاحتلال العسكري)، وهنا كانت دولة التبريرات تتلاعب بالمسميات، وتبتكر عنواناً مشحوناً بالمخدرات هو (قوات التحالف الصديقة)، التي خلصتنا من دكتاتورية صدام حسين ونظامه المجرم.. الله الله كم هي عذبة مفردة الصديقة!!
الأمم المتحدة كانت أرأف بالضمير الشعبي وأكثر تقديراً لمشاعره الوطنية المخدوشة، يوم أعلنتها صريحة (الوجود العسكري على أرض الرافدين احتلال عسكري، وليس له اسم آخر)، وكنا ننتظر أن تهتز شوارب الدولة، أو يأخذها شيء من الحياء، غير أنها خيّبتْ آمالنا، ولجأتْ -كما هو متوقع- إلى خزينها الستراتيجي من التبريرات، وراحت تقارن بين وجود القواعد الأميركية في ألمانيا مثلاً أو اليابان، وبين وجود العساكر الأميركيين في شوارعنا وغرف نومنا وفوق سطوحنا ورؤوسنا، وهي تدرك أن وجه المقارنة في غير محله لأسباب معلومة، يعرفها حتى الغشيم في السياسة مثلي.
يوم زالت غشاوة العيون بالكامل، واستعاد الضمير الشعبي صحوته من زاخو إلى الفاو، ومن الكاظمية إلى الأعظمية، وأعلن رفضه الصريح للاحتلال حتى لو كان من ذهب، لأنه بالنتيجة خنجر في خاصرة الكرامة والكبرياء والوطن، سرعان ما غيّرتْ دولة العنتريات خطابها ولسانها، وارتدتْ عدة الحرب، وأطلقت الأناشيد الحماسية، وراحت تلعن كل شيء أميركي، الرئيس بوش والمجنّدات وقوانين بريمر والأكلات الأميركية والراقصات والأغاني والملاهي الليلية.. وصرفت ملايين الدولارات على الدعاية التي تثير الحزن والتعاطف مع الأميركان أكثر مما تثير الفرح في النفوس (يمضون.. ونبقى)، وقبل ذلك حمّلت الإدارات الأميركية مسؤولية الخدمات المتردية والفساد ومشكلات الكهرباء والبطالة والسكن وفقدان الأمن والطائفية.. ولكنها – والحق يقال – لم تحمّل أميركا مسؤولية الرواتب الفلكية للمسؤولين، التي أنجبت 27% من العراقيين تحت خط الفقر!!
ثم كان ما كان، انسحب الجندرمة الأميركيون، ولم نعد نرى في الشارع مجنّدات حلوات لا يشبهن نساءنا البدينات، ولا دبابات تسير عكس الاتجاه وتأمر أهل البلاد بالابتعاد عنها مئة متر.. وصفقتِ الدولة لنفسها ورقصت لأنها استعادت السيادة، ولكن ماذا فعلت العنتريات بعد أن (مضوا وبقينا)؟ ما حظينا بالأمن والأمان، ولا تخلصنا من الطائفية، ولا تجاوزنا مشكلات السكن والبطالة والكهرباء، ولا أشبعنا جائعاً، كل ما فعلناه هو توجيه اللوم إلى بريمر، الذي مازلنا متمسكين بقوانينه، ولم نجرؤ على إلغائها برغم وجود سيادة وبرلمان، وفوق هذه البلاوي امتد الفساد وانتشر في جسد الدولة كالسرطان!!
وأسأل: لماذا مازلنا ندفع تعويضات عن مصائب صدام بمليارات الدولارات، ولماذا لم تدفع لنا أميركا دولاراً واحداً عن مصائبها وعن الدمار الذي ألحقته في البنى التحتية والفوقية والنفوس؟!