المسلسلات الكوميدية تهيمن على شاشة التلفزيون
رضا المحمداوي /
شهدت السنوات الأخيرة توجهاً فنياً كاسحاً في إنتاج ما توصف لدينا عادة بأنها (أعمال كوميدية)، واستطاعت هذه الأعمال، من خلال شيوعها وتكريس وجودها وحضورها الدائم في أغلب شاشات القنوات الفضائية الرئيسة، عندنا في العراق، أن تشكل في مجملها ملمحاً فنيّاً بارزاً في المشهد الدرامي العراقي بكل أزماتهِ وعقباتهِ الإنتاجية ومشكلاته المزمنة.
هذه الظاهرة الكوميدية لم ترسّخْ أو تبلورْ اتجاهاً فنياً واضحاً ومحدداً، كما أنها لم تفرزْ أسماءً أو اتجاهاتٍ أو تجارب أو مدارس كوميدية لها مميزاتها وأساليبها، مثلما أفرزتهُ -على سبيل المثال- الأعمال الكوميدية في السينما والأعمال التلفزيونية المصرية بأسماء مثل إسماعيل ياسين وعبد المنعم مدبولي وعبد السلام النابلسي ومحمد عوض وعادل إمام وهاني رمزي ومحمد هنيدي وغيرهم.. حيث عملَ نظام النجوم -الذي يعملون داخل آلياتهِ واشتراطاتهِ- على الترويج لهم وضمان النجاح الجماهيري والتجاري لأعمالهم على مدى سنوات طوال من عملهم الفني.
استثمار النجوم
عراقياً، برزَ لدينا الثنائي المعروف الذي شكلهُ كل من الفنان الراحل سليم البصري والفنان حمودي الحارثي في المسلسل الكوميدي ذائع الصيت (تحت موس الحلاق) الذي أنتج في بداية ستينيات القرن الماضي، ونجح الثنائي في هذا المسلسل، الذي ما زال حاضراً في ذاكرة المشاهدين، لكن استثمار هذا الثنائي لم يُكتبْ لهُ النجاح، ولم يوفقْ فنياً عندما تم إنتاج الجزء الثاني من المسلسل المذكور في ثمانينيات القرن الماضي؛ وبقيتْ هذه المحاولات الضعيفة حتى عندما زُجَّ بالثنائي المعروف جماهيرياً بـ (حجي راضي وعبوسي) في الفيلم السينمائي الكوميدي (العربة والحصان) الذي أنتج في ذات المرحلة الزمنية، حين شارك الثنائي في بطولتهِ0
تكريس شخصية النجم
وفي ثمانينيات القرن الماضي أيضاً، برز اسم الفنان قاسم الملاّك من خلال شخصية (رجب) في مسلسل (الذئب وعيون المدينة)، وفي جزئهِ الثاني (النسر وعيون المدينة)، واستطاعَ أنْ يرسَّخ اسمَهُ بوصفهِ ممثلاً كوميدياً ناجحاً، وفيما بعد استثمر هذا النجاح الكوميدي للفنان (الملاّك) في أفلام سينمائية كوميدية عدة قام ببطولتها، في وقتٍ كانتْ قد نشطتْ فيه السينما العراقية بإنتاج هذا النمط من الافلام، وفيما بعد عَوَّلَ الفنان قاسم الملاك على هذا الرصيد الجماهيري من خلال تكريس نفسه فناناً كوميدياً في العديد من المسلسلات الكوميدية التي انفرد ببطولتهِ فيها.
في ذات الإطار يمكنُ الإشارة إلى الفنان الراحل راسم الجميلي وتجربته الفنية، كذلك الحال مع الفنان محمد حسين عبد الرحيم الذي ما زال متواصلاً في عطائه الفني.
وبرز اسم الفنان إياد راضي مؤخراً كممثل كوميدي استطاع أنْ يثبتَ حضورَهُ ونجاحَهُ الجماهيري في العديد من الأعمال الكوميدية التي اتَّخذتْ نمطاً درامياً ثابتاً، أصبح فيما بعد شائعاً في بعض القنوات الفضائية.
لكن مقابل ذلك: – هل استطعنا أن نؤسس لمدرسةٍ كوميديةٍ جديدةٍ في الدراما العراقية، ذات ملامح ومواصفات فنية ناجحة؟ وهل نستطيعُ أنْ نُحدّد، أو نرسم، خطوط تلك الكوميديا وأبرز من يجسّدها على الشاشة؟ وهل تمكنا من تأسيس نمطٍ كوميدي جديدٍ يمكنُ الإشارة إليهِ على نحوٍ واضحٍ ومُحدّد؟
إذ يعتمد العمل الكوميدي، في الغالب الأعم، حتى أثناء عملية كتابة النص من قبل المؤلف، على الممثل بالدرجة الأساس وما يُقدمهُ من اجتهاد شخصي وجهد فني وما يضيفُهُ من عندياتهِ، ولاسيما في الحوار وطريقة إلقائهِ والتلاعب بالكلمات وأساليب التعبير وابتكار( اللازمة) الفكاهية المتكررة، فهل يمكن الإشارة الى اسم ممثل مميز يُجسد هذه المدرسة العراقية في الكوميديا وذكر أعمال فنية محَددة تمثّل وتُجسدُ هذا النمط الفني المُهم؟
طابع التهكم
لا بُدَّ من التأكيد، هنا، على العمل الكوميدي بما يشتملُ عليهِ من فكاهةٍ وسخريةٍ وحواراتٍ هزليةٍ خفيفةٍ، وشيوع طابع التهكم وغَلَبَة الانتقادات العامة، في كافة نواحيها وأشكالها، على العمل الفني أن يتضمن قيمةً فكريةً يعبرُ فيها المؤلف عن وجهة نظر موضوعية عامة، حين يكون بمثابة خبير الحياة الغائص في أعماقها، والفاضح للكثير من سلبياتها وظواهرها المُدانة0
أعتقدُ أنَّ الكثير من ظواهر المجتمع العراقي يمكنُ أنْ تُصبحَ مادةً أساسية لأعمالٍ كوميدية، لكن بشرط إيصال الرسالة الاجتماعية والأخلاقية وقيم التنوير والتثقيف والتوعية والإرشاد.
وفي رأيي المتواضع، فإن العمل الدرامي الكوميدي، بفكاهتهِ وسخريتهِ وهزليتهِ، يمكن أن يكون الطريق السهل والقصير للوصول إلى عقل وقلب المتلقي العراقي.
ويتوجَّبُ، والحال هذه، الابتعاد عن العشوائية في اختيار الموضوعات، والنأي بالعمل الفني عن حشو المَشاهد التمثيلية والمواقف والحوار الكلام الفارغ والبذيء المنقول من (كلام الشارع) الشائع وألفاظهِ وتعبيراتهِ الدارجة، وصيغ المخاطبة وما يتداولهُ عامة الناس في قاع الحياة اليومية، فعلى المؤلف أولاً، كاتب الفكرة ونصها الدرامي وصاحب الكلمة العليا في العمل الفني الكوميدي، ومن بعدهِ المخرج ومسؤوليته الكبيرة إزاء النص الذي بين يديه، وأخيراً الممثل بوعيهِ وخبرتهِ الفنية.. على هذا الثلاثي الفني أن يقوموا بعملية التهذيب والتشذيب لما قد يَعلَقُ في النص من شوائب.
ثم الانتقاء وتحديد الهدف وتصحيح الأخطاء الشائعة وتعرية الجوانب السلبية وإدانتها والكشف عن آليات تكوِّنها داخل بنية المجتمع، ومن هنا تتأتّى أهمية الرسالة الاجتماعية للفن الكوميدي والقيمة الأخلاقية الكامنة فيها، وما تحملُهُ من مضامين تثقيفية وتنويرية عُليا في إطار عام من الفكاهة والهزل والسخرية بما تنطوي عليه هذه المواصفات من تسلية وترفيه.