العراقيون يعلِّقون أمنياتهم على شجرة عيد الميلاد
اية منصور – تصوير: يوسف مهدي /
ببالونات من الحب وأشجار مزينة بروح الأمل، يعلق مسيحيو العراق أمنياتهم على أغصان الوطن، الذي أحبوه، فهم ملح الأرض، وتربته البارّة، ومن حقهم أن يعيشوا في وطنهم آمنين مستقرين يسهمون في بنائه مع جميع العراقيين.
يأتي الاحتفال بأعياد رأس السنة والعالم حقق الكثير من التقدم في تحجيم تأثير جائحة كورونا، التي ألقت بتداعياتها على الاحتفالات في العام الماضي، لهذا تتميز الاحتفالات هذا العام بالحيوية مع الالتزام بالاحترازات الوقائية الصحية.
وقد شكل هذا العام حدثاً مهما للعراقيين -والمسيحيين منهم بشكل خاص- فقد جذبت زيارة البابا فرانسيس (الحَبر الأعظم) أنظار العالم كله للعراق، وأظهرت للأرضين جمعاء، ما يحمله أبناؤه من خصال عظيمة.
احتفل في وطني
“كل سنة، احتفل هنا، وسأبقى محتفلاً في بلادي، ولو هاجر كل من أعرفهم، فسأكتفي بالاحتفاء مع إخوتي المسلمين الذين يشاركوننا كل عام أمنياتنا وصلواتنا.” بهذه الكلمات يبدأ يوسف متّي كلماته، مؤكداً أنه، وعلى الرغم من التهديدات التي تعرض لها، ولاسيما عام 2006 وأسهمت بهجرته إلى سوريا، إلا أن الحب والحنين أعاداه إلى بلده بعد أن شعر أن مكانه الوحيد هو العراق.
يقول متّي: “كنت أحتفل في سوريا بأعياد رأس السنة الميلادية والأعياد المجيدة، ورغم وجود أقاربي، إلا أني أفتقد منطقتي في العامرية، ووجود الأصدقاء المسلمين في بيتنا من أجل الاحتفال، كادت الذكريات أن تقتلني، لم أتحمل بعدها، فكانت العودة.”
ويوضح يوسف، الذي يعمل بائعاً للألبسة النسائية، أن “إحدى أمنياته هي عودة أقاربه إلى العراق، على الرغم من استقرارهم وعيشهم في المهجر، إلا أن (لمّة العراق) لها طعمها الخاص.”
يتابع: “لا أريد أن أكون مثالياً، ولكني أتمنى أن يكونوا معي في احتفالات هذه السنة، أو المقبلة، لكني أطمح، وأحلم بعودتهم قريباً، للاحتفال معاً في وطننا.”
حضن البيت
أما كجّو نبيل، طالب الهندسة في جامعة أربيل، فيحلم بعودته إلى منزله الذي اضطر لتركه في الموصل، يقول إن الوضع مستقر ورائع في بلدته، قره قوش، إلا أنه ينتظر اكتمال الترميمات الأخيرة، للمنزل. ويتابع -بمشاعر حب ارتسمت على محياه- “أحلم بالعيش بسلام، وأن لا تعود هناك حروب أخرى نضطر فيها، إلى الهجرة أو النزوح، ليس هناك ما يستحق سوى السلام والحب.”
ويوضح “أنه كان قد شاهد بابا الفاتيكان حينما وصل إلى أربيل، فقد كان وعائلته وأهالي المنطقة ينتظرون هذه الزيارة منذ وقت طويل، فهي بمثابة اعتراف كبير بمسيحيي العراق وحضارته، وبمسقط رأس الأنبياء، وأولهم إبراهيم الخليل.”
رسالة إلى العالم
وترى مريم حربي، وهي مربية أطفال، “أن زيارة البابا كانت رسالة مفادها أن أية قوة إرهابية لن تستطيع ثني أبناء المكون المسيحي العراقي، أو إرهابهم، حتى لو اضطر عدد كبير منهم إلى الهروب، إلا أنها تبقى أرضهم، وموطن أجدادهم، لأنهم صناع الحضارة.” وتستذكر مريم زيارة البابا: “اتجهت إلى مكان انتظار البابا فرانسيس قرب المطار، كنت أعيش سعادة غامرة لم أشعر بها من قبل، شعور بالسكينة والأمان، وحينما مرّ من أمامنا، ولمحته -بصورة بعيدة- شعرت بمساندته ودعمه الهائلين. ”
تحلم مريم بأن يعمّ الأمان في بلادها، حتى يأتي أكبر عدد ممكن من المؤثرين في العالم، ليوصلوا رسائل العراقيين وحبهم للحياة.
وتشير إلى “أن الإعلام كان غالباً ما يظهر أن العراق بلد ميت، لكن زيارة البابا أثبتت العكس، حتى حين مروره بين المدن المهدمة، لكن عودة الناس بفضل جهود القوات الأمنية، أوصلت نظرة حقيقية عما كان يراه الآخرون عنا، والدليل مجيء عدد كبير من السائحين بعد مجيء البابا، نحن نستحق الحياة، وهذه أكبر أمنياتي للعام الجديد.”
ردع المتطرفين
فيما يتمنى المطران ثابت بولس، المعاون الأسقفي في أبرشية ألقوش، عاماً سعيداً للعراقيين ونهاية الوباء، متمنياً أن يسترد العراق العافية في كل المجالات السياسية والاقتصادية.
ويوضح: “ما نتمناه ونريده من الحكومة أن تأخذ مشاكل المكون المسيحي ومطالبهم بجدية، وتحقق خطوات ملموسة فعلاً في تأمين وجودهم هنا، كونهم مواطنين أصيلين، وعليها تقع مسؤولية حفظ خصوصيتهم وحقوقهم.”
ويرى “أن حماية المسيحيين تكون من خلال ردع المتطرفين وضمان تطبيق القانون من دون محاباة أو محسوبيات، وتسهيل حركة التنقل إلى المناطق المسيحية التي تأثرت وتهدمت نتيجة لجرائم داعش، وتقديم الدعم إلى هذه المناطق التي تعتبر منكوبة والمساهمة الفعالة في إعمارها.”
\وعن زيارة البابا قال “إن زيارة البابا تعني الكثير، فقد رأينا العالم كله حاضراً مع العراقيين لتشجيعهم على المضي قدماً في العيش المشترك والنظر إلى الوجه المشرق والإيجابي من الحياة، والخروج من قوقعة الكراهية. نعم، كانت الزيارة مشجعة، وستكون فعالة إذا ما استغلتها الحكومة العراقية لتفي بما تصرح به تجاه المكون المسيحي.”
احتفالات في أجواء حقيقية
من جهته، يوضح القس ميدين شامل، راعي كنيسة انتقال مريم العذراء، أن العيد -بالنسبة لهم- يحمل في طياته الكثير من الرموز والمعاني القيمة (كالشجرة والزينة والمغارة التي ولد فيها المسيح رمزاً للتواضع)، وكل الطقوس المفرحة أيضاً، التي تبث روح التجدد والفرح والرجاء وسط التداعيات والأزمات التي يشهدها العالم.” يكمل بقوله:
“هذه السنة نحتفل بالعيد بصورة أفضل من احتفال السنة الماضية، التي جاء فيها خجولاً بسبب أزمة وباء كورونا وتداعياته، وما فرضته علينا من الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، إنما مع اكتشاف اللقاحات -كما وصفها البابا فرنسيس- (أنوار جديدة مضيئة تحمل الرجاء إلى العالم)، سمحت لنا هذا العام أن نستعد للاحتفال بنشاط وحيوية وشوق أكبر، وبالتأكيد مع التزامنا بالاحترازات الوقائية.”
وأكد “أن القيم الإنسانية ينبغي أن تتجسد فعلياً في بلدنا، ولا تقتصر فقط على الخطابات والشعائر، أي أن تبقى كرامتنا وحقوقنا محفوظة لنستطيع أن نعيش بسلام من دون أي تهميش أو اقصاء، ولقد اختبرنا هذا الأمر في الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق، التي كانت بمثابة كرنفال وحلم تمنينا تحقيقه منذ زمن بعيد، فهذه الزيارة كانت في الحقيقة رسالة محبة وسلام وتضامن، ليس فقط للمسيحيين، بل لكل العراقيين، إذ وحدت صفوفهم، فالكل كانوا يعملون معاً، وهذا ما شاهدناه خلال الزيارة والمحطات التي مرت بها، إذ دعت كلها إلى نبذ العنصرية والتطرف والتقرب من الآخر مهما
كان مختلفاً عنا.”
وتابع القس ميدين: “أما خصوصيتها فقد أعطت لنا –كمسيحيين- دعماً معنوياً للتمسك بأرضنا، وأبرزت قيمتنا أيضاً كأبناء أصلاء للعراق، وفي الوقت نفسه كانت الزيارة جرس تنبيه يوعي الضمائر على تفعيل العدالة والمساوة في البلد.”