متلازمةُ التجميل حد الموت

342

آمنة عبد النبي /

خصر منحوت بنشازٍ وملامح مبوزة ومتشابهة كأنها خرجت من نفس القالب التجميلي للمشاهير، سوقها تجار الجراحاتِ الناعمة وغيبوا من خلالها روح الإنسان وبراءتهِ، ولكي يضمنوا إدمانها وجعلها آلةً لسحبِ ما في الجيوبِ، غلفوها بعناوينِ (الطشةِ) والستايل الأنثوي الخارق للرجالِ، المفصل بحسبِ ما تفرضه موضة الموسم كما هو الحال مع الماركاتِ المعروضة في أسواقِ المال!
قص المعدة وإذابة شحوم البطن وشفط الأرداف وتنحيف الذقن، التي عادة ما توحي بأن صاحبها أصغر من عمرهِ الحقيقي ببضعِ سنوات، هي من أكثر الجراحات الخطرة المنتشرة بالرغم من أنها تسجل وفياتٍ مُستمرة نتيجة المضاعفات والأخطاءِ الطبيةِ والمراكز التجميلية غير المُرخصة، فمن المسؤول يا ترى عن فجيعةِ أم منكوبةٍ بوفاةِ ولدها الوحيد بعد أسبوعين من تكميمِ معدته، ومن المُلام بإسكاتِ قلبِ شابةٍ عشرينيةٍ دخلت صالةِ التجميل بابتسامةٍ وخرجت منها بتابوت؟!

جثة متيبسة في تابوت..!
بابتسامةٍ محبةٍ للحياة وثقتها كل صفحات السوشيال ميديا، دخلت صالة الجراحة التجميلية لإجراءِ عملية شفط دهون، ولم تخرج منها إلا جثة متيبسة في ثلاجة الطب العدلي، تقول والدة الضحية إيمان جواد (23 عاماً)، والدموع تسابق كلماتها:
“مضت على زواج ابنتي ستة أشهر، لم تعانِ فيها من أي عارض صحي يمنعها من إجراء العملية التي أرادت من خلالها شفط بعض الدهون والترهلات في جسمها، رافقناها، أنا وزوجها، الى العملية وطمأننا الدكتور بأن العملية سهلة ولن تأخذ أكثر من ثلاث ساعات، لكن بعد دخول ابنتي إلى العملية انتظرنا لست ساعات ولم تخرج، وهو ما أثار استغرابنا، وعندما سألناهم عن سبب تأخر العملية بحكم إنها لا تستوجب أكثر من ثلاث ساعات، بدأوا باختلاق الأعذار، فتارة يقولون إنها ما زالت في غرفة العمليات، وتارة يعزون سبب التأخير لوجود الكثير من العمليات.
لم يكن الأمر طبيعياً أبداً فألححنا عليهم، وهنا أصيب زوجها بهستريا بعد أن علم أنهم نقلوها -دون علمنا- الى مدينة الطب بسبب المضاعفات، فلحقناهم الى هناك لنجدها في الطب العدلي جثة هامدة. فقد كانت إيمان ميتة منذ ساعات، إذ أن قلبها قد توقف خلال العملية وظلت تنزف من كل مكان، ولم تخيط جروحها، حتى بعد وفاتها، وبطها كانت مشرحاً أيضاً، أما الطبيب فقد لاذ بالفرار وأغلق هواتفه، ولم نعرف أين ذهب، كل ما نعرفه هو أن ابنتي دخلت الى المستشفى لإجراء عملية تجميلية وخرجت بتابوت”.

عقدة وإهمال وتجلط
فُجعت أسرتهُ التي آزرته وشجعته على إجراء العملية، ظناً أنها تدفعهُ لبدءِ حياةٍ جديدة، لا أن تُشيعهُ إلى قبره ومثواه الأخير، الشاب عمار الملا (٣٧ عاماً)، الذي قص معدته بهدف تنزيل وزنه الذي فاق المئة كيلوغرام، لكنه خسر حياته بعد أسبوعين من العملية. تقول أخت الضحية، وهي تغمض عينيها من شدة القهر على فراقه:
“كان يعاني تأزماً نفسياً بسبب وزنه، رغم أنه لم يكن بديناً أو مثيراً لتنمّر الناس، لكن إصراره وإلحاحه اضطرنا لموافقته على هذا الحل الجراحي وتشجيعه على الخلاص من تلك العقدة، وبعد أسبوعين من إجرائه لعملية قص المعدة أصيب بنكسة قلبية حادة لدرجة أنه وصل فيها إلى المستشفى وهو في حالة صحية حرجة، ويعاني آلاماً حادة في بطنه، وبعد فحص حالته المتردية تبين أنه يعاني هبوطاً مفاجئاً في الدورة الدموية أوقف نبضات قلبه فجأة، حاول الأطباء إجراء إنعاش قلبي له لمدة ساعتين متواصلتين، إلا أن المحاولات جميعها لم تنجح وتوفي متأثراً بالمضاعفات والالتهابات التي نتجت عن عملية قص المعدة، علماً بأن الطبيب الذي أجرى له العملية أعطاه حقناً تكفيه لمدة أسبوع واحد فقط لمنع تجلط الدم، بدلاً من أسبوعين، وهو ما أدى إلى إصابته بجلطات قاتلة، أي أن تعرضه للإهمال من قبل الطبيب وعدم إبقائه تحت المتابعة الصحية لمدة أسبوعين كانا سببين رئيسيين لوفاته.”

نزيف حتى الموت
أمّا الضحية الأكثر غرابة وبعداً عن أقدار الموت وأسبابه غير المتوقعة إطلاقاً، فهي مريم عبد الله، الشابة العشرينية التي فقدت حياتها إثر عمليةِ تجميل وشفط شحوم منطقة الذقن، أي اسفل الحنك في الوجه (اللغلوغ)، رغم أنها تمتلك وزناً مثالياً وجمالاً أخاذاً، يقول والد الضحية المنكوب:
“دخلت لحتفها وهي تضحك وتعج بالحياة، كنا بجانبها نمازحها في شكلها الذي ستظهر لنا فيه بعد ساعتين، دخلت وهي بصحةٍ جيدة وغير خائفة ابداً، مرت ثلاث ساعات داخل صالة العملية ونحنُ نترقب خروجها متلهفين، لكن لا خبر، قلقنا من الهدوء الذي عم المكان، ولا أحد خرج لنا من الصالة، هذا الوضع استمر خمس ساعات، اضطررنا فيها أخيراً لركل باب الصالة والدخول عنوة، وهنا كانت الصاعقة حينما وجدنا مريم مطروحة على السدية تنزف من كل مكان في جسدها، لم يكن بجانبها أحد لأن الطبيب ومساعديه هربوا، صرخنا بأعلى أصواتنا فتجمهر الجميع ومدير المستشفى جاء راكضاً وحاول طمأنتنا بنقلها فوراً إلى مدينة الطب بسيارةِ إسعاف، غير أنها لم تصل إلاّ وهي جثة خالية من أية نقطة دم!”
الجراح والصيدلاني د. أنور قاسم تحدث للشبكة عن سلبيات ومخاطر عمليات شفط الدهون وتكميم المعدة وغيرها، الى جانب تأكيده على خلو مجتمعنا من ثقافة البدائل البدنية والأنظمة الغذائية المثالية التي تُجنبنا الرضوخ لمشارط الموت، قائلاً:
“الكثير من ضعاف النفوس غير المختصين أخذوا يمارسون المهنة مستغلين جهل الناس، وبأسعار زهيدة، حتى إن بعض صالونات الحلاقة النسائية تحولت إلى مراكز تجرى فيها العمليات الجراحية! لكن بالرغم من ذلك فما يحدثُ من هوسٍ وانقيادٍ أعمى خلف ثقافة المشارط التجميلية لا يتحمل الطبيب المهمل
وغير المهني نتيجته لوحده أبداً، وإنما الذنب يقع على جميع الأطراف المشاركة والراضية بالمجازفة والارتكان الى الحلول البديلة، سواء أكانت الفكرة بعمليات التكميم أو الشفط أو غيرها، مما يستدعي المجازفة بالتخدير العام وباحتمالية حدوث مضاعفات
الوفاة المفاجئة.
وعلى الرغم من أن جراحة شفط الدهون او تكميم وقص المعدة قد تكون الخيار والعلاج الوحيد للمرضى الذين يعانون من السمنة، وأنه تم إثبات نجاح قص المعدة في تقليل الوزن الزائد بشكل لافت عند الجراح الماهر، الذي تختفي تحت مشرطه التجميلي كل السلبيات المفاجئة، إلا أن هناك مخاطر ومضاعفات يجب أخذها في الاعتبار بأية عملية جراحية تجميلية، سواء أكانت قص معدة او عمليات الشفط الكبرى، ومنها أولاً مخاطر حساسية التخدير، وأيضاً تسريبات خط الأساس الذي يتم إقفاله بواسطة الدبابيس في عمليات التكميم، لأنهم سيكونون عرضة لخطر الإصابة بمضاعفات ما بعد الجراحة، بما في ذلك مرض ارتجاع المعدة والمريء، الذي قد يحدث بعد سنة إلى ثلاث سنوات بعد العملية أو بشكل فوري بعد العملية، لأنهم يزيلون ما يصل إلى ثلاثة أرباع المعدة، وبالتالي تقليل حجمها وإعادة تشكيلها بشكل طولي يربط المريء بالأمعاء الدقيقة، كذلك في معظم الحالات الشديدة تكون مخاطرها بحدوث تعفن الدم وفشل الجهاز الهضمي، إذ نجد أن بعض مرضى المعدة يعانون من النزيف، وهو تفريغ غزير للدم من الأوعية الدموية بسبب الجراحة وضيق البلعوم، ما يسبب تقلصاً في قطر مدخل المعدة، علماً أن الكثير من المرضى يفقدون الشهية بعد العملية، وهذا قد يصيب الجسم بالشلل ويسبب الوفاة”.

عقدة الحياة الفارغة
“الكل تلقف هذا الهوس الجمالي المعلب، لأن المدخل الخبيث تسرب من ثغرات قلة الثقة بالنفس واهتزازاتها.” بحسبِ تحليل الباحثة الاجتماعية سارا الطائي، التي -من جانبها- أوضحت أن هوس التجميل إن لم يسبب الموت فإنه يتسبب بتقزيم شخصية النساء الطبيعيات شكلاً أمام نرجسية المجتمع والرجال وسقوف مطالبهم، إذ قالت باستغرابٍ:
“إنها عقدة الحياة الفارغة الفارهة بكلِ أشكالها، وأيضاً متلازمة عدم الرضا النفسي العميق، ومحاولة التمرد على الذات، ومسايرة العقل الجمعي كموج جارف. الجميع لا محالة واقعون في هذا الفخ، لقد تسببت تلك الوجوه التجميلية الخارقة والأجساد المنحوتة برفع رصيد الرجال وغرورهم، لدرجة أن أحدهم صار حينما يفكر بشريكته يضع سقفاً جمالياً خارقاً ومثالياً، ولم تعد الجميلة الطبيعية وخارج إطار العلميات الجراحية أنموذجاً نادراً ومنفرداً، وإنما مجرد وجه جميل، لكنه غير صارخ، لذلك أنا أعتقد أن المهووسات بالتجميل مصابات بعقدةِ عدم التصالح مع النفس، وحتى التي ترى نفسها حسناء ستضطر الى إخفاء أية عيوب بسيطة بالتجميل، علماً أن الفتاة الأوروبية ايضاً تستخدم التجميل ورتوشه، لكنها تعتمد، في الجانب الآخر، على معايير القوة الذاتية والنشاط والطموح بإبراز جمالها وفعاليتها قبل الملامح والجسد، لأن الأمر غير مُلح ولا يمكن الاستغناء عنه، كما هو الحال عند
فتياتنا، وإنما مجرد بديلٍ ترفيهي، لا سياق حياة”.