بلا دراسة ولا تخطيط هوس بناء الملاعب!

590

علاء عبد الله /

حتى وقت قريب، كان ملعب الشعب هو الملعب الوحيد الذي يمكن أن نصفه بالملعب (الدولي)، وكانت جميع مباريات المنتخب الرسمية والودية وغالبية مباريات الدوري المحلي، ولاسيما بالنسبة لفرق بغداد، تقام عليه، من دون أن يشتكي أحد من نقص في الملاعب، او أن يطلب نادٍ جماهيري أن يكون له ملعبه الخاص.
فجأة، تحول العراق الى غابة من الملاعب الفاخرة، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة، دون أن تكون هناك حاجة ملحة لهذه الملاعب، التي هي جميعاً غير صديقة للبيئة، ولا تعد من الملاعب الذكية التي انتشرت في العالم خلال الـخمسة عشر عاماً الأخيرة، وصار الحصول على ملعب خاص هوساً، وجرى بالفعل بناء العديد من الملاعب دون تخطيط ولاسيما في بغداد.
لسنا البرازيل ولا إسبانيا..!
والعراق ليس بلد كرة قدم، فنحن لسنا إيطاليا ولا ألمانيا ولا إنجلترا، ولسنا الأرجنتين أو البرازيل، التي أصبح قطاع تصدير اللاعبين والمدربين فيها من موارد الدخل القومي. وبالتأكيد فإن أنديتنا لاتصل إلى مستوى ليفربول أو برشلونة أو تشيلسي أو بايرن ميونخ أو ريال مدريد، ولا حتى الزمالك المصري او الهلال السعودي، بطل آسيا أربع مرات. دعونا نأخذ النادي الأهلي المصري مثالاً، فهو نادي القرن في إفريقيا، الحاصل على بطولة دوري أبطال إفريقيا عشر مرات، الذي لعب في كاس العالم للأندية سبع مرات، الحاصل على المركز الثالث في كأس العالم ثلاث مرات. هذا النادي الذي تأسس قبل 115 عاماً لا يمتلك حتى ملعباً صغيراً، وتقام أغلب مبارياته المهمة في ملعب القاهرة أو ملعب برج العرب. في بغداد جرى بناء ملعب المدينة وملعب نادي الزوراء، وهناك ثلاثة ملاعب لعدد من الأندية، ويجري بناء ملعب كبير في التاجي، وفي البصرة عدد من الملاعب، وهناك ملعب كبير أو ملعبان في كل محافظة تقريباً. فهل نحتاج إلى هذه الملاعب؟ وهل أنها تحقق مردوداً مالياً يوازي الأموال التي أنفقت عليها؟ فهي ليست ملاعب صديقة للبيئة، بل يقتصر دورها على النشاط الكروي، ولاسيما في العاصمة بغداد التي تعد أصغر محافظة في العراق مساحة وأكثر مدن العالم اكتظاظاً بالسكان!
الغريب أن المطالبات ببناء الملاعب تزداد حدة، ولاسيما من بعض الإعلاميين، وهم لا يقدرون الخطأ الكبير الذي يقعون فيه عندما يطالبون بإنشاء المزيد من هذه الملاعب، ولاسيما لبقية أندية بغداد، كالشرطة والطلبة والقوة الجوية، بدعوى أنها أندية جماهيرية!
مناطق كونكريتية
الحقيقة أن بغداد بحاحة إلى مدارس ومستشفيات ومساحات خضر، أكثر من حاجتها لكتل كونكريتية لا تتسم بأي ذكاء ولا تستخدم إلا في مجال واحد، وربما لمدة ساعة ونصف الساعة، ثم تغلق أبوابها لبقية الأسبوع! وليس في هذه الملاعب مكان او مساحة لأي نشاط اجتماعي أو فني أو ثقافي أو تعليمي أو تجاري. فلماذا لا يكون لكل هذه الأندية البغدادية –مجتمعة- ملعب واحد أو ملعبان؟ بدلاً من بناء ملاعب لا نحتاجها.
ملعبان في عاصمة إيطاليا..!
لكم أن تتصوروا أن العاصمة الإيطالية روما لا تمتلك سوى ملعبين فقط! وأن نادي أي سي روما ونادي لاتسيو لا يمتلكان ملعباً خاصاً لكل منهما، بل إنهما يستأجران ملعب الأولمبيكو لإجراء مبارياتهما في المسابقات المحلية والقارية، فهذا الملعب التاريخي مملوك لبلدية العاصمة الإيطالية، التي لا تسمح ولا تعطي الأذونات بإنشاء ملاعب إضافية قد تكون سبباً في تشويه التخطيط الأساسي للمدينة. كذلك الحال في مدينة ميلان، ثاني أكبر مدن إيطاليا، فالبلدية هناك تملك ملعب (جوسيبي مياتزا) الذي يقع في ضاحية سانسيرو، وهي تقوم بتأجيره إلى ناديي أي سي ميلان وإنتر ميلان، وبالرغم من أنهما يملكان ما مجموعه عشرة ألقاب في بطولة دوري أبطال أوروبا، كذلك بالرغم من أن أحدهما تأسس عام 1899 والآخر عام 1908، أي أنهما أقدم تأسيساً من الدولة العراقية! إلا أنهما لا يمتلكان ملعباً خاصاً بكل منهما. وإذا ما تحولنا الى ألمانيا، وتحديداً الى العاصمة برلين فإننا سنجد ملعباً واحداً هو الملعب الأولمبي، بالرغم من أن برلين هي أكبر مدن الاتحاد الأوروبي، وتمتلك مساحات خضر بصورة لا يمكن مقارنتها بعاصمتنا الحبيبة بغداد.
قد يحتج البعض على هذا الكلام بأن العاصمة الإنجليزية لندن تضم عدداً من الملاعب الكبرى، أشهرها ملعب تشيلسي، وملعب نادي آرسنال، وملعب توتنهام هوتسبيرز، وآخر لنادي كرستال بالاس، ورابع لنادي فولهام، بالإضافة إلى ملعب لندن الأولمبي. حسناً.. فإننا نقول إن لندن هي واحدة من أهم عواصم كرة القدم في أوروبا والعالم، وقطاع كرة القدم يعد من أهم القطاعات التجارية فيها، حتى أن كثيراً من السياح يأتون لمشاهدة هذه الملاعب التي تمتاز بالعراقة، من ناحية التصميم أولاً، وثانياً للعراقة والتقاليد والإرث التي تميز كرة القدم فيها، وتقديمها كسلعة مطلوبة في كل أنحاء العالم. يكفي أن نقول أن بيع حقوق المباراة الفاصلة للتأهل من الدرجة الأولى الى الممتازة، التي تقام في ملعب ويمبلي اللندني، تدر أرباحاً تصل الى 200مليون باوند، تعطى للفريق الفائز. زد على ذلك أن حقوق بث مباريات الدوري الإنجليزي تصل الى مليارات الدولارات سنوياً، كما أن العمل في هذه الملاعب يوفر آلاف الوظائف، وتستقبل غالبية ملاعب أوروبا، ولندن على وجه الخصوص، نشاطات أخرى، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الرياضي أو الفني، وهي مفتوحة طوال فترة العمل في الأيام الاعتيادية. فلا مجال للمقارنة بين ملاعب لندن وأنشطتها المتعددة وملاعب بغداد التي أقيمت دون دراسة لفوائدها ومضارها، حالياً ومستقبلياً.
ثمانية ملاعب في قطر
وإذا تحولنا إلى قطر، التي سوف تستضيف نهاية هذا العام أهم حدث كروي على سطح هذا الكوكب، فإن الملاعب التي بنتها، أو قامت بتجديدها، لا تتعدى ثمانية ملاعب، وقد شيدت لتكون صديقة للبيئة، بحيث تستقبل نشاطات اجتماعية وتجارية، بالإضافة الى أنها تعتمد الطاقة الشمسية، وبمخلفات كاربون بنسبة صفر بالمئة، كما أن فيها ملاعب ذكية شيدت من أجل كأس العالم فقط، إذ سيتم تفكيكها بعد نهاية المونديال حتى لا تؤثر على التخطيط العمراني للبلد، مثل الملعب المعروف بـ (ستاد 974). ليس لنا، في نهاية هذا الموضوع، سوى المطالبة، وبشدة، بالتوقف عن بناء ملاعب جديدة في بغداد، لأنها تحتاج الى أشياء أخرى أهم بكثير من ملاعب كرة القدم، ولاسيما أنها تحتل المرتبة الثانية بين المدن العربية الأكثر اكتظاظاً بالسكان بعد القاهرة.