العنف المدرسي..مستقبلٌ مجهول وصحةٌ نفسية مرهقة

400

علي غني/

أثار فتح ملف وفاة طالبة، طردتها معلمة ابتدائية في منطقة الموصل لعدم ارتدائها الحجاب، غضباً واسعاً في البلاد، فقد نعت وزارة التربية الطفلة وأعلنت، في بيان، أن تحقيقاً فتح بشأن وفاة الطفلة سما الموصلية البالغة من العمر 12 عاماً، بعد أنباء جرى تداولها بخصوص منعها من الدخول لأداء الامتحان بسبب عدم ارتدائها الحجاب قبل أن تفارق الحياة.
كما كشف البيان أن وزير التربية، علي الدليمي، اتصل بعائلة الفتاة الفقيدة، وهي إحدى تلميذات مدرسة (أغادير للبنات) التابعة إلى تربية نينوى، معزياً، ووجه بالمتابعة العاجلة للحادثة والوقوف على حيثيات الموضوع.
يصر بعض المديرين على تعنيف الطلبة لسبب وبدونه، ويتدخلون في تفاصيل حياتهم الشخصية، ويرفعون (العصا) شعاراً للتربية، ويتناسون أننا في القرن الحادي والعشرين.
أغادير لم تكن إلا واحدة من القصص العديدة عن العنف المدرسي.
يروي أحد أولياء أمور الطلاب أن أحد المعلمين كسر أنف ابنه، وأنه مازال يتنقل به من مشفى إلى آخر، وبعضهم أكد أن بعض الإدارات مازال المعلمون فيها يعاقبون طلبتهم بصفعهم على وجوههم، ما يتسبب بأذى نفسي وجسدي لهم.
أعداد كبيرة من الطلبة والتلاميذ كرهوا المدرسة وهربوا الى الشوارع بسبب العنف الذي تمارسه بعض المدارس، ولكن لماذا تستمر ظاهرة العنف المدرسي رغم منعها، وما هي أسبابها وجذورها؟
تقول الدكتورة شيماء العباسي، أستاذة العلوم التربوية والنفسية في كلية التربية / ابن رشد / في جامعة بغداد: إن أحد الأسباب التي تدفع المعلم الى تبنى هذا الأسلوب العدواني في التعامل مع الطلبة هو فشل الإعداد التربوي الصحيح للمعلم في كيفية التعامل الصحيح، المبني على معرفة نفسية الطفل والمرحلة العمرية التي يمر بها، الى جانب كثرة أعداد الطلبة في الصف الواحد، ما يجعل من الصعب السيطرة عليهم إلا باستخدام العنف وسياسة التخويف ليضمن المعلم السيطرة عليهم، كما لا ننسى ظروف المجتمع وعدم تفعيل القوانين، ما انعكس سلباً على كل مجالات الحياة، ومنها المدرسة التي تتمثل بالمعلم وأسلوب تعامله مع الطلبة.
إجراءات مشددة
فيما يقول الدكتور حسين سالم، مدير مركز البحوث والدراسات في وزارة التربية، إن الوزارة لا تتسامح في مسألة استخدام العنف، سواء أكان الضحية المعلم أم الطالب والتلميذ، فإذا كان المدرس أو المعلم هو المعتدي فيجب أن يحال إلى مجلس تحقيقي، وتتخذ بحقه عقوبات انضباطية، في حال وجود تقصير، وهذا الحال ينطبق على الطلبة. ويؤكد الدكتور سالم على أهمية اتباع الأساليب التربوية والديمقراطية في معالجة المشكلات، أما في حال وقوع ضرر كبير على التلميذ او الطالب، ولاسيما في الأمور التي تلحق أذىً جسدياً، فمثل هذه الأمور قد تحال إلى مراكز الشرطة.
ويضيف أن وزير التربية يتابع حالات العنف، ودائماً يوجه بتفعيل دور الإرشاد التربوي، ودور الإدارات في تشخيص المتعرضين للتنمر (الضحايا)، والمتنمرين (المعتدين)، ومحاولة اصلاح شأنهم، والبحث عن الأسباب الأسرية والنفسية التي تؤدي الى العنف، وإدخال المعلمين في دورات لتدريبهم على اتباع آليات تشخيص التنمر ومعالجته.
كما عقدت الوزارة مؤتمراً عن التنمر المدرسي وأنواعه، بما فيها التنمر اللفظي والجسدي والإلكتروني والمعنوي، أكد على أهمية نشر قيم التسامح واحترام الآخر وبث روح التعاون.

آثار سلبية
من جانبها، عدت الدكتورة إيمان حسن جعدان، الأستاذ المساعد في جامعة بغداد كلية التربية /ابن رشد/ للعلوم الإنسانية، المتخصصة في الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي، أن اللجوء الى الضرب أسلوب مرفوض تمنعه تعليمات وقوانين وزارة التربية العراقية، إلا أن الأمر يختلف على أرض الواقع، ولاسيما بعد انتهاء فترة الحجر الصحي في ظل جائحة كورونا وعودة التلاميذ الى المدارس، إذ من المتوقع ظهور العديد من المشكلات السلوكية عند التلاميذ، ومنها سلوك التنمر بين التلاميذ، وهنا يقع المعلمون في ورطة، تدفعهم الى استعمال أسلوب الضرب كوسيلة، معتقدين أن ضرب التلاميذ يردع التلميذ عن فعل السلوكيات الخاطئة غير المرغوب فيها داخل الصف والمدرسة، متجاهلين بذلك الآثار السلبية للضرب، ولاسيما عندما يقوم المعلم بضرب التلميذ على الرأس، (وقد هرب العديد من التلاميذ الصغار من المدارس بسبب هذه العقوبة الخطرة)، وكذلك الوجه او أماكن أخرى في جسده قد تسبب له عاهات مستديمة، اعتقادا منه بأن الضرب يقوّم سلوك التلميذ ما يجعل التلميذ يلتزم بالضوابط والتعليمات المدرسية وأداء واجباته، إلا أن الضرب في الحقيقة يعزز شعور الخوف عند التلميذ من المعلم والمدرسة، الى جانب الأذى النفسي والجسدي، الذي قد يعكسه في المستقبل على أقرانه، مشيراً الى أن الضرب يؤثر على قدرات التلميذ المعرفية وقابلياته للتعلم، ما يؤدي الى تسربه من المدرسة.
تضيف الدكتورة إيمان أن المعلم يتحمل جزءاً من أسباب استخدام العنف، لعدم قدرته على ضبط التلاميذ داخل الصف الدراسي، وقد يكون ذلك نتيجة ضغوط الحياة، أو كثرة أعداد التلاميذ في الصف الدراسي، ما ينعكس بصورة سلبية على أدائه داخل الصف، كذلك تقصير بعض مدراء المدارس الذين مازالوا لا يعطون المرشد التربوي الدور الحقيقي في إنجاح العملية الإرشادية لعلاج كثير من المشكلات السلوكية التي يعاني منها التلاميذ .

النفور من العمل
وبينت الدكتورة إيمان، أنه على الرغم من قدم تجربة الإرشاد في مدارسنا، إلا أن دور المرشد التربوي مازال غامضاً لدى بعض مديري المدارس، إذ يزجونه في أعمال إدارية خارج تخصصه، وقد يكلفونه بأمور ليست من مهامه الإرشادية والتوجيهية، ما يدفعه الى الشعور بالنفور من العمل، فضلاً عن أن بعض المدارس الابتدائية والمتوسطة مازالت تخلو من المرشد التربوي أصلاً.
نتمنى على وزارة التربية الاهتمام بالمرشد التربوي وبمكانته، وإبراز دوره المهني من خلال وسائل الإعلام التربوي في المديريات العامة للتربية، وتبصير إدارة المدرسة بمهام ومسؤوليات المرشد التربوي.

ظاهرة مرفوضة
المشرف التربوي صباح ناصر حسين، من تربية الكرخ الثانية، أكد أن العنف الذي يمارسه بعض التربويين تجاه تلاميذهم مرفوض، فقد يرافق هذا العنف اعتداء كلامي، علماً أن هناك حقيقة واضحة، هي أن الوزارة ومديرياتها لا تتسامحان مطلقاً مع المعلم او المدرس الذي يوقع أذىً على طلابه، بل إنه قد يترك المدرسة بسبب هذا الأسلوب غير التربوي وتفرض عليه عقوبات شديدة.
وتابع حسين أن ضغوط الحياة قد تدفع بالمعلم الى ممارسة العنف، لكنها ليست بالمبرر الواقعي، لأن التربوي صاحب رسالة وعليه أن يتحمل الظروف المعقدة مهما كان ثقلها.
فيما لفتت مديرة مدرسة (الابتهال الابتدائية) ندى مالك عبد الحسين، إلى أن ظاهرة العنف تحدث على نحو واضح في مدارس البنين أكثر من مدارس البنات، ومرد ذلك هو أن البنات يملن إلى الهدوء والالتزام بالتعليمات، وأن ظاهرة العنف الجسدي والمعنوي تؤدي الى تفاقم المشكلات التربوية، ونحن –كإدارات- نوجه الملاكات التعليمية باتباع التوجيهات الصحيحة والحلول التربوية الناجعة. وأضافت أن العنف لا يحل مشكلة، وإنما الأساليب التربوية، وحسن التعامل، وأن تشجيع الصغار وجذبهم إلى المدرسة من الأمور الواجب التعامل بها، التي هي من اختصاص المعلم.