ماذا تعرف عن مركز الإمام الحسين “ع” لترميم المخطوطات؟

642

حوار وتصوير : ولاء الصفار

تمثل المخطوطات تراثاً ثميناً بحاجة ماسة لمن يحافظ عليه ويبقيه بأبهى حلله بقصد الإفادة منه، وهو ما حدا بالمؤسسات الحكومية، وغير الحكومية، أن تهتم بتراثها وتنشئ مراكز ومعاهد متخصصة بترميم المخطوطات وإعادة طباعتها للاستفادة من معينها، وإتاحتها للباحثين والمتخصصين.
يفتقر العراق إلى مراكز تخصصية لترميم المخطوطات، وإزاء هذا التحدي الكبير عملت العتبة الحسينية على إنشاء مركز يعيد مخطوطاتها ويحفظها، ما دفعها الى التواصل المستمر مع المراكز العالمية للحيلولة دون الوقوع بأي خطأ يحصل ولو كان بنسبة (1%) لأنه يتسبب بإتلاف المخطوطة بشكل عام والطبقات اللونية الموجودة بشكل خاص.
عمل دؤوب وخبرات مكتسبة واجتهاد، أثمرت عن ولادة “مركز الإمام الحسين عليه السلام لترميم المخطوطات ورعاية الباحثين” كمركز يضاهي المراكز العالمية، بات الأول في العراق، لما يمتلكه من مختبرات متطورة وخبرات متراكمة ومهارة قلَّ نظيرها، بإشادة خبراء متخصصين في هذا المجال.
مجلة (الشبكة) تجولت في أروقة مركز الإمام الحسين لترميم المخطوطات ورعاية الباحثين، وسبرت أغوارها لتضع قراءها عن قرب من ذلك التراث الثرّ الذي ينسب بعضه إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام، والبعض الآخر لعلماء أفنوا حياتهم في حفظ الإسلام المحمدي الأصيل.
يقول مدير المركز مناف التميمي: “إن المركز تأسس عام 2005 وكان محط اهتمام كبير من قبل ممثل المرجعية الدينية العليا والمتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي بعد توليه إدارة العتبة المقدسة عقب سقوط النظام البائد، كونه يولي اهتماماً خاصاً بحفظ التراث المخطوط”، لافتاً الى أن “المركز يضم اقساماً عدة من بينها: (قسم إدارة المركز، وقسم المختبر البايولوجي، وقسم المختبر الكيميائي، وقسم ترميم المخطوطات، وقسم التوثيق الصوري والإنتاج الفني، وقسم الصيانة الوقائية للمخطوطات، وقسم الفنون الإسلامية، وقسم رعاية الباحثين، وقسم فهرسة المخطوطات)، وجميع تلك الأقسام متخصصة في مجال حفظ التراث الخطي.”
سرقة المخطوطات
وأشار التميمي الى أن “خزانة المخطوطات الخاصة بمرقد الإمام الحسين عليه السلام كانت تضم مخطوطات نادرة ومهمة، إلا أنها تعرضت في زمن النظام البائد الى نهب وحرق من قبل أزلامه، كما هو الحال في العديد من المقتنيات الخاصة بالمرقد الشريف، إذ أن الإدارة الجديدة للعتبة الحسينية، التي تشكلت بعد سقوط النظام البائد، حين فحصها للخزينة الخاصة بالمرقد الشريف، لم تجد سوى مخطوطات قليلة العدد، ما دفعنا الى إعادة الخزانة لتضم مخطوطات مهمة ونادرة، فجرى تخصيص مبالغ طائلة لشراء المخطوطات، ومنها المخطوطات المهداة من قبل المواطنين، وقد جرى العمل بشكل مكثف، وتمكنا خلال فترة من تزويد الخزانة بـ(5700) مخطوطة لعلومٍ مختلفة، كالفقه والأصول والنحو والصرف والبلاغة وعلم الحساب والطب وعلم الهيأة وغيرها.”
ولفت الى أن لخزانة العتبة الحسينية المقدسة خصوصية تميزها عن بقية المكتبات، كونها تضم حالياً مخطوطات تعود الى القرن الأول الهجري حتى قرون متأخرة، ولاسيما المصحف المنسوب إلى الإمام زين العابدين عليه السلام، كما أن الخزانة تحتوي على نسخ خطية نفيسة بخط مصنفيها، إضافة الى ذلك تحتوي الخزانة على نسخٍ عليها بلاغات وسماعات لعلماء مشهورين كان لهم الدور في الحفاظ على بيضة الإسلام بشكل عام، ومذهب أهل البيت عليهم السلام بشكل خاص.
الإصابات الفطرية
وبيّن التميمي أن قسم المختبر البايولوجي يهتم بتشخيص الإصابات الفطرية التي تتعرض لها المخطوطات وكيفية معالجتها، وقد جرى تسجيل ثلاث عشرة سلالة فطرية بطريقة PCR في المركز الوطني للتقانات الإحيائية سجلت باسم المركز. أما قسم المختبر الكيميائي، فإنه يهتم بمعالجة الإصابات الفطرية للمخطوطات باستعمال مواد كيميائية وطبيعية صديقةٌ للبيئة، أي أنها لا تؤثر على المخطوطات والعاملين عليها، كذلك يجري في هذا القسم تثبيت الطبقات اللونية الموجودة على ورق المخطوطات وجلودها، الى جانب معالجة قوة الشد الموجودة في الأوراق ومعالجة الحامضية في ورق المخطوطات، ومن مهامه أيضا تحضير الصبغات اللونية التي تدخل في تلوين الورق، كذلك تحضير اللواصق السللوزية التي تستعمل كمادة لاصقة، فضلاً عن تقديم الاستشارات ضمن الاختصاص خارج نطاق المركز: (مستشفى السفير، ومستشفى زين العابدين عليه السلام، ومكتبة جامعة الوارث) وغيرها من المكتبات العامة والخاصة.
أما قسم ترميم المخطوطات المختص بترميم ورق وجلود المخطوطات، فمهمة هذا القسم هي الحفاظ على التراث الخطي من الضرر والاندثار من خلال إحياء الورق المخطوط الذي تعرض للأضرار المختلفة، إذ يقوم العاملون في هذا القسم بترميم ورق المخطوطات بطرق عدة وفق معايير علمية متبعة في العديد من الجامعات والمؤسسات العالمية والعربية، حسب حالة الضرر الذي تعرضت له تلك الأوراق، ومن أشهر طرق الترميم استعمال الورق الياباني كورق (الكوزو)، وورق (الشوهارا)، كذلك الترميم باستعمال عجينة الورق بتقنية أجهزة (الفاكيوم)، وهناك طرق أخرى للترميم، قد يستعملها المرمم حسب حالة المخطوطة وما يناسبها.
كذلك يقوم المرممون في هذا القسم بفصل الأوراق المتلاصقة باستعمال تقنية معينة.
وأشار الى أن القسم شارك بترميم مخطوطات متحف التاريخ الطبيعي لجامعة بغداد، وترميم مصحف لجامعة سامراء، وترميم العديد من المخطوطات والوثائق الخطية لمكتبات عامة بعد استحصال الموافقة من المتولي الشرعي. بينما يقع على عاتق قسم التوثيق الصوري والإنتاج الفني توثيق المخطوطات صورياً باستعمال كاميرات ذات دقة عاليةٍ في التصوير، فيجري توثيق المخطوطة أثناء عملية فحصها وترميمها وتجليدها، وفي الحصيلة النهائية توثق المخطوطة صورياً قبل الترميم وبعده، وأثناء عملية الترميم أيضا، كذلك معالجة الصور بأحدث برامج الإنتاج والتصميم الفني (Adobe Photoshop, lightroom). كما أن لقسم الصيانة الوقائية للمخطوطات دوراً مهماً في الحفاظ على الكتب الخطية من خلال تنظيف المخطوطات تنظيفاً ميكانيكياً باستعمال فرشاة خاصة وأنواعٍ من الإسفنج الطبيعي لتخليص المخطوطات من العوالق المختلفة.
رعاية الباحثين
وأكد مدير مركز الإمام الحسين لترميم المخطوطات ورعاية الباحثين أن لقسم الفنون الإسلامية بعض المخطوطات الإسلامية تحوي صوراً مرسومةً وزخارف إسلامية متنوعة وأغلفة ذات رسوم مختلفة تحت مسميات مختلفة، كفن (المنياتور) وفن (اللاكي) وفن (الآبرو)، ويجري في هذا القسم ترميم تلك الرسومات باستعمال ألوان طبيعية تتجانس وتلك الرسوم والنقوش، واستعمال الذهب والفضة في ترميم الزخارف. ويعمل في هذا القسم مختصون بهذه الفنون الإسلاميةِ الخاصة. أما قسم رعاية الباحثين، فإن له دوراً مهماً في احياءِ التراث الخطي أولاً، ودعم الباحثين في شتى العلوم ثانياً، فمختبرات المركز متاحة أمام الباحثين، ولاسيما طلبة الدراسات العليا، وايضاً توفير النسخ الخطية غير المحققة للباحثين لأجل تحقيقها، وكذلك إقامة المؤتمرات والندوات العلمية وورش العمل في المجالات كافة . أما قسم فهرسة المخطوطات فيجري فيه إعداد فهرسة توصيفية دقيقة لكل مخطوطة في خزانة العتبة المقدسة، وهذه الفهرسة متاحة للمحققين والباحثين للاطلاع عليها لينالوا مرادهم في الحصول على نسخة خطية لغرض التحقيق، كذلك عمل برامج خاصة لفهرسة مخطوطات المركز وبعض مراكز العتبة الحسينية المقدسة.
دورات تدريبية
ونوّه الى أن للمركز دوراً مهماً في تنظيم دورات تدريبية لكوادر المؤسسات والمراكز والكليات المهتمة بالكتب الخطية، والمشاركة بالبحوث العلمية في الجامعات والمؤسسات العراقية والعربية، وإقامة المعارض والنشاطات الثقافية في الجامعات والمؤسسات. وكان لهذه الدورات الأثر المهم في حفظ ما تملكه تلك المراكز والمؤسسات من مخطوطاتٍ، ولم تقتصر تلك الدورات على المؤسسات داخل العراقِ فحسب، بل إن صدى المركز قد وصل الى العالم العربي، وهذا بدوره قد خلق إقبالاً لبعض المؤسسات من خارج العراق لتلقي دورات تدريبية في مركزنا.
وأضاف أن للمركز دوراً مهماً بتقديم الاستشارات العلمية لأساتذة وطلبة الجامعات، كذلك إلقاء المحاضرات التخصصية في بعض أقسام كليات الآثار في العراق، كما جري إكمال المتطلبات الخاصة بدراستي الماجستير، في جامعة كربلاء، وكلية التربية للعلوم الصرفة بإشراف أ.د. بان طه محمد، الدراسة الأولى للباحث محمد الوائلي حملت عنوان (خصائص الفطريات المرافقة للمخطوطات في العتبة الحسينية المقدسة في مدينة كربلاء)، والدراسة الثانية للباحثة آلاء عقيل جاسم حملت عنوان (تقدير فعالية بعض الجزيئات النانوية في السيطرة على التلوث بالفطريات المعزولة من بعض المخطوطات التاريخية في العتبة الحسينية).
كما أطلق المركز مشاريع عدة كان أهمها طباعة شروح دعاء الصباح المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام، التي تربو على الأربعين شرحا، كذلك من ضمن المشاريع طباعة مئة رسالة جامعية جرى انتقاؤها لما لها من دور في خدمة التراث الخطي او خدمة ديننا الإسلامي بشكل عام وخدمة المجتمع، وكذلك تحقيق وطباعة العديد من النسخ الخطية.
وقال مدير مركز الامام الحسين لترميم المخطوطات ورعاية الباحثين إن المركز يطمح الى تأسيس معهد خاص بترميم المخطوطات تابع إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.