إلهام المدفعي: صنعت بنفسي لوني الغنائي
آية منصور – تصوير: يوسف مهدي /
مثل الفنان إلهام المدفعي ظاهرة فنية فريدة في الغناء العراقي، فقد تميز بمزج الآلات الغربية بالغناء الشرقي. وبعد انقطاع طويل، عاد الى بغداد ليعتلي خشبة المسرح الوطني في حفل شهد حضوراً شبابياً لافتاً قدم فيه المدفعي مجموعة من أغنياته الشهيرة التي لامست مشاعر الجمهور الذي تفاعل معها، ومن بينها أغنيتا “خطار” و”أشقر بشامة”.
عقد المدفعي -قبل الحفل- مؤتمراً صحفياً حضرته “مجلة الشبكة العراقية” تحدث فيه عن مسيرته الغنائية وأهم المحطات الفنية في حياته.
وأكد المدفعي -المقيم في الخارج- أن “بغداد لم تغب عن باله يوماً،” معبراً عن أهمية إقامة حفله فيها، الذي شهد حضوراً شبابياً كشف عنه حجز بطاقات حضور الحفل، لافتاً الى “أهمية إقامة الحفل في المسرح الوطني، لما يمثله هذا الصرح الرائع من مكانة في قلب كل فنان.”
ولع ببغداد وأهلها
خلال المؤتمر، تحدث محمد المدفعي، نجل الفنان إلهام المدفعي، مشيراً الى ولع والده ببغداد وأهلها، مؤكداً أن الحياة بالنسبة الى والده قائمة على الفن.
وذكر محمد أن والده لم يترك الفن حتى في أكثر أيام العالم قتامة، ومنها أيام الحجر الأولى بسبب وباء كورونا، إذ أقام الفنان إلهام المدفعي عدداً من الحفلات “أولاين” بدون جمهور، فقط لإيصال رسالته الفنية.
ويعدّ الفنان إلهام المدفعي ظاهرة فنية أحدثت جدلاً كبيراً استمر نصف قرن في الساحة الغنائية، لكنها سرعان ماتبلورت الى مشروع فني صار له أتباع ومجددون.
وقد نجح المدفعي بإدخال الفرح في الأغنية العراقية التي غالباً ما عرفت بالمواويل والمقامات التي يأخذ الحزن مساحة واسعة فيها.
فنان فطري
وقال المدفعي، المولود في الأعظمية عام 1942، إنه “فنان فطري، تعلم بنفسه العزف والغناء على الآلات الموسيقية، العربية والغربية، دون أن يشارك في أية دورات تعليمية، بل إنه اعتمد على المزواجة بين الفلكلور العراقي والموسيقى الغربية، باستخدام اللهجة البغدادية المميزة.” وأضاف أنه واجه معارضة شديدة في بداية احترافه الغناء، كما واجه صعوبات في إقناع المسؤولين في التلفزيون ببث أغنياته، إذ رفض عدد كبير من الأغنيات التي قدمها في بداية مسيرته الفنية.
وأشار الى أن “البعض كانوا يريدون الاحتفاظ بالغناء السائد دون تجديد، وعبروا عن خوفهم من فقدان الأغنية العراقية لهويتها حينذاك. لكنني لم أستسلم، بل بقيت مدافعاً عن الفن الذي صنعته ولم أقلد فيه أحداً، حتى أصبح لي محبون وجمهور وفي.”
الشباب أول من حجز للحفل
فيما ذكر نجله محمد المدفعي أنه كان شديد التأثر والحماس حينما علم أن أغلب الحجوزات لحفل المسرح الوطني كانت من قبل الشباب، مؤكداً أنه كان يعتقد أن الجيل الكبير نسبياً، هو فقط من سيحضر الحفل، لكن الجيل الجديد كان له رأي آخر، مستدركاً “على الرغم من أنني تركت العراق منذ سنوات طوال، ولم أعمل كثيراً على الحضور في وسائل التواصل الاجتماعي بجمهوري، بسبب انشغالي بحفلاتي المتواصلة في عدد من العواصم والمدن الأوربية.”
الجوية وإلهام
وتطرق الفنان المدفعي، الى عالم الرياضة لكونه محباً وعاشقاً له، موضحاً أن للرياضة تأثيراً كبيراً في وقوفه على المسارح، مشيراً الى أنه من عشاق نادي الجوية محلياً، ومانشستر سيتي أوروبياً، فهو يحب الرياضة كثيراً ويقضي ساعات في اللعب، مبيناً أنه كان يمارس لعبة كرة القدم في بغداد قبل اغترابه، مضيفاً “غبت عن بغداد مجبراً، لكن العودة لا بد منها، فهي المدينة الساحرة بتراثها وناسها وعمرانها.”
الغناء العراقي الفرح
وبشأن الفرق بين الفلكلورين العراقي والأردني ، أوضح المدفعي أن هناك اختلافاً كبيراً بينهما.. فالأول له تأريخ قديم وراسخ بالرغم من مروره بظروف صعبة، لكنه يشترك مع الفلكلور الأردني بالغناء البدوي “تجمعنا الصحراء الممتدة بين الأردن والعراق، اللذين كانا بلداً واحداً حتى عام 1924، فكثير من الأغاني يؤديها البدو الرحل، وينقلونها، الى أن ضاعت نسبة أية أغنية لأي بلد؛ بسبب غياب التوثيق”.
وأكد أن “الفلكلور يعطي صورة حقيقية عن المجتمعات، ويعرف بهويتها وطريقة عيش سكانها.” ويكمل أنه “يعيش سنين طوال مع الأغاني نفسها، وأن الأغنية في داخله تتطور مرات عدة، لكنه يغنيها كل مرة بلحن وشكل مختلفين.”
يكمل المدفعي حديثه للحضور في المؤتمر ويقول إنه “بدأ بأغنية (فوك النخل)، المختلف عليها في أسلوب تلقيها من قبل الأجيال المتعاقبة، فالأجيال تتغير، وبالتالي لابد من إجراء ثلاثة الى أربعة تطورات أحياناً على الأغنية الواحدة، وأنا ما زلت أواصل التقرب من فهم الأجيال وأعمل تغييرات مستمرة على الأغنية مع الإبقاء على أصل اللحن والكلام.”
الأغنية العراقية
وختم المدفعي حديثه بالقول: “بفضل الأغنية العراقية استطعت أن أعتلي أهم المسارح العالمية وأقدم ما أنجزته من أغان وموسيقى.” نافياً خلال رده على أحد الأسئلة أن تكون هذه حفلته الأخيرة في العراق، مشدداً على محاولته نشر الحب والفرح أينما حل وفي أي مكان.