أحدهم يقدم لضيوفه “الفشافيش” وآخر يستعير بدلة للغناء ولا يعيدها..! وللفن.. بخلاؤه

401

عادل مكي/

يحدثنا التاريخ العربي عن البخل والبخلاء في أمثلة وقصص كثيرة.. فالجاحظ مثلا اهتم بتلك الفئة من الناس، فذكرهم في كتابه المعروف (البخلاء). لكننا هنا سنتحدث عن بخل أهل الفن والغناء في وقتنا الحاضر، فالفنان ليس ملاكاً ضل طريقة في عالمنا، إنهم بشر يعاني العديد منهم من خصال سيئة وغريبة، تجبر الآخرين أحياناً على الابتعاد عنهم، وفي المقابل فإن بعضهم له مزايا وصفات كرم وإغداق كبيرين. لكننا هنا سنتناول الصفة الأولى (البخل)، او الحرص الشديد والزائد لدى أهل الفن العربي والعراقي.
تؤكد الأوساط الفنية في مصر أن الفنان المرحوم محمود عبد العزيز كان لا يدعو أي شخص الى مناسبة خاصة في بيته، لكنه دائم الحضور في كل مناسبة لدى الآخرين، في حين كان الفنان أحمد زكي يتسم بالكرم الشديد، فهو الذي (يحاسب) في كل جلسة سمر مع أصدقائه، وكان الفنان محمود عبد العزيز الضيف الدائم الذي لا يدفع فاتورة حساب ولو ليوم واحد، وكلما جاءوا اليه بها يقول (أحمد زكي هيدفع)، وسط ضحكات المحيطين.
والحال ينطبق على الفنان هاني شاكر الذي يقال إنه لا يقدم لضيوفه سوى الشاي بنوعيه العادي او الأخضر، والأخير يقدمه للضيف المهم، أما في مجال عمله فإنه يستعين بشعراء وموسيقيين بأجور متدنية، ما أدى الى تراجع مستواه الفني قياساً الى بداياته الفنية.
وعادل إمام بخيل أيضاً!
كذلك الحال مع محمد هنيدي ومحمود حميدة، فهما لا يظهران في اي برنامج متلفز إلا بأجور تصرف لهما مقدماً، وحالة البخل طالت أيضاً الفنانين عادل إمام وآثار الحكيم وحسين فهمي.. والقائمة تطول. أما الذين يتسمون بالكرم الشديد فمنهم أحمد السقا والراحل نور الشريف والفنان العالمي عمر الشريف والممثل محمد سعد وغادة عبد الرازق.
بخلاء الفن العراقي
أما في العراق، فأهل الوسط الفني يطلقون كلمة (ملاكم) على كل فنان بخيل، يعني (كرميدة) بالمصطلح الشعبي العراقي.
و(الملاكم) هو الذي يبخس حق الشاعر او الملحن، الذي لا يغدق على المقربين منه ولو بوجبة عشاء في أية مناسبة، حتى لو كانت مجرد دعوة على (لفة فلافل).
يقول الشاعر الغنائي حسين الشريفي: مشكلة التعامل مع هذه الفئة البخيلة متأصلة وقديمة عند بعض أهل الفن والطرب، والعديد منهم يبخس حقوقنا المادية، وحتى لو أعطاها فـ (بشق الأنفس)، وإن دفعت فإنها تأتي ناقصة وبعد معاناة طويلة من المطالبة بها.
فشافيش..!
أما الصحفي عباس غيلان، الذي كان يمتلك ستوديو للتسجيل الصوتي فقد قال: “هذه المشكلة كانت ومازالت هي سمة لدى البعض.. فقد هاتفني أحد المقربين لمطرب تسعيني قائلاً: المطرب ع..م الذي كانت (أشرطته) وحفلاته تحققان أرقاماً خيالية، عندما كنا ننتهي من تسجيل أي كاسيت جديد له يقوم بعدها بدعوة كل المشاركين معه في جلسة التسجيل من شعراء وملحنين الى بيته الى وجبة عشاء تكون عبارة عن (فشافيش) مقسمة كل أربعة أفراد بصحن واحد مع صمونة واحدة فقط مع كرزات (حب عين الشمس) موضوعة في صحون الشاي الصغيرة.”
في حين كان مطرب آخر، من نفس جيله التسعيني، يجلب لطاقم استديو التسجيل الصوتي قدراً يحوي (رزاً ومرق فاصوليا) وبدون لحم، وذلك بعد أن طالبه الطاقم بتوفير الغداء كونه يعمل لساعات طوال معه.
كذلك كان هناك مطرب من الجيل السبعيني، ينقل الفرقة الموسيقية المرافقة لحفلاته بسيارة (بك أب) لكونها أرخص سعراً من سيارات الأجرة الأخرى.
ومطرب آخر هو الآن نجم معروف وكبير، كان يستدين بدلات وربطات عنق من المقربين له لغرض التصوير، ولا يقوم بإعادتها الى أصحابها مدعياً بأنه يعتز بها لأنه صور بها ذلك الكليب .
الساهر وحاتم العراقي
الأحاديث والقصص كثيرة، وأبطالها مطربون من الدرجة الأولى، نحتاج الى أكثر من مقال كي نغطيها جميعاً. لكن يبقى في الجانب الآخر، أي الجانب المشرق للكرماء منهم، الذين يتسمون بالكرم تجاه أصدقائهم وناسهم، يتصدرهم الفنان الكبير كاظم الساهر، ففي زمن الحصار كانت مهمة مدير أعماله السابق منذر كريم هي توزيع المساعدات لكل فنان او موسيقي او شاعر او صحفي يحتاج الى المساعدة، بدون أن يطلب، حتى أصبحت تسجيلات كاظم الساهر في شارع فلسطين عبارة عن بنك مصغر لتلك المساعدات.
كذلك الحال مع الفنان حاتم العراقي الذي لم يختلف عن الساهر في مساعدة المحتاج من أبناء وسطه، وكذلك مساعدته لكل شخص مريض أو محتاج، سواء أكان فناناً او شاعراً او حتى إنساناً عادياً، بلا تردد، أو من يحتاج إجراء عملية جراحية له والاطمئنان عليه بلا انقطاع.
تلك بعض الصور المشرفة التي نطمح من خلال سردها أن يكون فناننا العراقي مثالاً للرقي والجمال والكرم، لأن الفنان هو سفير يمثل هذا البلد، الذي لم يعرف عنه سوى الكرم والإيثار والعطاء.