حكايات أخرى

1٬162

جمعة اللامي/

“الحِلْمُ رأسُ الأمورِ وَملاكها”

(كليلة ودمنة)

قبل الحديث في شؤون آمالنا الصغيرة، أو تلك الكبيرة منها: تعالوا نستعيد منفردين ما لقيه كل واحد منا في شأن الأمانة، سواء أكانت أمانة شخصية، أم أمانة عامة.

أودعك رجل محفظة، ثم قال لك: سأعود بعد شهر لآخذها. فإن حافظت عليها، فأنت أمين. ومن خير الأسماء: الأمين. وجاء اليك جماعة من الناس، وقال القائل باسمهم: نبايعك إماماً على ثلاث: الأمانة، الأمانة، والأمانة. فإن حفظت مال الناس، وعرض الناس، ودين الناس، حق على الناس مناداتك: الأمين.

وأنت يامن تقرأ في ورقتي هذه، ماذا ستخبرنا في شأن الأمانة والأمناء؟

نعم. لا تتردد وقل حيث تجلس، بل حدّث نفسك فقط، في شأن نملة أودعت نملة أخرى، حبة قمح. فكيف إذا أوْدَعْنا شؤون الله في الأرض، إلى واحد منا، أو مجموعة من بيننا؟

أيّ إساءة قليلة، ولو بمقدار حبة دخن، للأمانة العامة، جريمة كبرى، لا تستطيع أي شرعة أرضية أن تعيد إليها كرامتها، لأن الامانة العامة وديعة الله في عنقك.

“فاستقمْ كما أمرْتَ”.

والاستقامة هي الفضيلة المثالية التي يتمتع بها الإنسان. أو هي أثمن جوهرة، وأغلى جوهرة، يحتفظ بها الإنسان، كما يقول أحد الحكماء.

استمعت ذات مساء إلى حديث لأحد الأُمناء العراقيين، ورد في بعضه أنه كان يتحدث إلى أحد زواره في شأن عام، فوجد الحديث منقولاً إلى خارج مجلس الحديث، مع زيادات وزيادات.

سألني ذلك الرجل العراقي: أيجوز هذا؟

قلت: تسألني؟ إنك تضعني في تلك المحاورة القصيرة، بين علي بن أبي طالب، وابنه الحسن، رضي الله عنهما.

ـ ما تلك المحاورة؟

قلت: سأل الحسن والده: ما الفتيا؟ فرد علي: لقد كسرت الفتيا ظهر أبيك.

وهذه من ذرى الكلام، وأعالي الشريف من خصال الأنام.

وقد يأتيك حديث الأمانة، وأنت تقرأ في جريدة مهملة، كما حدث مع صاحبي “المتروك”، قبل أيام، حيث قرأ في جريدة قديمة، أن رجلاً أمريكياً اسمه جيفري إيركن براك، يعمل اختصاصياً في تشييد وترميم المنازل، وجد محفظتين في جدار كان يهدمه فقام بإعادتهما الى صاحبتيهما.

المفخرة هنا، أن المحفظتين كانتا قد سرقتا من المرأتين، قبل أربعين سنة.
.. والكلمة أمانة.