عراقيون يواجهون حرَّ الصيف بالأمنيات

216

آية البهادلي /

فيما تعود من العمل منهكاً، محاولاً التودد لأحلام الظهيرة من خلال قيلولة صغيرة، تنطفئ الكهرباء، وتستمر الشمس اللاهبة تتمدد بأشعتها القاسية نحو غرفتك، تستيقظ، ولا تفعل شيئاً أمام حجم السخونة التي تداهم جسدك، فتعوض هذا الهم بشرب الشاي!
يعاني المواطن هذه الايام ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة، إذ سجلت أكثر من عشر محافظات ومدن عراقية درجات هي الأعلى على مستوى العالم، وبأعلى من نصف درجة الغليان، مع انطفاء -يكاد يكون مستمراً- للكهرباء، يتصادف ذلك أحياناً مع عطل بعض المولدات الأهلية بسبب تشغيلها المستمر على مدار الساعة، فما الذي يتمناه المواطن العراقي مع هذه الأجواء “المشحونة”؟
التشجير فقط
“لا أفكر بحلول ترقيعية مؤقتة، أعلم أنها قد تنقذني هذا الصيف، ثم تدمرني في الصيف المقبل، ما يحتاجه العراق حقاً هو التشجير، ما أتمناه فعلاً هو رؤية الكثير من الأشجار، هذه الأشجار ستخفف الحرارة وتساعد في ضخ الأوكسجين الذي نحتاجه، مع مزيد من الظلال والدرجات المعتدلة، فما يحدث من طقس هو إجرام سببه انعدام التشجير.”
هذا ما تتمناه تبارك، التي تؤكد حلمها برؤية الخضار في الشوارع، معللة استمرار ارتفاع درجات الحرارة بغياب الخضرة، فلا التبريد ينفع ولا استمرار الكهرباء، إذ أن جميع التفاصيل التي تحدث في العراق هي من مسببات ارتفاع الحرارة.
“ما يحدث اليوم هو ازدياد الاستهلاك، والبناء بالطابوق، وانحسار الزراعة، فقد توسعت المدن وتقلصت المساحات الخضر، فإن ينقذنا مكيف الهواء في المنزل، فمن سينقذنا خارجه؟
كأس شاي كاف
“أريد كأسا من الشاي”، بهذه الجملة يفتتح محمد البدري أمنياته في مواجهة درجات الحرارة العالية، مؤكداً السخرية والمفارقة في شرب المزيد من الشاي، وتناسبه طردياً مع تقلبات الطقس، فكلما ارتفعت درجة الحرارة، كلما أحس العراقي بحاجة ملحة لتناول كوب مخدَّر مليء بالهال، إنه يواجه تعاسته بأبسط الامور، وللعلم فإنه يفرح بها، يكمل حديثه لـ “مجلة الشبكة” بالقول:
“ما الذي أتمناه؟ لم أفكر يوماً بهذا السؤال، لكني لطالما اعتمدت الشاي حلاً سحرياً عند شعوري بالغضب، فأجلس عند عتبة الباب، وأمسك بـ (مهفّة) يدوية الصنع أنتظر الفرج.”
شرطي المرور
أما سامي جبار، فإنه يتمنى شيئاً يراه محزناً بالنسبة له، هو أن يرى أجهزة تبريد، أو أي حل يساعد شرطة المرور والعاملين تحت الشمس على تحمل الحر، إنهم يعانون، جلدهم يكاد ينسلخ.
يقول سامي :”كلما شاهدت شرطي المرور أشعر بالألم لشدة الحر، وبينما أحاول إنعاش جسدي ببعض الهواء، أراقب وجوه شرطة المرور، الذين يضطرون –لطبيعة عملهم- أن يقفوا في منتصف الشارع، فأشعر ببطري ورفاهيتي اللامعقولين! فأنا أتذمر من الحر، وسط سيارتي المكيفة، فيما يبتسم شرطي المرور، او بائع الماء بين السيارات، وهم يسلمون أجسادهم للهيب، فهل من منقذ لهم؟ هذا هو ما أتمناه، أن تعوض جلودهم ببرودة منعشة.”
أريد غطاءً جوياً..!
تقول زهراء عباس إنها تتمنى وجود سحابة كبيرة تغطي الشمس جزئياً، لتمنح العراق قليلاً من ظلها، بديلاً عما تفعله الشمس، تسترجع حديثها وكأنها تتذكر شيئاً ما وتقول:
“الشمس هي الشمس، في العراق وفي باريس، لكن ما يسهل دخولها الغلاف الجوي العراقي بدون “فلتر” هو فقدان عوامل تنقيتها وجعلها أكثر تحملا بالنسبة لنا، وبما أن الحلول في العراق تتطلب سنوات ضوئية حتى يتم العمل بها، فأنا أطالب الدولة بصنع مشبك كبير يكون بمثابة خيمة واسعة تغطينا وترحمنا خلال الصيف.”
نوم بدون جهد
فيما يتمنى أحمد مجيد النوم بدون تقطع، مزامنة مع تقطع الكهرباء. يقول إن حياته تصبح جحيماً كلما وضع رأسه على الوسادة، صباحاً أو مساءً، جاءت الوطنية، انطأفت الوطنية، اشتغل التبريد، نهض التبريد، رجعت طفت، وهكذا.. في دوامة، تتقطع أحلامه وتتحول الى كوابيس، تطارده أجهزة التبريد العاطلة ويستفيق سابحاً بعرقه:
“أريد أن أنام مرتاحاً ولو لمرة واحدة في الصيف، دون هذه الهلاوس الغريبة التي تزورني، ينتابني الغضب دون مزاح، فأصبح عصبياً جداً حين استيقظ كل ربع ساعة بسبب الحر الشديد، أنزل من غرفتي، أغسل جسدي ووجهي، فلا ألحق، لأن كل قطرة ماء على جسدي تنشف بسرعة الضوء، فأعود الى دوامة السخونة.”
البكلوريا
أما راما البكري، وهي طالبة سادس إعدادي، فلا تتمنى سوى أن الامتحانات الوزارية تجري في وقت مبكر أو متأخر، بعيداً عن أشد أيام الصيف في العراق. تضحك فيما توضح أن المعلومات تسيح من عقل الطالب كما يسيح العرق، كما أن غالبية القاعات الامتحانية تضم عشرات الطلاب مع مبردة صغيرة لا تقدم هواء مجانياً.
“في الحقيقة، فإن ما يواجهه الطالب العراقي أثناء الامتحان أمر مؤسف وحزين، إذ لا أعتقد أن أحداً يفكر بهم وهم يؤدون امتحاناتهم تحت درجة حرارة 50 مئوية!”