جــــزراتنا الوسطية.. تسد النفس والنظر
إياد السعيد- الجزء الاول /
يتساءل مهتمون وأنا منهم: ماهو الغرض، أو الأغراض، من إنشاء الجزرات الوسطية في الشوارع داخل المدن؟ وقد نمنح أنفسنا الحق في الإجابة أيضاً من خلال ما نشهده ونشعر به، لأننا في تماس معها يومياً، فهي تمنع تصادم المركبات المقبلة من الجهتين، كما تمنع الاستدارة غير النظامية، وتكون حاجزاً يمنع عبور المشاة العشوائي.
وهي كذلك تضيف جمالية الى الشوارع إذا كانت ضمن تخطيط متقن، فتمنع تطاير الأتربة وتكوّن ظلاً جميلاً ذا فائدة في الصيف لتلطيف الجو، وثمة أغراض أخرى لا نعلمها بالطبع، قد يسعفنا بها الآخرون .
أفكار عديدة
آمنة حسن -مهندسة زراعية- تقول: “الغرابة في الأمر أن أعداد المهندسين الزراعيين كبيرة جداً، وغالبيتهم يمارسون مهناً أخرى بعيدة عن تخصصهم، فلماذا لا تستفيد منهم الجهات المسؤولة عن هذه الجزرات؟ فلدينا أفكار عديدة لتجميلها وتطويرها زراعياً، بدون الحاجة إلى إنشاءات أو نصب أو بناء، وتساؤلي هو: ماذا تفعل طواقم المهندسين في أمانة بغداد والبلديات؟”
في اتصال عبر الماسنجر مع صديق غادر العراق في التسعينيات، مهندس الطرق خيري هاشم: “غادرت العراق بسبب الظرف الاقتصادي المؤلم آنذاك، وعدت بخبرة لا يستهان بها لتطبيق أفكار جميلة ومنتجة ومهمة في نظري للطرق في بغداد، والطرق الرابطة بين المحافظات، تتعلق بأمان وسلامة مرتادي هذه الطرق التي تفصلها الجزرات المرورية – Traffic Islands – التي تنصّف الشارع، لكن للأسف صدمت وعدت إلى البلد الذي تقبلني مهندساً عاملاً فيه ورفضني بلدي بسبب عدم معرفتي بحزب او بأحد السياسيين لتعييني، مع أني غير محتاج للتعيين أصلاً، لكني أحببت أن أخدم شعبي لا أكثر.”
“ثمة من ينظر الى هذه الجزرات المرورية حسب ما تقدمه له، فقد يكون وجودها سلبياً بالنسبة له.” هذا ما ذكره الطبيب رائد أحمد: “ليست هناك أية فائدة للجزرة الوسطية، بل إن وجودها مضر ومؤذٍ لنا، فهي مجرد إطالة لامتداد الشارع لمنع استدارتنا حتى نصل الى التقاطع، وهذا سبب رئيس للزحامات في شوارعنا، والمفترض أن تلغى أو تقطع باستدارات لتوفير حرية الاستدارة بضوابط مرورية وقياسات تقلل من المخاطر.”
الإدامة والنظافة
في الجانب الآخر هناك أشخاص مهمتهم إدامة هذه الجزرات، منهم عامل النظافة بأجور، الشاب هادي سلمان، الذي يشكو لنا: “العمل في تنظيف الجزرات الوسطية متعب جداً، فالمشكلة تكمن بالمواطن الذي يرمي قمامته ونفاياته من شباك سيارته بلا أي شعور بنا ولا بنظافة الشارع للأسف، تصور في مرة رمى أحدهم كيساً مليئاً بأغلفة النساتل وقناني البيبسي وقع على رأسي مباشرة!!”
ربما لم يأخذ التصميم الأساسي في بغداد، والمدن الأخرى، في الحسبان التطور المستقبلي وازدياد عدد السكان بما يخلق الحاجة إلى توسعة الطرق وإلغاء هذه الجزرات التي أصبحت مصدر إزعاج للمواطن ولأجهزة البلدية والمرور، فهي تقلص مساحة الطريق، وتُعدّ مصدراً للأتربة، أشجارها متيبسة مع الإهمال وعدم التحديث، أما سقي زرعها فهو كارثة بحق الماء والشوارع، إذ تعتمد الجهات البلدية أسلوب السقي البدائي بالسيارات الحوضية، ما يتسبب بهدر كبير وفيض من المياه التي تزيح الطين من حافاتها إلى الشارع، في حين أن هناك أسلوب السقي بالرش أو التنقيط أو التقطير المتبع في غالبية بلدان العالم، حتى تلك التي لا تعاني من أزمة نقص المياه كما يعاني العراق، فهل يمكن أن تلتفت الجهات البلدية والمرورية إلى هذا المرفق المهم والحيوي، أم تُهمل كحال كل المرافق التي هي في تماس معنا يومياً؟
خطة لتقليص الجزرات الوسطية
الدكتور المهندس محمد الربيعي، المدير العام للعلاقات والإعلام في أمانة بغداد يرد على تساؤلاتنا في تصريح خاص للمجلة: “لأهمية الجزرات الوسطية، فإن هناك دراسة أعدتها مديرية المرور بالتعاون مع أمانة بغداد دائرة المشاريع تهدف إلى تقليص بعض منها في جانبي الكرخ والرصافة، وحتى الساحات التي يمكن أن تقلص مساحاتها والتقاطعات كذلك، بدأ العمل بها فعلاً، وجارٍ الآن، وهناك فكرة لإلغاء بعض الجزرات، وتبديلها بخطوط مرسومة تحدد المسارات. وفي بداية عام 2023 ستبدأ هذه الخطة على مراحل بالتزامن مع إكساء محلات بعدد (130 محلة)، منها حديقة الأمة في ساحة التحرير والجسر ذو الطابقين وساحة الحسنين، وهناك أنفاق ومجسرات ستُنشأ في بغداد لكي تساعد في تخفيف الزحام أيضاً، مع التأكيد على أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء هي المسؤولة ضمن اللجنة العليا المشكلة لهذا الغرض.”
إذاً.. يبقى الأمر بمصير هذه الجزرات معلقاً حتى انتهاء خطة الأمانة والمرور لكي نرى النتيجة التي نامل أن تسر أعيننا في تغيير ملامح بغداد، وقد تكون نموذجاً يحتذى به من قبل المحافظات لتطبيقه فيها، وإلا فإن إزالتها ربما تكون الإجراء المناسب للحفاظ على جمالية شوارعنا، وقد تؤدي 50% من الأغراض التي وُجدت لأجلها.